خالد بن الوليد...قائداً لمئة معركة خَلَت من الهزيمة
بقلم : غزوان الحمصي/Ghazwan Abu Waseem
نشر في 09 أبريل 2016 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
في هذه السطور، ستقرأون عن إسم من أعظم الأسماء التي رفعت راية الإسلام عالياً، ستقرأون عن تاريخ وأعمال هذه الشخصية الإسلامية التي لن يُكرّرها الزمان أبداً...
عائلته
هو الصحابي الجليل خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله، من بني مخزوم، ولِدَ في سنة 34 قبل الهجرة وترعرع في أحد أعرق بيوت بني مخزوم وأثراها.
أبوه: الوليد بن المغيرة، ولقبه "الوحيد"، وذلك لأنه كان يكسو الكعبة لوحده سنة، وتكسوها قريش مجتمعة مثل كسوته سنةً أخرى.
أمّه: لبابة بنت الحارث الهلالية
أعمامه : هشام، الفاكه، أبو حنيفة، وأبو أميّة
يُعتبر عمّه الفاكه بن المغيرة من أكرم العرب آنذاك، فقد كان له بيت ضيافة يدخله من يشاء دون إذن. أمّا عمّه أبو حنيفة، فقد كان ضمن الأشخاص الأربعة الذين حملوا أطراف الرداء الذي كان يحمل الحجر الأسود، وأخذوه إلى موضعه. كما لُقّبَ عمّه أبو أمية ب"زاد الراكب"، وذلك لأنه كان يمد أصحابه في سفرهم بالمؤونة، فلا يتزوّدون بغيرها.
بني مخزوم قبل الإسلام
اقترن الجمال بقبيلة بني مخزوم، وسمّيوا "رياحين العرب"، وقد كان والد خالد"الوليد بن المغيرة" سيد بني مخزوم، وصاحب الرأي و الكلمة التي تحدد مصير قومه. فقد تصدّى بني مخزوم للدعوة المُحمديّة، حين جاء الإسلام ليغيّر صفاتهم و عاداتهم القديمة التي كان منها: حب المال والسيطرة و التملُّك، قلّة الرحمة، الصرامة، التفاخر بالثراء، والإقراض بالربا.
وكان "الوليد بن المغيرة" من أغنى الأُناس في عصره، فكانت من أملاكه البساتين و الكروم و الذهب و الفضة، وكان يزعم بأنه من أحق الناس بالنبوّة، فقال: (أينزل على محمد وأُترك وأنا كبير قريش و سيدها).
أمّا خالد، فقد واجه الدعوة المُحمديّة مثلما واجهها أباه وأبناء قومه. وكان له الفضل في قلب الموازيين على أرض معركة أُحُد، عندما استغلّ انشغال المسلمين بالنصر، فقام بالهجوم عليهم هو وعكرمة بن أبي جهل، محققاً بذلك النصر للمشركين.
وتصدّى للنبي عليه الصلاة و السلام في "سنة الحديبية"، عندما كان النبي خارجاً لأداء العُمرة بعد أن عقد اتفاق مع قُريش، وكان يرافق النبي عليه الصلاة والسلام 1500 من المسلمين، فتقدّم خالد بن الوليد مائتي فرس ليذهبَ بهم إلى أبواب مكّة، مُنتظراً قدومهم. وعندما وصل النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه، صلّى بهم العصر صلاة الخوف، فتجهّزَ خالد للعدوان عليهم أثناء صلاتهم، لكن ذلك لم يحدث، بسبب نُصح أحد أصحاب خالد من الفرسان بألّا يعتدي على المسالمين.
إسلام خالد بن الوليد
وصلت لخالد بن الوليد رسالةً من أخيه "الوليد بن الوليد"، الذي كان قد أسلم وآمن، فقال له "الوليد": (أمّا بعد، فإنّي لم أر أعجب من ذهاب رأيك عن الإسلام، وعقلك عقلك، ومثل الإسلام يجهله أحد؟!، وقال : {سألني رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال: أين خالد؟، فقُلت: يأتي الله به، فقال: ما مثل خالد يجهل الإسلام، ولو كان جعل نكايته وحده مع المسلمين على المشركين لكان خيراً له، ولقدمناه على غيره.} فاستدرك يا أخي ما فاتك منه، فقد فاتتك مواطن صالحة.)
فكانت تلك الرسالة بمثابة السؤال الذي جاوب عليه خالد بالموافقة، وبذلك أعلن إسلامه واتبع نُصح أخيه و نُصح النبي عليه الصلاة والسلام.
وبعد إسلامه، ذهب إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقال: (يا رسول الله... قد رأيت ما كنت أشهد من تلك المواطن عليك معانداً عن الحق، فادعُ الله يغفرها لي). فأجابه النبي: أنَّ الإسلام يجب ما كان قبله. فقال خالد: يا رسول الله، وعلى ذلك!، فدعا النبي ربّه: اللهم اغفر لخالد بن الوليد كل ما أوضع فيه من صد عن سبيلك.
سيفُ الله المسلول
لقد سمّاه به رسول الله عليه الصلاة و السلام، فقال عن الصحابي خالد بن الوليد بأنه "سيف من سيوف الله سلّه الله على المشركين"، فقد عَرِفَ النبي عليه الصلاة والسلام بأنه يستحق هذا اللقب، وقد لقّبه بذلك قبل أن يهزم الفرس و الروم و قبل محاربته للمرتدّين وضمّه العراق والشّام لجزيرة العرب.
لقد صَحِبَ خالد النبي عليه الصلاة والسلام ثلاث سنوات، ليشهد معه من خلالها أكبر الغزوات وأهم حوادث الإسلام، منها: غزوة "مؤتة"، غزوة "حنين"، كما شارك معه في غزوة "الطائف" وغزوة "تبوك"، اللّتان لم يجري فيهما لقاء.
صفاته وأعماله
قال صاحب دومة الجندل (رجل من العرب يعيش في الشام)،عندما عَلِمَ بقدوم خالد إليه:
كان خالد بن الوليد القائد العسكري العبقري، بِبُنيَتِهِ العظيمة وبسداد رأيه، أضف إلى ذلك حزمه وصرامته. لقد شرب السُّم مرتين، الأولى عندما حاصر قوماً من الكافرين في إحدى حصونهم، فقالوا له: أتزعم أنّ دين الإسلام حق؟ فأرنا آية لنُسلم، فقال: احملوا إليّ السُّم القاتل، فأتوا به فأخذه وقال: بسم الله، وشربه ولم يضرّه. الثانية عندما قَدِمَ الحيرة أتى بسُم، فسمَّى وشربه ولم يؤثر فيه. كيف للسُم أن يؤثر فيه وهو خالد، الرجل الذي عوّد جسمه على أكل الأطعمة المسمومة التي كانت الناس تخاف منها ولا تقربها خوفاً من الهلاك ومنها"الضب".
من خالد إلى هرمز قائد الفُرس:
لقي خالد الفُرس ومن والاهُم في خمسة عشرة وقعة، لم يُهزم في واحدةٍ منها قط. قتل من الفُرس ثلاثين ألفاً في وقعة "المذار"، وهي الوقعة اللاحقة لوقعة "ذات السلاسل" التي قُتل فيها هرمز قائد الفُرس، وحارب المجوس في وقعة "أليس" وانتصر عليهم.
ومن أعمال خالد التي تُبيّنُ لنا عبقريته ودهائه، بأنه سار بجيشه وقد كانت عُدّته عشرة آلاف، من عين الثمر إلى قراقر ومنها إلى سوى ثمّ تدمر فالغوطة وصولاً إلى بصرى، لملاقاة الروم، فقطع كل هذه المسافة في ثمانية عشر يوماً !!
قال عُمر بن الخطاب رضي الله عنه:
معركة اليرموك
أسند المسلمون خالداً لقيادتهم في معركة اليرموك، فأقام على تعبئة جنوده، ووضع الخُطط، فأقام عمرو بن العاص على جهة الميمنة، ويزيد بن أبي سفيان على جهة الميسرة، وأبا عبيدة بن الجراح على القلب، ثمّ اتخذ خالد طريقته في الحرب وهي طريقة " الكراديس"، حيث رأها من أصلح الطُرُق التي تُمكّنهُ أن يُجهزَ فيها على العدو. وقد كان على قيادة تلك الكراديس، أصحاب خالد من القادة، منهم، القعقاع، عكرمة بن أبي جهل، وعياض بن غانم. وقد كان النصر حليف المسلمين، بفضل حنكة خالد العسكرية وقيامه بتوحيد الصفوف وقيادتها، إضافة إلى ذلك ثبات عزيمة من معه، ومُبايعتهم للموت وتسلُّحهم بالإيمان.
عَزله
أمرَ الفاروق عُمر بن الخطاب، بعزل خالد و إسناد الأمر لأبو عبيدة بن الجرّاح، فقال عُمر في ذلك: (إنّي لم أعزل خالداً عن سخطة ولا عن خيانة، ولكن الناس فُتنوا به، فخشيتُ أن يُوكَلُوا إليه ويبتلوا، وألا يكونوا بعرض فتنة).
وعندما قصدَ خالد المدينة قال للفاروق: (لقد شكوتك للمُسلمين، وبالله إنك في أمري غير مجمل يا عُمر...)، فقال له الفاروق: (يا خالد، والله إنك عليَّ لكريم، وإنك إليَّ لحبيب، ولن تعاتبني بعد على شيء)
وفاته
وقال الصحابي الجليل خالد بن الوليد وهو على الفراش ينتظر الموت:
قضى الصحابي الجليل بقيّة أيّامه في مدينة "حمص" وهي المدينة التي تشغَل المنطقة الوسطى من سوريا، ليعيش فيها نحو أربعة سنوات مع أهله، ليتعاقب الموت على أبناءه، فمات نحو أربعين منهم في سنة الطاعون، ليلحق الموت بعد ذلك بإبنه "عبد الرحمن " وإبنه "المهاجر"، لتنقرض بذلك ذُريّة خالد بن الوليد لعد فترة، فيكون الوريث لبيوته في المدينة، أحد أبناء أخيه.
توفي بعد أن حقق النّصر للمُسلمين في مئة زحف و معركة، وما في بيته سوى فَرَسه وسلاح وقفه للجهاد في سبيل الله، فقال عُمر بن الخطاب في ذلك: (رَحِمَ الله أبا سُليمان، كان على غير ما ظنناه به)، ثمّ قال: (كان والله سداداً لنحور العدو ميمون النقيبة)، ووصف وفاته فقال:
فتوفاه الله بين سنة 21 و 22 للهجرة، وقد كان قد بَلغ من العُمرِ 55 عاماً. وإنّي لأفتخر بانتمائي لمدينة خالد بن الوليد،القائد الإسلامي وعبقري الأمة، و أعتز بأنني من مواليد مدينة "حمص"، فقد كانت تبلغ المسافة بين بيتي و مسجد خالد بن الوليد وموضِع دفنه، مسافة ربع ساعة مشياً على الأقدام، غير أنّ الحرب في سوريا، غيّرت من ملامح مسجده، بعد قصف القوّات الحكومية له بذريعة محاربة الإرهاب، كما أبعدتني تلك الحرب عن مدينة سيف الله المسلول إلى أجَلٍ غير مُسمّى...
-
غزوان فرحان نواياشاعر || مؤلف || كاتب || قارئ || أخصائي صحة نفسية والعلاج النفسي