" ملكوت " .. فيلم شائك وضع الرقيب استقالته مقابل عرضه
بقلم - أمل ممدوح
نشر في 31 ديسمبر 2014 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
بقلم - أمل ممدوح
هناك أفلام تثير أفكارها إن لم تؤخذ بعمق لائق جدلا كبيرا وسوء فهم يبعدها عما أريد بها ، ومنها فيلم " ملكوت " الفيلم القصير الذي يتعرض لموضوع شائك بأسلوب يثير الجدل ، فهو ضد كل ما يفرق لإنسانية ، وضد جعل الدين سببا لتفريق الإنسانية ، لكن البعض قد يشاهده فيفهم أنه يدعو للا دين ، يدعو إلى الإلحاد باسم الإنسانية ، وهنا تكمن فكرته الشائكة الجريئة كما وصفها الكاتب والمخرج المسرحي ورقيب السينما بجهاز الرقابة علي المصنفات الفنية ” ناجي عبد الله ” في ندوة كانت عقدت في أعقاب عرض الفيلم ضمن مهرجان أفلام يوسف شاهين للفلام المستقلة في دورته الأخيرة ،شاركته فيها الكاتبة ” جهاد التابعي ”مع كاتبه ومخرجه محمد هاني ، وكان قد صرح الناقد والرقيب ” ناجي عبد الله ” لمدير المهرجان ” طوني نبيه ” أنه يضع استقالته مقابل عرضه ، فما كان سيقبل أو يسكت عن منع عرضه ، بل على العكس أعلن أنه سيقف مع فريق عمل الفيلم وسيدعمهمم في الترويج له.
الفيلم الروائي القصير " ملكوت " يبدأ بطفل صغير تهدهده أمه في صورة ” أبيض وأسود ” بمصاحبة أغنية بإيقاع نوبي هادىء ، لتبدأ الصور في التلون مع كبر الطفل الذي يمثل الإنسان في المطلق بجنسيه ، فنحن نرى بعد ذلك طفلا وطفلة يمشيان سويا ، لنتتبع مع الفيلم معانيه من خلال بعض مفاتيحه ورموزه حيث أنه فيلم رمزي خيالي يحمل فكرة ، ينتقل من مشاهد تنتمي للواقع وإن كانت رمزية كما رأينا إلى مشاهد أخرى خيالية تتداخل مع المشاهد الواقعية كل حين ، وتمثل هذه الخيالية رجلا وامرأة بزيّ خيالي لا ينتمي للواقع فنرى الرجل يقطف ثمرة من شجرة بعد إيعاز المرأة له بذلك ، فهما يرمزان لآدم وحواء ، لبدء الخليقة ، ومع تدفق المشاهد يظل الغناء النوبي يتداخل معه من آن لآخر بصوت الفنانة ” دنيا مسعود ” معطيا مذاقا تأمليا شجنيا هادئا ، وينتقل بنا الفيلم من جديد لمشهد يضم الطفلين الآخرين في بدء الفيلم يلعبان سويا ، ليعود بعدها إلى جزء الخيال الرمزي حيث ” حواء ” وسط نساء منقبات متشحات بالزي الأسود لا تبين منهن سوى عيونهن الحادة ، لتنتقل الكاميرا من جديد للطفل والطفلة في الجزء الواقعي فيرينا الفيلم أن الطبيعة الانسانية تساوي بينهما في الصغر فهما يتساويان في المرض وحتى في نفس الطبيب المعالج ، ونتتبع مع الفيلم ما يحدث مع الإنسان الذي يولد ويأتي للحياة على الفطرة التي تجمع بينما تأتي الفرقة منا بإبراز الاختلافات بيننا ، فنرى حواء تحاصر بالنساء وآدم بالرجال ، ونرى تباعد الطفلين كل منهما بمفرده خاصة في الدروس حيث الطفل مع مدرس والطفلة مع مدرسة ، تظهر بعد ذلك في الفيلم شخص تبدو هيئته أقرب لليهود بزيّ أسود لكنه هنا يرمز للماسونية، يربت على طائر أبيض بغموض ، وتدريجيا تتضح معاني الفيلم الرمزي قليل الكلام أوالحوار فيصل لمشهد أكثر وضوحا يوجه فيه ” آدم ” مسدسه لثلاثة أشخاص ، حين يقول اولهم أنه “مسلم ” تكون من نصيبه طلقة غيظ من مسدس آدم وكذلك الثاني حين يقول ” مسيحي ” ليأتي الثالث فيقول ” إنسان ” فيبتسم ” آدم ” عافيا عنه ، ونرى مشهدا فيه اتفاق بين الماسوني وأحد الرجال ذوي الجلابيب البيض على نقود، والذي بدوره يطمئنه على كثرة الخطط لديهم ، ثم اجتماع الرجال في المسجد يتفقون على نشر الإسلام بحد السيف ، فيصبح الصراع بعدها بين آدم والرجل الماسوني في لعبة كر وفر، يكبل بعدها آدم وحواء ويحاكمان أمام محكمة قاضيها الماسوني بينما النيابة والدفاع من الفريق الآخر المتحالف مع الماسونية ، في إشارة واضحة لدور الماسونية وأياديها فيما يعكر حياتنا ويحدث فيها ، وينتهي الفيلم بظهور أحد الأشخاص الذي يأخذ سمت المسيح وعصاه مرتديا ثوبا أبيضا قائلا : ” من شاء فليتمرد ، ومن شاء فليمسك جنب الريح ” .. فيمشي الجميع وراءه بما فيهم ” آدم ” و” حواء ” .
وعن الفيلم الذي وصفه الناقد والمخرج ” ناجي عبد الله ” بالجريء في ندوة سابقة أعقبت عرض الفيلم بحزب التجمع ، واحتماله وجهتي نظر إحداهما للمشاهد العادي وهي وجهة النظر الضيقة والتي تحمل التفسير الشخصي لا الموضوعي ،كما أوضح مخرج ومؤلف الفيلم ” محمد هاني ” الذي قام بإخراج خمسة أفلام قصيرة كان ” ملكوت ” آخرها ، المقصود بعنوان ” ملكوت ” وأنه يرمز للإنسانية كلها كثيمة الفيلم الأساسية ، فالإنسان يولد إنسان فقط ثم تنشأ المذاهب المتعددة في كل دين ، كما يشير لدور الماسونية في العالم والذي يتضح بعضه في سياق الفيلم ، مركزا كذلك على العنصرية التي تفرق الناس ولا تجمعهم ومنها فكرة التطرف ، وبسؤال الكاتبة ” جهاد التابعي” له عن مشهد القتل وقصده منه بينما الفيلم يدعو للسلام أجاب بأنه شكل من التعبير عن الضيق والرفض لهذا السلوك ، واستخدم صوت المسدس لتوجيه بعض الرهبة ضد هذه الأفعال ، ولكن أيضا المشهد فانتازي فالمسدسات من لعب الأطفال والمقتولين قاموا من جديد في المشهد ، وعلق ” ناجي ” بأن “ملكوت” بالنسبة لصانعه يعني الكون الذي يسع الجميع لكنهم تفرقوا ، ورأى أن كل لقطة كان لها رسالة ، منها أن التعليم يفرق أكثر ما يجمع ، ووجه لوما لهاني للجوئه للمباشرة في بعض المشاهد رغم اتباع الفيلم لخط الرمزية ، ليوضح هاني أنه تحسب لغموض الفيلم ومعناه على بعض المشاهدين فلجأ لبعض المباشرة ، لكنه لم يشأ في النهاية توضيح من المقصود بهيئة المسيح ولا المقصود بظهوره وفضل ترك ذلك لرؤية المشاهد .
-
أمل ممدوحناقدة سينمائية ومسرحية
التعليقات
بإمكانك تعديل مشاركتك بعد نشرها عن طريق زر تعديل