اليوم أصبحت أري المكارم في الملحدين أكثر منها في عامّة المؤمنين ، هذا بالطبع لا يرجّح كفّة الإلحاد كمذهب ولكن لا شك يرجّحها كأفراد معتنقين لهذا المذهب .. فنحن اليوم أمام مُعضلة أخلاقية ، نري المُلحد الرحيم الباحث الدؤوب العالِم ، والمؤمن الوحشيّ الكسول الجاهل .. أنا أتعجّب لأن الإيمان أولي بهذه المكارم من الإلحاد بل تقرّ بها الديانات السماوية - خاصة الإسلام - ! لكن هذا وللحق ما ألمسه في الغالبية من الطائفتين ، وأنا لا أعمّم بالطبع.
الإنسانية بين المؤمنين والملحدين
هذا الملحد الذي لا يعترف بوجود الله ، أكثر إنسانيةً ورحمةً من ذاك المؤمن..
الأمر ينطبق علي السواد الأعظم من كلا الفريقين ، لكن كيف ؟! أتقارن الكافر بالمؤمن ؟!!
سأقول لك .. معظم المؤمنين لا يرحمون .. يبكون علي الانتهاكات التي تحصل في بورما وفلسطين وسوريا فقط لأنهم مسلمين علي المذهب السُنّي ، يدعون الله أن يخفف عنهم ويعلنون الحداد بعد كل حادث من ذاك النوع. في حين تراهم فرِحين عندما يسمعون بما يحدث في العراق وإيران من حروب ومعارك أو ما يحدث في اليابان وتركيا من زلازل وكوارث ! فقط لأنهم غير مسلمين أو مسلمين ولكن علي مذهب مخالف لهم كالمذهب الشيعي أو الإمامي .. هذه القسوة نراها دائماً في أكبر شيوخنا إلي أصغر فقهاؤنا .. يقولون "الله أكبر ! هذا جزاء من يعصِ الله ورسوله ، هذا جزاء الكفرة !!!"
فإذا أصابهم زلزالٌ يقولون بلاء من الله ، وإذا أصاب غيرهم يقولون غضب من الله ، تناقض غريب !
في حين نري معظم الملحدين في الشرق والغرب خلصوا إلي هذه النتيجة - الإلحاد - لأنهم يتساءلون كيف يسكت الله عن كل هذه الانتهاكات في حق الأطفال كل يوم ، كيف يرضي الله عن كل هذا الشر وكل هذا الدم !! لماذا يخلق أطفالاً مُشوّهين إذا كان قادراً علي خلقهم في صورة سويّة !! هل الإله عاجز فهو لا يستطيع أن يوقف كل هذا السوء والشر في العالم ؟ أم أنه شريرا فهو يتغنّي بصراخ الأطفال ويتلذذ بسفك الدماء ويستمتع بقتل الأبرياء ؟!
هذا ليس موضع نقاش مسألة الشر في العالم ، أنا أتحدّث هنا عن مسألة الإنسانية فقط ! إذا نظرنا إلي ردة فعل كلا الفريقيَن يتأتّي لنا أن معظم الملحدين أخْلَق من جمهور المؤمنين .. ضميرهم حيّ، لديهم قدراً من الآدمية لا نجده في غيرهم من المؤمنين.
أما الحزب الثاني فقد عماهم التعصب المذهبي وصدهم ذلكم الفجور في الخصومة والإختلاف - أن تتسلل الرحمة إلي قلوبهم.
المثابرة في البحث عن الحقيقة
نأتي إلي الأمر الثاني الذي لا نجده في المؤمنين بينما يوجد بوفرة بين الملحدين وهو البحث !
كتب إفرايم ليسينغ في ذلك يقول :
"لو كان بيد الرب اليمنى الحقيقة كلها، الحقيقة الكاملة الناجزة، وبيسراه البحث الدؤوب عنها المترافق مع السعي الدائم والخطأ، ثم قال لي: اختر، لجثوت على ركبتي عند يسراه وقلت له إلهي أعطني مافي اليسرى، أما الحقيقة كلها، فهي تليق بجلالك .. الحقيقة لك."
متي كانت آخر مرة بحثت فيها - أيها المؤمن - عن معلومة توارثتها من أبيك أو عرفتها من شيخك ؟؟ متي عزمت أن تبحث عن إجابات للأسئلة الوجودية التي تراودك بين الحين والآخر وعكفت علي الكتب والمحاضرات وظللت تنظر و تفكر لكي تجد إجابة مقنعة ؟؟ متي تأكدت من معلومة ما قالها رجل دين مشهور ؟؟
للأسف معظم المؤمنين يعانون من الكسل الفكري .. يتباطئون في معرفة الصواب ، يتراخون في البحث عن الإجابات، ويتواكلون إلي ما تعلّموه من الآباء والإجداد أو من رجال الدين..
معظمهم حتي لا يقدّرون العلم ، ويكتفون بالإجابات الغَيبية كمُسكِّن للأسئلة كافة سواء الوجودية الفلسفية أم العلمية الفيزيائية.
تري لماذا تدور الأرض حول الشمس في مدارٍ محدد فلا تبتلعُها الشمس ولا تهرب الأرض من مدارها ؟!
لحكمة لا يعلمها إلا الله !
والله إن قلبي يحنوا علي هؤلاء ويعطف عليهم ، كم هم في غفلة ! التواكل إلي الغيبيات شاع بين المؤمنين حتي تفشّي كالطاعون.. إذا اكتفينا بهذه الإجابات ما استطعنا أن نكتشف الجراثيم والميكروبات ونصنع لها الدواء الذي يقضي عليها ويبرأ الأجسام من الأمراض ، في هذا الأمر كانت إجابتهم: "المرض عقاب من الله يصيب به من يشاء ، ليس هناك سبب آخر ومستحيل أن تنتصر علي مشيئة الإله !" ولو أطعناهم لما وصلنا إلي ما وصلنا إليه من تقدّم طبي.
علي الصعيد الآخر، نري أكثر الملحدين انتهوا إلي عدم الإيمان بعد بحثٍ دؤوب وتفكير مٌدمِن ونظرٍ مُجِدّ ..
فهذا الملحد أفضل من المؤمن ، علي الأقل هو ألحد بعد سعيٍ فاقتناع أما المؤمن فاعتقد بعد إرثٍ فاضطجاع.
نراهُ وقد أقبل علي العلم لكي يبحث في الكون ليعرف هل له من خالق أم أنه أزليّ ، ويدرُس الفيزياء ليعرف هل الكون مٌحكَمٌ بقوانينه أم عبثيّ بأحداثه ، ويتثقّف في الجيولوجيا ليري هل الكائنات خٌلقت خلقاً خاصاً كل علي حدة كما تقول الديانات أم أنها تتطور بآليّة الانتخاب الطبيعي .. فنحن أمام باحث بحق ، حتي لو لم نوافقه في جل أفكاره لكن لا أحد يشكّ بأنه يبحث عن الحقيقة بعزيمةٍ وإصرار ولا يعيش فقط ليأكل ويشرب كالأنعام معتمداً علي ما تلقّاه من آباءه.
أنا لا أُعمّم هنا ، فهناك من يؤمن بعد بحث يصل إلي عشرات السنون ، وهناك من يقضي الدهور لكي يتقرّب إلي الله أو يصل إلي الحقيقة فيقرّ بها أو لكي يعيش التجربة الإيمانية ، وأمثال ذلك كثير مثل توني فلو وأبو حامد الغزالي وأغلب المتصوفين علي السواء.
لكن الله أسئل أن نتحلّي - كمؤمنين - بهذه الصفات التي نحن في أمسّ الحاجة إليها ..
-
محمود ماهرقارئ نَهِم، شَغوف بالعلم، مُصاب بحمّي الكتابة.
التعليقات
والأفعال ..الله أعلم بها ..
شكرا للعطاء هنا
من عمل تجاربه النووية في الجزائر و من بارك حملات التطهير العرقي في انحاء العالم؟
من اوجد الاحتلال الصهيوني بيننا؟
من صنع ازمات العالم العربي و اوصله لمرحله تخلفه الحالي و دمره ثقافيا و اخلاقيا و دينيا حتى لا يفكر الا بلقمة عيشه و الخوف من الاعتقال تعسفيا؟
عندما تتحدث عن الحالتين كن موضوعيا لترى ما الذي اوصل كلاهما المسلمون و الملحدون علميا لما هم فيه الآن ، اذا كان مدرس الفصل الذي يعلم الاجيال العلوم و الاخلاق و الدين ياخذ مرتب لا يكفيه حتى للكفاف فهل تتوقع ات الاجيال المتتاليه سترى خير ؟
انت منبهر بالغرب كانبهار جميع الشباب بكل ما هو اجنبي و لا نرى الجانب المظلم منهم ، لا ترى جرائمهم في افريقيا خصوصا و استغلالهم لكل خيرات الارض بلا اي شعور بالندم على ما يحدث في اصحاب الاراضي الاصليين.
الغرب تقدم على دمائنا و اجسادنا و مازال . و نحن من ننحني له في كل مره تقديسا لهم،
المسلمون لو تركوا لتصحيح دينهم و ازاله الموروثات الجاهلية لنفضوا عن انفسهم عباءة الغفله التي هم فيها،
لكن وضعك للسم في العسل بقولك الملحدون افضل و ارحم من المسلمون فأنت مثلك مثلهم تسيء للمسلمون و لكن من توصفهم ليسوا مسلمون لكن متأسلمون ، امن يقبل الرشوة و يسرق الناس في قارعه الطريق و يبيع السموم للاطفال و يبني البيوت تهدم علي اصحابها لغشه و و و و اهولاء اتبعوا الاسلام ام فقط هم مسلمون علي الورق و هذا عيب التابع و ليس عيب الاصل فبدلا من مدح الملحد الذي توافرت له كل التسهيلات لتطوره من حكوماته فانظر بواقعيه لسبب انحدارنا الاخلاقي و العلمي و كن صريحا مع نفسك و اعترف ان حكومتك هي السبب فيه و خوف الشعوب هي السبب الاخر . و في النهايه احب ان اخبرك ان لكل حضاره لها بزوغ و افول و بزوغ و نحن مازلنا في مرحله الافول و سنبزغ و لكن اذا كل انسان مثقف اهتم بتوعيه مجتمعه للصواب و تنميتهم محليا و تصحيح ثقافاتهم و موروثاتهم.
لقد دخلت في فتره شبابي لهذا السؤال الا و هو الايمان بالله عن اقتناع و ليس بميراث من الاجداد ، و بحثت و قرات في مختلف الاديان من مصادرهم و ترجمت كتبهم بنفسي حتي لا يكون للنسخ المترجمه اي تحريف من المترجم ذاته ، و الحمد لله ان هداني ربي للاسلام و لو قرات صحيح الدين بدون شوائب العصور المتتاليه ستفخر بهذا الدين و تتمنى ان يعلمه الجميع .
و دمتم
الواجب إصلاح ما بالمؤمن من اعوجاج، واعوجاجه ذلك لم يكن ليصبغ شخصه لو كان إيمانه راسخا، خذ مثلا: الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتابعوهم بإحسان، كان الإيمان راسخا في قلوبهم لذلك علموا الدنيا الأخلاق حتى في حروبهم.
أنصحك بقراءة كتاب " خرافة الإلحاد" لـ عمرو شريف
هذا محض اختراع من خيال مريض ، ولو وجد شخص ينسب إليه مثل هذا القول فستبقى دائما حالة فردية لا يمكن أن تنسب قط إلى المسلمين . ولا يوجد أدنى تعارض بين كون المرض ابتلاء من الله أو عقوبة ، وبين السعي في الأسباب لإزالته .
في الحقيقة ، لقد كان الإيمان بالغيب دافعا قويا للمسلمين للعمل ، ولم يتخلف المسلمون عن ركب الحضارة على مر التاريخ إلا حين ضعف لديهم الإيمان بالغيب وحين تخلوا عن الالتزام بقواعد دينهم = كانت فترات الضعف والتخلف .