الملازمة بين الإنسانية والدين في حياة الإنسان - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

الملازمة بين الإنسانية والدين في حياة الإنسان

  نشر في 12 أبريل 2019 .


قد يتساءل البعض كيف تكون الإنسانية قبل الدين؟! ونجيب على ذلك بأنه لاشك من يقول إن الإنسانية قبل الدين هو واهم، بل القول بهذا هو مفهوم خاطئ ومغالطة تتداولها ألسن البعض وللأسف الشديد حتى من المسلمين والمتدينين، بل إن الإنسانية قبل التدين وليس قبل الدين، فلا شيء قبل الدين في حياة الإنسان، فلما أهبط نبينا آدم -عليه السلام- إلى الأرض أُهبط بدينه، فالتدين هو أخذ الإنسان بدين الله _عز وجل_ اعتقاداً في قلبه وفهماً لمحتوى هذا الدين، وسلوكاً في التعامل مع الخَلق ومع الكون الذي يحيط به من خلال فهمه لتديّنه..

فالمتدين بصدق يفهم الدين كما ينبغي، يأخذ الشرع بإخلاص طلباً لرضوان الله، محاولاً تقليص تأثير أهوائه على فهمه لهذا الدين، يدرك حقائق الخلافة عن الله تعالى على وصف التواضع والانكسار، أما إذا كان في الإنسان نقص أو اعوجاج في إنسانيته أثّر هذا النقص والاعوجاج على تدينه، مغالاة أو مجافاة، فكيف يمكن لإنسان متدين بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، إذا تعامل مع الناس أهلك الحرث والنسل، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا وماطل في أداء حقوق الآخرين وأفسد الرعية وووو الى آخره ؟.

لماذا لم يظهر التدين بالمعنى الموافق للدين هنا، أو بالأصح لماذا ظهر شكل التدين هكذا؟ لماذا نجد أناساً يصلون ويصومون ويقرؤون القرآن تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم وأعمالكم مع أعمالهم وكأن لسان حال بعضهم يقول ولماذا أصلي وأصوم وأنا كذا وكذا وارتكب كذا وكذا من المعاصي، ولماذا يسهل عليهم أن يقتلوا بريئاً من البشر،

أن يتقبلوا فكرة دخولهم الجنة عبر قتل النساء والأطفال وتهجيرهم وتشريدهم بدعوى أنهم ضد دين الحق ومذهب الحق وامام الحق ومرجع الحق ،وكيف يمكن لإنسان أن يستوعب أو يتقبل أو يصدق أن الله سبحانه وتعالى سيرضى عنه، في ارتكابه جرائم شنيعة أولها قتل نفسه إنتحارا، كل هذا نتيجة الاعوجاج وعدم الفهم الصحيح للدين يقيناً، لكن هناك صلة بشيء أعمق، هي آدميته وإنسانيته، لأن الوعاء إذا كان غير نقي ملوثاً بأدران وأوساخ تلوث ما صببته فيه بها، والإنسانية هي وعاء تدين الإنسان ،ومن أين جئت بهذا؟ نعم من قوله عز وجل: «بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ» (العنكبوت:49)..

فلم يقل في "سطور " فالإيمان يستقر في قلب الإنسان ودون قلب إنسان لا يكون هناك استقرار حقيقي لإيمان، مهما كانت صور العبادات التي يقوم بها، ولهذا جاء في الحديث الصحيح، أن رجلاً من البادية جاء إلى رسول الله _صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم_ في بداية البعثة فقال له الأعرابي: مَا أَنْتَ؟ فَقَالَ: نَبِيّ، فَقُلْتُ: وَمَا النَّبِيُّ؟ فَقَالَ: رَسُولُ اللهِ، فَقُلْتُ: وَمَنْ أَرْسَلَكَ؟ قَالَ: اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ، قُلْتُ: بِمَاذَا أَرْسَلَكَ؟ فقال له النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- إجابة تأملوها!

لأننا عندما نعُد أركان الإسلام ماذا نقول؟ الشهادتان، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان والحج، لكن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- لما أجاب هذا الأعرابي انظروا كيف رتب المسألة!

لأنها المقصودة بذكر هذا الحديث الآن:

( بِأَنْ تُوصَلَ الأَرْحَامُ، وَتُحْقَنَ الدِّمَاءُ، وَتُؤَمَّنَ السُّبُلُ، وَتُكَسَّرَ الأَوْثَانُ، وَيُعْبَدَ اللهُ وَحْدَهُ، لاَ يُشْرَكُ بِهِ شَيْئًا، قُلْتُ: نِعْمَ مَا أَرْسَلَكَ بِهِ، وَأُشْهِدُكَ أَنِّي قَدْ آمَنْتُ بِكَ، وَصَدَّقْتُكَ )، لكن لماذا قدّم النبي _صلى الله عليه وآله وسلم_ في التعريف بالإسلام بهذه المعاني الإنسانية قبل التدين وقبل الاعتقاد؟ لأن الإنسانية هي الدين الحنيف قولا وفعلا ،وليست هي ناتجة من اللوث الفكري والكفر والتطرف ،فكل إيمان وتدين يبقى مشكوكا فيه مالم يثبت فيه الأخلاق والإنسانية واهتمام ورعاية المستضعفين والمظلومين والمقهورين والمساكين في الأرض، فصدقوني لا شفاعة من نبي أو وصي نبي أو أمام مالم نكون إنسانيين قولا وفعلا ،فالإسلام والدين ليس بكثرة الصلاة والصوم والعبادة بل هو بالشعور الإنساني تجاه الآخرين لهذا نقول بإن الإنسانية قبل التدين ...

وقد أشار السيد الأستاذ المحقق الصرخي (دام ظله) في كتاب _فلسفتنا بأسلوب وبيان واضح_ إلى هذا المعنى قائلا : ( إنّ منهج تربية الأخلاق والقِيَم الروحيّة يتّخذه الدين للتوفيق بين الدافع الذاتي والقِيَم أو المصالح الاجتماعيّة، وهو التعهّد بتربية أخلاقيّة خاصّة تَعنَى بتغذية الإنسان روحيًّا وتنمية العواطف الإنسانيّة والمشاعر الخُلُقيّة فيه، فإنَّ في طبيعة الإنسان طاقات واستعدادات لميول متنوّعة، ولأجل ذلك كان مِن الطبيعي للإنسان- إذا تُرِك لنفسه- أن تسيطر عليه الميول المادّيّة، لأنَّها تتفتّح بصورة طبيعيّة، والدين باعتباره يؤمِن بقيادة معصومة (النبيّ، الرسول، الإمام) مسدَّدة مِن الله، فهو يوكِل أمر تربية الإنسانيّة وتنمية الميول المعنويّة فيها إلى هذه القيادة وفروعها (المرجعية الصالحة).



   نشر في 12 أبريل 2019 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا