فرانكشتاين لم يمت - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

فرانكشتاين لم يمت

  نشر في 22 غشت 2016 .

 من قراءة رواية "فرانكشتاين"، رائعة الكاتبة البريطانية ماري شيلي، وتأثرت للغاية بنهايتها المأساوية، وإن كانت هذه هي النهاية الطبيعية في وجهة نظري لمن لا يدرك حدود إمكانياته كإنسان، ويحاول أن يخرق قوانين الطبيعة، ويعتدي على سنن الكون دون أي مراعاة لمعايير الأخلاق و الجمال الذي يفقد الكون كل شيء جميل بفقدهما.

و"فرانكشتاين" لمن لا يعلم، رواية تحكي عن شاب طموح اجتهد في دراسة العلوم والكيمياء لكي يحارب الموت، وتفانى في تجاربه وانغمس في معمله حتى استطاع أن يخلق ما تصور أنه إنسان، عن طريق تقطيع جثث الموتى وتكوين جسد من أعضائهم، ولم ينتبه إلى بشاعته إلا عندما نجح في بعث الحياة فيه.

وكان واضحا أن فرانكشتاين وإلى وقت قيامه بكارثته المتمثلة في اختراعه، كان يتصور الإنسان إلها إلا أنه من لحم ودم، وتناسى أن هذا الإنسان يجب أن يكون له أهل ووطن وأحباء وحتى أعداء، ليشعر بإنسانيته.

وتتطور أحداث الرواية ليصبح المسخ الذي جنى عليه فرانكشتاين بجلبه إلى الحياة وهو بهذه البشاعة، وبالاً على فرانكشتاين وعائلته وأصدقائه، لأن هذا المسخ لم يجد من يقبل به، فحقد على الجميع، وبالذات على صانعه، الأمر الذي دفعه إلى الانتقام.

ولكني بمجرد انتهائي من قراءة هذه الرواية العميقة، أدركت أن فرانكشتاين لم يمت بمجرد نهاية هذه الرواية، وكذلك المسخ الذي أجرم فرانكشتاين بجلبه إلى هذه الحياة، بل إنني أزعم أن فرانكشتاين ليس شخصا واحدا، فنحن نعيش في هذا العالم بين عدة فرانكشتاينات.

لكن الفارق بينهم وبين فرانكشتاين الرواية، أنهم يتفوقون عليه في البشاعة، والفارق الثاني والأبرز أن فرانكشتاين الرواية خلق مسخا من لحم ودم، أما هولاء فمسوخهم من أفكار، ومسوخ الفكر التي تتجلى في الأفكار المشوهة؛ دائما ما تكون أشد خطرا من أقسى الوحوش الضارية.

مسخ فرانكشتاين ولد مشوها ضائعا، لأنه تكون من مجموعة من الأجساد الميتة التي طال بعضها العفن، ولم يكن له كيان واحد، وهذا هو شأن الأفكار الممسوخة غير الأصيلة.

فرانكشتاين ظن أنه يصنع شيئا عظيما، أنه يخلق إنسانا، وهو في حقيقة الأمر يصنع كارثة، إلا أن ضميره أكثر يقظة من أمثاله صانعي المسوخ الفكرية، لأنه اعترف في نهاية الأمر -ولو بعد فوات الأوان- أنه أجرم، بعكس بعض صانعي المسوخ الفكرية الذين يصممون علي جرائمهم حتى فراش الموت أو مشنقته.

مسخ فرانكشتاين قضى في نهاية الرواية على صانعه وانتهى الأمر، أما المسوخ الفكرية فإنها قد تقضي في طريقها على الملايين، إنها لا تحتاج إلى الأنثى -التي طلبها المسخ في الرواية من صانعه لكي يكف عن ملاحقته-حتى تتكاثر.. مسوخ الأفكار -كأكثر التخيلات رعبا- ذاتية التوالد، لا تحتاج إلا أن تدخل عقولا ناشئة أو جاهلة فتصبح عندها هي الحقائق.

مسخ فرانكشتاين كان واضح القبح لا تخطئه العين، وهذا ما سهل على المجتمع معرفة مدى غرابته عنه. أما مسوخ الأفكار فغالبا ما تكون جميلة المنظر براقة الصياغة مليئة بالوعود، وهنا تكمن الخطورة، فمعظم الأفكار التي دمرت العالم وقضت على حياة الملايين، كانت تصاغ في أبهى الصور.

فنازية هتلر وفاشية موسوليني أبهرت أتباعهما، ومات فداء لمسوخهم الفكرية الملايين من زهرة شباب العالم في القرن المنصرم، وشيوعية ماو تسي تونغ قتلت في طريقها مليون شخص على أقل تقدير، وبعث سوريا والعراق دمر الدول التي تحكّم فيها والمناطق المحيطه به.

كم من فرانكشتاين يعيش في منطقتنا العربية، بل كم من فرانكشتاين يجلس على كرسي الحكم فيها.




   نشر في 22 غشت 2016 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا