العائد من حربه لا يظفرُ بالسّلام
السّلام! هه، ذلك ما نزعمُ أننا نقاتلُ لأجله لكنّ لا أحد يظفرُ به ، العائد من تلك الصّرخات لا يظفرُ به! في كابوسه يرى كابوساً يبحثُ عن ناجين يبحثُ عن نفسه فلا يجدُ أحدا ولا يجد السّلام.
نشر في 28 مارس 2017 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
عدتُ من حربي حاملاً الكثير من النوستالجيا لإبنٍ لم أستطع مشاهدته وهو يكبر.
لأخٍ خشيت أن ينسى ملامح وجهي المُفعمة بالغضب - وسط كل هذه الحرب -
تلك صفعةُ نفور استطاعت أن تؤذيني تماماً ك رصاصات العدوّ!
أُمي ! وصوت شلاّل الأواني المتساقطة ونبرتها الغاضبة المليئة باللعنات، وشيءٌ في عينيها يقول : إنّك تشبههُ تماماً، لعنةُ الحرب التي ابتلعت أبي، لا تنفكُّ تحتفظُ بصورة لهُ وهو يضحك بينما هو نائمٌ للأبد. حاملاً بُندقيته المليئة بالنتوءات وندبة قد توسطّت خدّه شقت طريقها لتستقرّ في قلبي
جلّ ما أذكر أني قدمت مع المرتزقة وتُجار الهيكل من وراء البحار
"إنه سهل، هذا الانتصارُ سهل" أول ما تمتمتُ به عندما وطئت قدمي اليابسة
أبناء القرى المُعادية كانوا يشتمونا بسائر لهجات المدينة! وددتُ لو أنهم أخذوني ك رهينة حينها أعرف أن الحكومة لن تتفاوض على رجل مثلي ! وأنّ كل الأيادي التي قبّلناها بالأمس صفعتنا اليوم.
أراهم يهرعون إلى الصّلاة على الذين لا تكاد تعرفهم، أما أنا فأتكئ دون أدنى خشوع. لربما خشيتُ أن أفقد ألمي الذي آلفته طويلا.
بينما كان الليلُ مثالياً للهجوم، كان النّهار لنعت الحُلفاء وشتم العدوّ، كنا نتلو ما يردّدونه على مسامعنا كالبّبغاوات
أيتها الشمس: لم كل هذا اللهيب لرجل لا يستحق؟ هذا النور ليس طريقي، أنا ثائر!
لا ينفكّ الجنود الأصغر سناً يسألوني كيف يبدو الموت فأخبرهم أنه ليس أسوأ مما في صدورهم التي تغطيها التمائم. كان عزائي الوحيد هذا التبجيل الغريب لرجال لا أعرفهم حموا ظهري
انتصرت.
لم تخبرني الصحف بهذا.
لكن لا أنفك أخبر نفسي المجدولة بالعار ذلك.
فأنا لا أزالُ مجرد رقمٍ أثار الجدل في التاريخ والإعلام، يُذاع ك خبرٍ عاجل في خمس دقائق ثمّ يُنسى إلى الأبد
الآن وقد عدتُ، ليس وكأنّه قد مرت حربٌ من هنا. ذاك الجسر لم أرى عليه آثار الحرب! تلك الجثث اختفت للأبد، حتى فزاعة المزارع العجوز الذي ارتعدتُ وجلاً منها ذات مرّة أصبحت ملجأً آمناً للغربان الآن، وجزازّة العشب قد امتلأت بالصدئ.
لم يعترضني أيّ قطّاع طرق أو مارشالات! كما كان بل أراهنُ علىى أنني أبزُ الجميع حقارة هنا! لا أنفك أرتادُ ذاك المقهى حيث النادلاتُ أقوى مني !! الجميعُ بدا مُتلهفاً لهذا الغروب إلا رجلانِ عند الزاوية أحدهما يُخفي نُدبته . أما الآخر يترقّبُ الصفح؛ بعد أن قيل كُل شيء!
ثمّة غِبطة تُراقب بحسرة " ألا زلنا قادرين على الإئتلاف يا أخي" ؟