مرت ثلاثة أعوام وأنت لا تزال في قبرك ،وأنت لا تعلم كيف تصفعنا الحياة يوما تلو آخر ، انقطع راتبك أو توقف لا أعلم آخر مرة ذهبت للمكتب ومثل كل مرة أبدى المدير أسفه الشديد وأقسم لي بكل الأيام الحلوة التي قضاها معك بأن الرواتب لم تصل حينها عدت أنا وابنك محمد سيراً على الأقدام ، إبنك يا عزيزي الذي كنت تحرص على تدليله انتفخت أقدامه واسمر لونه وتشبعت عيناه بالقهر والحرمان وأنت هناك في ذلك المكان الهادئ لا يشغلك هم لماذا تركتنا يا زوجي الحبيب لماذا وأنت تعلم أنني امرأة كلما حدثت رجلاً عن حاجتها تذكر غرفة النوم وأمطرها بنظراته الشهوانية القذرة ..

هل تستمتع الآن بالسكينة وراحة البال ! لم أكن أعهد عنك كل هذه الأنانية.. لقد كنت حنونا طيب القلب وكانت الدنيا معك ربيعاً مزهراً وسعادة لا توصف تركتني أحمل أوجاع الحياة برمتها حزن فقدك وصراعي المرير من أجل البقاء ..

نصحتك مراراً قلت لك إن الوطن الذي تقاتل من أجله ما هو إلا طغمة من الأوغاد يرحل الطيبون فيصعدون على أكتافهم يسرقون موتهم كما سرقوا حياتهم من قبل قلت لك لنرحل من هذه البلاد وكنتَ في كل صباح تقبل ثرى هذه الأرض قل لي الآن ماذا فعلت الأرض لي وأنا أمشي فيها حافية القدم عارية من كل الأحلام التي نسجناها معا في أيامنا الجميلة

ذات يوم خرجت للبقالة لأشتري الخبز صرخ بوجهي البائع فرآني رجل بالقرب فاشترى لي الخبز والماء وطلب مني رقم هاتفي وحين أخبرته أني لا أملك هاتفاً طلب مني الخروج معه .. بكيت عندما تذكرت غيرتك وعندما ذهبت لعاقل الحارة أسأله عن موعد وصول السلة الغذائية تحرش بي ذلك الأحمق التافه يتحرش بي أنا .. أنا زوجتك التي كنت تسبغ عليا أشعار الغزل والوجد بلسانك العذب وروحك الممتلئة بالحياة والحب والوجد ..

ثلاثة أعوام بعد رحيلك لم يعد يتحرش بي أحد حتى سائق الباص نسي مرآته تجعد وجهي خطواتي خارت وعيوني انطفأت أما طفلك الصغير فصار يمشي حافياً يقلد أولئك التافهين الذين أفرزتهم الحرب وأنت وحدك لا تزعجك الأشكال ولا تلوث سمعك اللعنات

كم كنت أنانياً وأنت تتركنا هنا في هذه المقبرة الكبيرة لتبحث عن موت آخر مريح ونحن نموت كل يوم نتجرع لعنة الوطن والحرب والحياة .