لغة المرايا و النص الفسيفسائي - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

لغة المرايا و النص الفسيفسائي

  نشر في 21 يوليوز 2020 .

 لغة المرايا و النص الفسيفسائي

(العمياء )

لغة المرايا و النص الفسيفسائي

البدلة العمياء ، القبعة العمياء ، النداءات العمياء تلتهم المكان ، تبني في قلبه انشودة نصر سوداء ، لقد أسرت جداول قريتي ، لم يبق في حلمها شيء من الرحيق . انظر الى ذلك الوجه الكالح ، يا للحضارة التعسة تتعثر بكل شيء ، يداها سائبتان تحطم كل شيء ، الشوارع خاوية ، كأنها خريف قديم . ليتها تعي شيئا ، هذه الحضارة العمياء ، ليتها تتعلم أغنية أخرى ، العمى يأسر المكان لا يدع للبلابل صوتا . لقد زرعت في حديقتي كل شوكة و كل ألم فضيع ، لقد أهدتني حكايات مرة ، أخبرتني أني سفر مؤجل ، و أن الدفء شيء من السراب . يا للحضارة العمياء .

• لغة المرايا و النص الفسيفسائي

عنصر المشاهدة الواحد امامنا ، اذا اختلفت زاوية الرؤية اليه اختلف شكله ، هكذا هي المعاني و الاحاسيس ، و لو اعتبرنا الألفظ هي نواقل للمعنى و الاحساس ، و ان للتعبير زوايا ، فان طرح الفكرة ذاتها بتراكيب لفظية مختلفة يمكن من القول اننا نظرنا للشيء الواحد من زوايا متعددة ، و من هذه الحيثية يمكن وصف النص بانه متعدد الزوايا ، الا انه لو نظرنا الى التراكيب فيما بينها فانا سنراها تركيبة فسيفسائية يكون كل تركيب بشكل مرآة لذاك يمكن وصف هذه اللغة بلغة المرايا و وصف النص بالنص الفسيفسائي .

ماذا تعني لغة المرايا كتعبير

لغة المرايا تعبير مغاير للمألوف في اللغة وعند اهلها ، حيث ان الراسخ في اللغة و عند مستعمليها ان لكل نقطة معنوية تعبير لفظي واحد هو الاكثر تشخيصا و تعبيرا عنها ، ما تفعله لغة المرايا هو الانطلاق من معنى واحد و بوحدات لفظية متعددة ، بمعنى اخر ان نص المرايا او الفسيفسائي يعني وحدة المعنى و تعدد اللفظ بخلاف النص المفتوح الذي يكون بوحدة اللفظ و تعدد المعنى ، فيكون لدينا في النص الفسيفسائي تناص داخل النص ، اي تناص بين وحدات النص نفسه و ليس بين نصوص مختلفة .

فائدة لغة المرايا

تحقق لغة المرايا و النص الفيسفسائي تجلّ اكبر للفكرة و المعنى المقصود كما انه يرسخه و يعمقه في نفس المتلقي . الفائدة الثانية ان تعدد صور الفكرة يحقق الحركة ، لذلك يكون النص حركيا بدل سكونه وهي بذلك تشابه المستقبلية في الرسم .

مخاطر لغة المرايا

نتيجة لتقليب الفكرة و طرحها في اكثر من صورة لا بد من توفير عناصر الادهاش الاقناع و الاضافة ، و الا اصبح في النص زيادات و ترهلات ، طبعا يمكن التغلب على ذلك بتنويع الاسلوب ودرجة الرمزية و الانسيابية و ارجاع الوحدات الكلامية الى نقطة واحدة ليكون في التركيب المغاير اضافة .

فسسيفسائية نص ( العمياء ) ولغة المرايا فيه

في نص ( العمياء ) المتقدم يمكن تمييز اربع وحدات تركيبية فقراتية

1- البدلة العمياء ، القبعة العمياء ، النداءات العمياء تلتهم المكان ، تبني في قلبه انشودة نصر سوداء ، قد أسرت جداول قريتي ، لم يبق في حلمها شيء من الرحيق .

2- انظر الى ذلك الوجه الكالح ، يا لحضارتها التعسة تتعثر بكل شيء ، يداها سائبتان تحطم كل شيء جميل ، الشوارع خاوية ، كأنها خريف قديم .

3- ليتها تعي شيئا هذه الحضارة العمياء ، ليتها تتعلم اغنية اخرى ، العمى يأسر المكان لا يدع للبلابل صوتا .

4- لقد زرعت في حديقتي كل شوكة و كل الم فضيع ، لقد اهدتني حكايات مرة ، اخبرتني اني سفر مؤجل ، وان الدفء شيء من السراب . يا للحضارة العمياء .

لو لاحظنا فان كل واحدة من هذه الفقرات او الوحدات الكلامية التركيبية المتقدمة تشير الى فكرة واحدة و تنطلق من فكرة واحدة ،وهو ذم الحضارة المعاصرة و حالتها التعسة و اثارها السيئة ، فلدينا تراكيب كلامية مختلفة منطلقة من نقطة معنوية و فكرية واحدة ، انها تعمل على التأكيد و الترسيخ ، و بذلك تتجلى الفكرة و تتجذر عميقا في النفس ، كما ان التراكيب تلك ستكون بشكل مرايا مختلفة لشيء واحدة ، و تكون وحدات تناص فيما بينها فيتحقق التناص في داخل النص الواحد ،كما ان النظر الى النص من خارج سيتحقق النص الفسيفسائي المرآتي .

لغة المرايا و الفسيفسائية في نص ( حوار الصدى و المرآة) للشاعر عصام سلمان

المعهود في اللغة و استعمال الالفاظ ان لكل لفظ و كلام غاية تعبيرية و مقصد هي نهايته التعبيرية ، اي ان لكل معادل كلامي هناك عامل لغوي تعبيري . و نقصد بالعامل التعبيري النهاية التعبيرية و المقصود المعنوي او الجمالي العميق الذي يراد نقله بالكلام الى المخاطب ، و المعادل التعبيري هو الصيغة الكلامية التي تستخدم للتعبير عن العامل التعبيرية و نقله الى المخاطب .

في لغة المرايا هذه القاعدة و الناموس يُحطَّم ، لتحل محله توظيفات و تقنية مغايرة بحيث ان معادلات تعبيرية متباعدة تكون مرايا لعوامل تعبيرية متقاربة فيكون ( التناص الداخلي ) او ( الترادف التعبيري )، او ان معادلات تعبيرية متقاربة تكون مرايا لعوامل تعبيرية عميقة او ( الاشتراك التعبيري ) .فلغة المرايا و فسيفسائية النص لها شكلان الاول الترادف التعبير بان تعابير مختلفة تدل على مراد واحد و الثاني الاشتراك التعبيري بان تعبير مختلفة تدل على مرادات مختلفة بالضبط كما هو الحال في الترادف و الاشتراك اللفظي الا ان ما لدينا هنا ليس الفاظا مفردة و انما تعابير و عبارات و جمل .

نماذج ناضجة من لغة المرايا و الفيسفسائية التعبيرية بالشكل الاول اي التناص الداخلي نجدها في كتابات للشاعر كريم عبد الله و الدكتور انور غني الموسوي . و هنا نجد ملامح الشكل الثاني ( الاشتراك التعبيري ) في نص ( حوار الصدى و المرآة) حيث ان تعابير و معادلات تعبيرية متقاربة تشير الى دلالات و عوامل تعبيرية متباعدة .

لقد بينا في مواضع عدة انه كما ان للمؤلف غاياته و للقارئ غاياته في النص ، فان للنص غاياته و للغة غاياتها ، و مع ان الاختيارية و القصدية موجودة من قبل المؤلف الا ان طبيعة القاموس العنواني كان مما فرضه النص ، فعبارة ( حوار الصدى و المرآة) هو تبني قاموسي بالفاظ ترجع كلها الى لغة المرايا و الاشرتاك التعبيري الفسيفسائية ، اذ ان لغة المرايا هي حوار تعبيري بين عبارات و جمل ، و هي صدى ما يكون بالمرآة التعبيرية بين العوامل العميقة و المعاني و التعابير و المعادلات النصية .

ان تكرار لفظي ( الصدى و المرآة) و في وضع او بناء بدلالات مختلفة يحقق شكلا متميزا من لغة المرايا و الفسيفسائية ، حيث ان الفسيفسائية متقومة بالتقابل و التناغم و التناسق الذي يعكس صورا مختلفة و جهات مختلفة ، وهو استخدام هندسي و تقني ابداعي و مختلف للغة .

النص يعتمد لغة رمزية و تعبيرية عالية ظاهرة جدا ، و بنسق و مستوى واحد وهكذا البناء الاسلوبي الموزع باتقان على مقاطع النص ايضا حالة تكرارية تعطي فسيسفائية للنص . و ايضا من المراتية الاسلوبية هو طبيعة الخطاب الذي يصدر عن اطراف الحوار ، فان عبارات الصدى متقاربة في زمنيتها و قاموسيتها و اسلوبها و كذلك عباراة المرآة متقاربة في زمنيتها و اسلوب حكايتها و خطابتها ، وهذه ايضا فسيفسائية نصية خطابية . ان ما يحصل بواسطة تلك العناصر هو احداث نظام متناسق متناغم موسيقي الا انه بدلالات مختلفة ، وهذا يختلف عن غيره من الانظمة التناغمية . و ايضا من عناصر الفيسفسائية في النص هو الثيمة ، فان خطاب الصدى يتمحور حول ثيمة خاصة من الرغبة و الحيرة و البحث و كذلك خطاب المرآة ايضا يتمحور حول ثيمة خاصة من اليقين و المعرفة و البيان .

1- الصدى (" أَتَعَطَّرُ بالحُزْنِ المَوْجِيِّ،\ وأَتْلُو فَوْقَ العُشْبِ شُؤُوْنَ الغَيْمِ،\ شـُحُوْبَ الرِّيْحْ".

2- الصدى ( أَتَوَحَّدُ باللَّهَبِ الأَخْضَرْ؛\ أَتْلُو أَمْطارَ الصَّحْوِ عَلَى نَوْمِ الأَحْلامْ". )

3- الصدى (أَتَكاثــَرُ خَلْفَ ضَياعِي؛\ كُلِّي طُرُقٌ تـَتـَدَحْـرَجُ في اللَّحَظاتْ.\ لا أَعْرِفُ كَيْفَ أَعُوْدُ إِلَيَّ،وَخُطْواتِي النـِّسْيانُ )

4- الصدى ( لا أَعْرِفُنِي، \ لا أَسْكُنُ شـَيْئاً يَمْلِكُنِي،\ أَتَشاهَقُ أَبْحَثُ عَنْ مُطْلَقْ". )

1- المرآة (وكانَ يُجاسِــدُ نَجْمـاً يَــبْكِي، \ وَيُوَسِّعُ سِرَّهُ لِلأَمْواجِ، يُوَسِّعُ جُرْحَهُ لِلْمَعْنـَى.\ كانَ الوَقْتَ المَرْئِيَّ، وَكانَ يَلُمُّ حُقُوْلَ الصَّمْتِ )

2- المرآة (" هَلْ كانْ شَراراً يِنْهَضُ \ مِنْ صَفْصافِ الجُرْحِ، يُسامِحُ يَقـْظَتــَهُ!؟ \ وَيَقُوْلُ بــِوَحْيِ النَّهْرِ يَنابــِيْعَ العَطَشِ الأَزَلِيِّ، \ يَقُوْلُ هــَواءً لا يَخْنـُقُهُ،)

3- المرآة ( هَلْ كانَ مَلامِحَ ماءٍ، أَمْ جَسـَداً لِشُعاعْ !؟ \ هَلْ كانَ كُشُوْفاً مُحْتَجِباً بوُضُوْحِهِ،\ أَمْ وَهـْـماً يَتَجَمْهَرُ في الصُّدْفَةْ،)

4- المرآة (لا شَيْءٌ يُقْرَأُ أَوْ يَظْهَرْ". \"لا شَيْءٌ يَظْهَرُ أَوْ \يـُـقْـرَأْ". )

من الواضح جدا التقارب الزمني و الخطابي و الثيمي في عبارات الصدى و كذلك الشيء نفسه في عبارات المرآة . و باللغة الرمزية و التعبيرية و بما تقدم من تقنيات نجد ان النص قد كتب بتقنية عالية و بلغ اهدافه التعبيرية و حقق نظاما نموذجيا من لغة المرايا و النص الفيسفسائي .

النص

- (حِوارُ الصَّدَى والمِرْآة) –

عصام سلمان

*****************

-I-

(صَدَى):

" أَتَعَطَّرُ بالحُزْنِ المَوْجِيِّ،

وأَتْلُو فَوْقَ العُشْبِ شُؤُوْنَ الغَيْمِ،

شـُحُوْبَ الرِّيْحْ".

(مِرْآةْ) :

" كانَ الوَقْتَ المَرْئِيَّ،

وكانَ يُجاسِــدُ نَجْمـاً يَــبْكِي،

وَيُوَسِّعُ سِرَّهُ لِلأَمْواجِ، يُوَسِّعُ جُرْحَهُ لِلْمَعْنـَى.

كانَ الوَقْتَ المَرْئِيَّ، وَكانَ يَلُمُّ حُقُوْلَ الصَّمْتِ

وَيَسْكُنـُها ظِلاً ظِلاً وَحِجابْ.

وَيُنـَيْزِكُ كُلَّ كَلامِهِ حِيْنَ تـُكاشِفُهُ المِرْآةُ

بــِعُرْيِ الشَمْسِ، وَعاداتِ الشُطْآنْ".

*****************

-II-

(صَدَى):

" أَتَوَحَّدُ باللَّهَبِ الأَخْضَرْ؛

أَتْلُو أَمْطارَ الصَّحْوِ عَلَى نَوْمِ الأَحْلامْ".

(مِرْآةْ):

" هَلْ كانْ شَراراً يِنْهَضُ

مِنْ صَفْصافِ الجُرْحِ، يُسامِحُ يَقـْظَتــَهُ!؟

وَيَقُوْلُ بــِوَحْيِ النَّهْرِ يَنابــِيْعَ العَطَشِ الأَزَلِيِّ،

يَقُوْلُ هــَواءً لا يَخْنـُقُهُ،

وَصَدًى لا يَرْجـِـعُ مَكْسُوًّا بــِغـُبارِ البَوْحْ.

يَتَوَهَّمُ أَنَّهُ لَيْسَ وَحِيْداً يَعْبُرُ ذاكِرَةَ المَوْتْ.

يَتَوَهَّمُ أَنــَّـهُ لَيْــسَ المَوْتْ".

*****************

-III-

(صَدَى):

"أَتَكاثــَرُ خَلْفَ ضَياعِي؛

كُلِّي طُرُقٌ تـَتـَدَحْـرَجُ في اللَّحَظاتْ.

لا أَعْرِفُ كَيْفَ أَعُوْدُ إِلَيَّ،وَخُطْواتِي النـِّسْيانُ

وأَزْمِنَةٌ تَغْرَقْ".

(مِرْآةْ) :

" هَلْ كانَ مَلامِحَ ماءٍ، أَمْ جَسـَداً لِشُعاعْ !؟

هَلْ كانَ كُشُوْفاً مُحْتَجِباً بوُضُوْحِهِ،

أَمْ وَهـْـماً يَتَجَمْهَرُ في الصُّدْفَةْ،

يَتَظاهَرُفي حَشْدٍ مِنْ أَجْنــِحَــةٍ وَنـُجُوْمْ!؟

هَلْ كانَ كَثافَةَ هــَذا البَرْقِ، لَطافَةَ هَذِيرالتُّرْبَةْ،

أَمْ رَمْزاً يَنْحَلُّ إِذا أَوْضَحْ"!؟

*****************

-IV-

(صَدَى):

" لا أَعْرِفُنِي،

لا أَسْكُنُ شـَيْئاً يَمْلِكُنِي،

أَتَشاهَقُ أَبْحَثُ عَنْ مُطْلَقْ".

(مِرْآةْ) :

"لا شَيْءٌ يُقْرَأُ أَوْ يَظْهَرْ".

"لا شَيْءٌ يَظْهَرُ أَوْ

يـُـقْـرَأْ".



   نشر في 21 يوليوز 2020 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا