كان مارا من هنا... إنسان بلا عنوان...
من باب القصف والخلاعة. قد أسأت الحرث في ربوع الخيال، ولم أدرك المعنى والمراد. حتى أني ناجيت نفسي عن حب امرأة بحجم وطن... إذ كانت على هذا الشكل والوصف... والقارئ اللبيب يستنتج ما يريد... احذروا ألغام الكلمات... انتبهوا لجمل كحفر من الرمال المتحركة... لكم هلوستي كهدية مفخخة... لتحكموا بعدل حمورابي... أو عند ربكم تختصمون...
المباحثات ترويحات واستراحات. فما أثبت هذا المبدأ وما أحذره في ملّتي النافرة الملال، التي تحض على المؤانسة والإمتاع في الجنس حتى إشعار آخر... فلا خوف عندي من غوائل الزواج وأراجيفه، والحياة وفجاجها، والحال أني اهتديت إلى امرأة حلال، ذات همة وجمال، خصرها يمتد من البحر إلى الصحراء. لا يستحقها إلا من كان ذا جسم سليم وعقل سليم... وليس لعدمي أو سفيه مكان بين أحضانها البتول رغم فاحشة لمضاجعة غرباء مستعمرين ذات زمان. اشتركوا في جسمها لعدم قدرتهم على ترويضها وتلبية شهواتها... دارتهم تحت السرير مخافة قتلي لهم... فأخرجتهم من الباب تحت ضغطي... وبدأت تتواعد معهم من النافدة... وأنا الغافل العاقل العاقد عليها تحت سنة التاريخ وألم المخاض والوضع...
كنت أخرج بنزهات مسائية برفقتها في الطريق العام... كنت أستشعر متعة في العبث بضفائرها، وفي رؤية قبعتها الخصوصية معلقة إلى مزلاج النافذة... وفي كثير من الأمور الشبيهة، التي لم يخطر لي يوما ببال أنها يمكن أن تكون مبعث سرور...
لم أعهد إلى شيء من التكلف، بل أخذت أدعوها حبيبتي، وأخاطبها في غير كلفة، وأسأل عنها كل إنسان، وأبحث عنها في كل مكان. دون ما حرج، كلما افتقدتها... وكثيرا ما كنت أقتادها إلى الأفنية ودروب الحدائق...
كنت أُشاهـَدُ من طرف المتلصصين عن كتب وقد طوقت خصرها بذراعي، وأنا أسير إلى جوارها، وقد مـِلْتُ نحوها ورأسي يفسد استواء صدرها المكوي المنشّي...
أستيقظ في الصباح وأظل مستلقيا إلى جوارها في السرير، أتأمل ضوء الشمس وهو يتخلل زغب وجنتيها البضتين... أحدق في عيناها عن قرب، خلتهما أكثر اتساعا... لاسيما حين تفتح أجفانها وتطبقها مرات متتابعة، ريثما تألف عيناها الضوء عند اليقظة... كانت تبدوان سوداوين في الظلام، وعسليتان قاتمتين في ضوء النهار... بل أخالهما تتألفان من طبقات متباينة من ألوان تبدو كثيفة في أغوار الحدقة، ثم تشف شيئا فشيئا كلما اقتربت من السطح...
أنهض وأتهيأ للخروج... فأنطلق بمحاذاة الجسر، الذي ينبسط أمامي كشريط من غبار لا نهاية له... أمضي في دروب، بين الأشجار الوارفة، وأزقة ضيقة يرتفع القمح على جوانبها إلى الركبة... والشمس تستلقي على منكبي. هواء الصباح يملأ خياشيمي، وقد أفعم فؤادي بما ناله في ليله من لذات... لتسري الطمأنينة إلى نفسي والراحة لجسدي...
أواصل رحلتي، وأنا أجتر السعادة في تذوق، كمن يتلمظ بعد الغذاء ما خلّفته الشوكولا في فمي من طعم...
متى كانت الحياة رفيقة بي كما الآن؟... أفي أيام الدراسة، حين كنت محبوسا بين جدران المدرسة وأغلال المقررات... وحيدا، وسط زملاء يفوقونني ثروة واستيعابا للدرس، ويسخرون من لهجتي السوقية، ومن ملابسي... أم من فترة الشباب، عندما لم تكن حافظتي تضم من النقود ما يمكنني من صحبة تلك العاملة الصغيرة التي كان من الممكن أن تغدو عشيقتي... أم من السنوات التي عشتها زوجا -كضريبة خطأ، ارتكبته في حالة طيش- على سرير يُحوّل قدماي إلى قطعتين من الثلج؟...
ما أبعد كل هذا عن حاضري... أصبحت فيه مالك تلك المرأة الجميلة التي أهيم بها... لقد أصبح العالم في نظري لا يتجاوز محيط منامتها الحريرية... وأنا العاطل عن العمل... المتيم بنون النسوة وأماني حور العين قرب أنهار الخمور وجولات خدم الغلمان...
أتعجل العودة. أصعد درج الدار بقلب خافق. ثم أتسلل إلى حجرتها في هدوء. أفاجئها وهي تتزين أمام مرآة الدولاب. أطبع على وجنتيها قبلات كبيرة أحيانا، بملء فمي، أو أغطي ذراعيها بقبلات خفيفة شفيفة من أطراف أناملها حتى كتفيها... وهي تدفعني في مزيج من الضيق والإبتسام... كما نفعل برضيع إذا تشبث بنا... ذلك تمنّعٌ مصطنع...
يتبع.....
سعيد تيركيت
الخميسات - المغرب - 07 / 05 / 2015