بسم الله أبدأ.
أبدأ بالمذمم، وهو القعود، في القعود عجز وتسليم، تسليم غير الذي هو محمود، تسليم لأمور عدة منها تسليم لشعور ضعف، وربما تسليم لعظيم شؤم، وربما تسليم لعجز عن اللجوء إلى غير التسليم،
أرى أن القعود فيه من الجبن ما فيه، ولا أرى لصاحبه استحقاق لأن يتمتع بأنفاس الحياة، فالحياة تضيف له ولا يضيف لها، يأخذ منها دون عطاء، ولا قيمة للمرء دون عطاء، وعطاء المرء منه المادي ومنه المعنوي، وقد حال بينه وبين كل صور العطاء، فما أبعده عن العطاء المادي إذ هو قاعد، وما أفقر نفسه من العطاء المعنوي إذ هو ضعيف عاجز مشئوم قد ضعفت روحه وعجز قلبه وشاخ قبل قُوى بدنه، وتشائمت نظراته، وإذ به يأخذ من أنفاس الحياة نسيما ليعالجه بدواخله فيخرج علينا سما في صورة أنفاس، يخرج الحقد إن تقدم غيره، ويخرج الحسد إن قام أمامه قائم، هو على المجتمع بلية فإن لم يقم أقعد من حوله بقواه المشئومة، فالحقد قوة، والحسد قوة، قوتان تخرجان من نفس ضعيف.
أما المحمد، وهو القيام ففيه وبه تكون القوة، قوة الغلبة على القعود أولا، وقوة البذل في الحياة ثانيا، قوتان تنئيان بالمرء من مقام إلى آخر، مقام هو في مكانته كالسماء إذ تبعد عن الأرض، يرتقي القائم في العلو حتى أنه يوشك أن يعانق الثريا، وأسمى العلو وأحبه عندي هو العلو عن النفس ودنسها، فيطلب المرء العلا من العليِّ أولا ويسير إليه بسبب ثانيا، آخذًا في صحبته معنًا من معاني القيام، وهو أفضل المعاني وأجلها وأيسرها على النفس إن قوي إيمانها، أقصد هنا القيام الذي هو صلاة، فالصلاة للحياة كالعمود للبيت، إن أُحسن قيامه أُحسن وقوفه، فإن أنت أقمت الصلاة أقمت دينك فأقمت نفسك وقمت على أمورها، وإن هي حسُنت حسُن دينك، وإن يحسُن الدين، يحسن قيامك الآخر في كل معنى من معاني القيام.
-
محمد فليفلطالب بكلية الطب جامعة الأزهر الشريف