بروفـــــة - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

بروفـــــة

  نشر في 12 غشت 2020  وآخر تعديل بتاريخ 02 ماي 2023 .

إلى أولاد أحمد في ذكــــرى وفاته

على غير عادتي، أفقت من نومي ليس بسبب التعرّق والرغبة في إفراغ مثانتي بل بسبب حلم غريب... استفاقة فجائية ودفعة واحدة لم تمهلني كي أحرّك أصابعي منتظرا أن تستفيق وتدبّ فيها الحياة. حاولت النهوض مستندا على كفّ يدي فوجدته كالخشبة ليس قطعة من جسدي...

لم يكن كابوسا مرعبا من نوع المطاردات والمحاصرات والاختناقات...

لم نكن صديقين مقرّبين في حياته. كانت علاقتنا لا تتجاوز تبادل التحايا كلّما تقابلنا. لم أكن أسعى إلى التقرّب منه والتودّد إليه رغم كوني من أشد المعجبين بنصوصه. وكان لديّ يقين بأنّه يدرك ذلك ويقدرّه. ذلك كان يكفيني لأعتبر علاقتي به مميّزة. ولكنّه ليس سببا كافيا كي يزورني في الحلم بعد أربع سنوات من وفاته.

رأيته جالسا في الصف الأمامي من كراسي قاعة العروض بدار الثقافة. كانت القاعة خالية ومظلمة. بدا لي كمخرج يشرف على بروفة مسرحية. أمام وجهه كان يتدلّى من السقف العالي مايكروفون كحبل مشنقة... ساق على ساق وهو صامت ينفث دخان سيجارته، سحابات من الدخان الأبيض كذاك الذي تنفثه المصانع والشاحنات الهرمة... كنت منشغلا أجمع بقايا ديكور وأكسسوارات فوق الرّكــح. للحظــة، تقاطعت نظراتنا في الظلام، بدونا لبعض كقطّين متحفّزين. أربع نقاط ضوئية تلمع في الظلام. كانت دقات قلبه تسمع من خلال المايكروفون المتأرجح أمامه في حركة بطيئة من اليمين إلى الشمال كرقّاص ساعة جدارية، ويتردّد صداها في أرجاء القاعة. كان المايكروفون يضخّم زفرته وهو ينفث دخان سيجارته فيحوّلها إلى تيّار هوائي يحرّك ستارة الركح ويدفع دفّتي باب الدخول إلى القاعة فتضرب كلاهما الأخرى وهما تتحرّكان باتجاهين متعاكسين مخلّفتين صريرا ينذر بأنّ أمرا جللا على وشك الحدوث.... حريق مثلا، أو زلزال يهدم القاعة على من فيها... تهيّا لي أنّ خفافيشا تطير في فضاء القاعة وتلوذ بالكواليس وراء الستار... كلّما حزمت أمري في التعجيل بجمع ما تبقّـــى من الإكسسوارات المتناثرة على الرّكـــح، وجدتها تتكاثر من حولي كفقاقيع البحر تحت المطر الغزير. كأنّما كان يغافلني ويرمي بالمزيد منها على الرّكـــح في نزق وشماتة. وكنت ألوّح بيد في الهواء لأمزّق بها نسيج العنكبوت الذي يلتف حول وجهي وأمسك بيدي الأخرى كيسا من الخيش أضع فيه ما أجمعه من أكسسوارات: أسنان حوت وجماجم بشرية وكتب ممزّقة وصور بالأسود والأبيض لفنّانين وأدباء قضوا وحطام آلات موسيقية وأشرطة لتسجيلات صوتية وزهور مجفّفة وقوارير جعة فارغة وطيور محنّطة...

فجأة وقف يصفّـــق في الصّمت المطبق، فبدا تصفيقه كإطلاق الرّصاص... ثمّ تنحنح كالرّعد بحنجرته المتحشرجة... هل كان يستعدّ لإلقاء قصيدة جديدة، أم ليدعوني إلى التوقّف عمّا أنا فيه من سعي عبثي؟ هل قال لي "نلتقي غدا في بروفة جديدة" أم أنّها من إضافات اليقظة؟؟...

لست أدري هل أنّ تلك المناطق الغائمة بين الممكن واللاممكن، بين الواضح والمبهم هي أسوأ ما في الحلم أم أجمل ما فيه



   نشر في 12 غشت 2020  وآخر تعديل بتاريخ 02 ماي 2023 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !


مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا