مصاعب مواجهة الصفقة - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

مصاعب مواجهة الصفقة

هيام فؤاد ضمرة

  نشر في 28 نونبر 2018 .

مصاعب مواجهة الصفقة

"""""""""""""""""""""

هيام فؤاد ضمرة

""""""""""""""

الشعب الأردني أكثر الشعوب وطنية، وأكثر الشعوب انتماءاً للأرض والوطن وحباً لملكها وللعيش الكريم، وامتلاكاً لرغبة حقيقية للمشاركة في حدود المقدرة في انقاذ بلدهم الأردني قبل أن تتفاقم أمور المديونية المتضخمة للبنك الدولي بسبب الفساد بالوصول لحالة الإنهيار الأخير، هذه حقيقة لا يمكن لأي مخلوق أنْ يقلل من قيمتها أو يطعن فيها، إنما ماذا يمكنه فعله هذا المواطن الفقير الغلبان في غالبيه سكانه أمام الخطأ الجسيم الذي ارتكبته الوزارات المتعاقبة على ميزانية البلد؟ وسوء برامجها الاقتصادية وسقوطها بين براثن المنتفعين والمستغلين، ماذا يمكنه أن يفعل هذا المواطن المغلوب على أمره والمثقل بعظم مسؤولياته وديونه هو الآخر حين تقوم دولة بلاده بخطف لقمة عيش أولاده من داخل أفواههم من خلال القوانين المتعاقبة في الاعتداء على دخله البسيط، فلم يعد بمقدوره مواجهة متطلباته الأساسية في حدود لقمة عيشه هو الآخر.. فكيف سيواجه انهيار مديونية بلاده؟ وما المستقبل الذي ينتظر وطنه ومواطنه أمام لعنة العقاب الأمريكي وحلفائها؟

مما لا شك فيه أن الملك عبدالله الثاني بن الحسين يدرك حدود مقدرة الأردنيين في الصمود، وهو صاحب موقف جدير بالاحترام رغم صعوبة وقسوة الحلقة التي تضيق حول وطنه ومواطنه لدرجة خنق الأنفاس من أجل اركاعه وإعلان قبوله صفقة القرن، واقراره بيهودية القدس التي ستنهي القضية الفلسطينية وتلغي حقوق الفلسطينيين كلها نهائيا ويتم قبولهم بالشتات وتجميع ما يمكن تجميعه منهم في دولة واحدة هي الأردن وقطاع غزة، إنه لا يستطيع أن يسلم كل شيء مقابل لا شيء، ولا يستطيع أن يتنازل عن حقوق إنسانية الإنسان الفلسطيني لأن الأردن أيضاً ستدفع ثمناً باهظاً لو حصل ذلك، فالتحديات المالية تفوق احتمال الوطن والمواطن.. وأمام هذه الهوة السحيقة ما الذي سيبقى بيد الأردنيين فعله بعد الذي فعله؟ سؤال لا يمكن تغييبه في هذه الظروف العصيبة.

من المؤكد والمفروغ منه أنّ الملك عبدالله ليس ضد التغيير والتحديث الذي ينوي كل من أمير دولة الإمارات وولي العهد السعودي العمل لأجله في المنطقة واستقبال عام 2030م بإحداث نقلة نوعية في المنطقة وبناء مدن حديثة بمظاهر حضارية متطورة والتمهيد لانفتاح جديد يلائم متطلبات التطور على الصورة التي يرغب بها الغرب، والأردن كغيره موعود بمثل هذه التحديثات الحضارية، وتم ايقاف مشاريع هائلة وتعليقها على قبول الصفقة الترامبية كمثل بناء المدينة الجديدة ومشروع القناة بين البحرين الأحمر والميت، وما يتمخض عنه من مشاريع ثانوية في ربط الماء والكهرباء بين دول المنطقة، وتشغيل الأيدي العاطلة عن العمل، ورفع منسوب مياه البحر الميت لإيقاف الإنهيارات الأرضية والرملية..

فما الذي يجعل الملك عبدالله ينفرد وحده برفض الصفقة فيما تجري كل التمهيدات لها على الساحة العربية والاسرائيلية والأمريكية لولا رغبته بحفاظه على الإرث الهاشمي؟

وما الذي يجعل حكومة جلالته تضغط بدورها على المواطن الأردني ليشد على بطنه الحزام بكل هذه القوة الخانقة وفرض المرفوض؟

ولماذا قفزت مديونية الأردن قفزتها العالية فجأة وبلا أي مقدمات؟

ولماذا لا يتم استرجاع المال المنهوب من الفاسدين الناهبين قوت الشعب أو حتى ابعادهم عن مواقع السلطة؟

كل هذه الأسئلة وسواها تتبادر إلى ذهن المواطن والمحللين، ليصل لادراكهم معني ما يجري في الوقت الراهن على الساحة العربية من ناحية، وعلى الساحة الأردنية من ناحية أخرى، فالقادم يكاد يكون مرئيا عبر شاشة شفافة تشي بما وراءها، والإدارة الأمريكية الحالية تسير بمخططاتها غير عابئة بأحد، ولا يهمها من يعتبرها نزيهة أو غير نزيهة لانحيازها الكامل نحو وجهة نظر دولة الاحتلال، بدليل اتخاذها كل الخطوات التي كانت تنتظرها دولة الاحتلال وفرضها على كل الدول العربية.

وقد يتساءل البعض لماذا اختارت أمريكا عقاب الأردن اقتصادياً ووقف المساعدات بمليار دولار سنوياً بدل توسيع ميزانية المساعدات ورفع المديونية عن الأردن كورقة لعب تثير اللعاب وتلين المواقف.. إلى أي حد يستطيع الأردن المنهار اقتصاديا وميزانية الصمود؟

المستقبل قاتم؛ والتوقعات تصطدم باجابات مخيفة قد لا تستطيع الاذن سماعها، فهل رفض أي مسؤول عربي لنقل السفارة الأمريكية إلى القدس سيوقف سريان أمر قرار ترامب النافذ؟

توقعات الاقتصاديين والمتعمقين في الثقافة الاقتصادية، تقول: أنه خلال وقت قصير جداً لا تتعدى عامين على الوضع الاقتصادي العالمي وكل الشواهد الحالية تؤكد امكانية حدوث انهيار عالمي وشيك اقتصاديا.. فمن إذن الرابح الحقيقي في هذا العالم الذي يقابل الخاسر؟ وإلى أي مصير سينتهي أمر العالم؟ وأمر دولة صغيرة مرهق كاهلها بالديون للبنك الدولي؟ إذن لماذا يتم عصر المواطن الغلبان طالما لن يستطيع تلبية طلبات حكومته بالضرائب ورفع الأسعار بالصورة المبالغ فيها؟

إنّ صفقة ترامب التي ينوي فرضها على الفلسطينيين بقوة المحاصرة والتجويع ترضخ لسياسة التركيع بالقوة وبالقهر، وهي تفرض على العرب التوقيع على القبول بيهودية الدولة وعاصمتها القدس، وقبول اسرائيل كدولة صاحبة حق شرعي ضمن دول المنطقة، والتطبيع الكامل مع الدول العربية وتبادل السفراء، والتبادل التجاري المفتوح، وضم التجمعات الاستيطانية الى الدولة اليهودية تلك المنتشرة على الأرض العربية من أراصي الضفة الغربية، وسيطرة اسرائيل على الحدود البرية والمياه الاقليمية والأجواء وحتى الموجات الكهرومغناطيسية.. إذن ما شكل هذه الدولة الفلسطينية حتى وان ارتبطت كونفدرالياً بالأردن؟

مقابل قبول العرب بدولة بلا سيادة عاصمتها قرية أبو ديس منزوعة السلاح، وإلغاء حق العودة لنازحي 1948م نهائياً، والسماح فقط لوزارات خدمات لا غير، ومؤسسة أمنية داخلية لأعمال الشرطة والمرور فقط.. هنا أدرك الملك عبدالله أن الصفقة صفيقة بكل المقاييس، وأنها تلغي حقوق أهل فلسطين بالكامل، وتنحاز لدولة الاحتلال بالكامل أيضاً، وهي بأصلها غير شرعية، وهو سبب وجيه يجعله يرفض هذه الصفقة التي تخطف من أهل الحق كل حقوقه وإلى الأبد.

فإذا كانت هذه الصفقة المنحازة بكليتها نحو دولة الاحتلال ومصالحها فقط هي جوهر العملية السلمية في صفقة القرن، فيجب وعلى وجه واضح أن تقابل بالرفض، لأنها تشكل إهانة بليغة للأمتين العربية والإسلامية وتتنكر لحق الفلسطينيين الذين يضعون أملهم بأمة الاسلام، كون القضية تتعلق بأرض الاسلام المؤتمنون عليها، كما أن تهويد الدولة والسيطرة على القدس كعاصمة يعني سقوط حق الولاية الهاشمية على المقدسات وبالتالي ستسقط هويتها العربية والاسلامية إلى الأبد وسيختفي الأقصى من الوجود، وليس من حر يقبل بمثل هذه البنود الخطيرة، ولوكانت في الصفقة ما يحفظ على العرب ماء وجههم لكان في الموضوع مجالا رحبا للتفاهم ومسك العصا من وسطها، فصفقة القرن لا تتوقف حدودها على الشأن الفلسطيني بل تتعداه لكل العرب.

وللأسف العرب سارعوا بتسابق غريب على فرش السجاد الأحمر لدمج اسرائيل بالمنطقة العربية لاعتبارها شريكا استراتيجياً وحليفا مقرباً، فيما الإدارة الأمريكية تسابق الزمن قبل انتهاء فترة حكم ترامب لفرض واقع الحل الذي تتبناه بالأسلوب الدكتاتوري الصفيق، فلولا قبول عرب الخليج بالصفقة لكانت اسرائيل في ورطة حقيقية والنضال الفلسطيني يوجعها من رأسها لأخمص قدميها.

اسرائيل تعيش مرحلة عصيبة من مراحل ارهاصات ضعفها وترهلها الواضح، فمقتل ضابط كبير هزها في الصميم وأعاد رئيس دولة الاحتلال إلى البلاد وهو في حالة يرثى لها من القلق والخوف، وما هي ليس إلا لعبة متقنة تلك التي لعبتها الآلة الإعلامية الاسرائيلية في اظهار المجتمع الاسرائيلي في مظهر المستقر أمنيا وجماهيرياً وما من شيء يشق صفوفه، وفي الحقيقة أن هذا غير حقيقي من أساسه، والذكاء الفلسطيني أظهر ذلك بلعبة العلم المزيف التي جعلت جنود الاحتلال يتفرقون كالجرذان في كل صوب وهم يتخبطون ببعضهم.

عدا عن أنّ الهجرة العكسية تتزايد بنشاط واضح يوما بعد يوم خاصة بعد اصابة العمق الاسرائيلي بصواريخ غزة، فلا نستغرب أن يقرّ ترامب بالقول بصورة علنية أن عرب الجزيرة أنقذوا نتنياهو، لأنهم أشعروا شعبه المتسحب من اسرائيل أن امكانية السلام واقع قريب جدا من خلال استقبال العرب له، فقد ذهب نتنياهو إلى عُمان وهو لا يكاد يصدق ما وصل إليه، ولقد انهمرت دموع وزيرته فرحا في الامارات لأنها أحست أنها أخيراً كسرت حاجز الخوف عند شعب اسرائيل المتشكك بإمكانية حصوله على الأمن وصار الأمل أكبر ببقاء اليهود في فلسطين.

ولعل شجاعة الملك عبدالله تؤتي أُكلها في تغيير المواقف بالنسبة لوضع المقدسات، فنتنياهو يستعجل انهاء الأمر أكثر من الفلسطينيين والأردنيين أنفسهم وأكثر من العرب جميعهم، لكنه يحاول جهده حتى النفس الأخير لأن يبدو متماسك وغير مرعوب ألا تتحق مظاهر أمن بلده.

والملك الذي أثبت ثانية أنه صاحب قرار مستقل قد تصلب عند رأيه رافضاً المقترح السعودي لرفض المشاركة في قمة اسطنبول لأن ايران تشارك فيها، فقد حضر القمة برفقة أشقائه الأربعة متحدين كل الإشاعات لإظهار تماسك الأسرة الهاشمية، وألقى خطابا ناريا لا يعجب السعودية والإمارات، رغم أن الملك يحاول الحفاظ على المساعدات الخليجية للأردن قدر الإمكان على ألا يكون ذلك على حساب خسران القرار الخاص، وقد تسلم الملك وعداً بأن تكون للأردن حصة في مدينة (نيوم) الذكية التي ستقام على أرض ثلاث دول هي الأردن ومصر واسرائيل والممولة من السعودية وعقود شركات استثمارية محلية ودولية في حال قبول الأردن صفقة العصر، ومع ذلك فإن رفض الملك لفقد حق الهاشميين بالأماكن المقدسة في القدس يعرض الأردن للعزل السياسي والاقتصادي، واستبعادها عن حصاد الصفقة، ويظل على هذا مستقبل المنطقة يتأرجح بين توقعين لا ثالث لهما إما الفشل أو النجاح بفرض الحل الترامبي بكل الطرق المتاحة.


  • 1

  • hiyam damra
    عضو هيئة إدارية في عدد من المنظمات المحلية والدولية
   نشر في 28 نونبر 2018 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا