في المَقْهى - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

في المَقْهى

يوم اِعتيادي في المقهى

  نشر في 20 يناير 2018 .

كل شيء مطلي برائحة القهوة السوداء التي تفوح من خلف الآلة النفاثة، ذات الخرطوم المسخن، الكراسي مصطفة والطاولات تناجي في صمت زبائن مفترضين، قد يأتي بهم السبيل ليقتعدوها بينما شفاههم ترتشف القهوة التي يلتحف طعمها كل مكان.

النادل أنثى حسناء، أو على الأقل كانت تستحق لقب الحسناء ذات يوم، قبل أن تجد نفسها مجبرة أن تجوب ذليلة فسحات المقهى بين الكراسي، قبل أن تجد نفسها مجبرة أن تبتسم وأن تتودد إلى زبون رث فقير لا يملك في جيبه إلا ثمن كوب القهوة، رغم ذلك يتمادى ويأمرها أن تمسح طاولته وتجلب له منفضة تبغ وكوب إضافي من الماء، أذلها الزمان قبل أن يذلها المقهى ورواده.

تجمع شعرها الحريري خلف رأسها بحركة خفيفة استهدفت بها اثارة انتباه زبون مترف يجلس في الطاولة المجاورة لي، ملابسها الضيقة تكشف جغرافية جسدها وربما قد تفصح عن تاريخه لذوي الخبرة في تاريخ الأجساد، تكسو بشرتها سمرة طفيفة تزداد شدة تحت عينيها لتشكل هالتين تميلان إلى الزرقة،

صاحب المقهى يطل برأسه الضخم من خلف "المنضدة" تتدلى من تحت ذقنه كتلة دهون متراكمة، هي حصص طعام زائدة أخذها من فقير هزيل جائع، عيناه تدوران في كل الإتجاهات يرصد كل شيء، فيهما حدة وخبث لعين، يبدو أنه معجب بالنادلة، يناديها، "نادية" تتجاهل نداءه، يعيد النداء بصوت أقوى: "نادية"، انتهت من خدمة الزبون المترف، ودعته بابتسامة خفيفة، عاملها بأدب ولباقة، يبدو ميكيافيليا مخادعا من سحنة ملامحه، تعيد أدراجها متجهة نحو سيدها، تقف أمامه في خضوع، نهديها البارزين يقفان في خشوع أمام وجهه مباشرة، ينظر إليهما نظرة خاطفة، يحول عينيه ليرمقني بنظرة، يعرف الكلب أني أتلصص عليه، عرف أيضا أني غريب عن مقهاه وربما قد لا أكون مرحبا بي هنا، أدرت وجهي بشيء من اللامبالاة صوب التلفاز الذي كان يعرض مقابلة كرة قدم مبتذلة،

دنت منه النادلة، حدثها بصوت خفيض، بدت غير مكترثة لحديثه، قاطعته :" ولكن يا سيدي مصطفى...." رد عليها بسرعة وهنجهية : " لا يوجد ولكن ولا اي شيء ، اما تعملي ما امرتك به او ابحثي عن مكان اخر " بدا ابن الكلب مصرا على طلبه، بقيت لبرهة ساكتة وكأنها تترجاه بنظراتها البريئة، لم تؤثر فيه باستجدائها البصري، عرفت ذلك من حدة نظر الصقر في عينيه،استدارت معرضة عنه خائبة، جلست خائرة منهزمة في كرسي مجاور لي، 

بدأت تتمتم بكلمات غير مفهومة، يبدو وكأنها تسب قدرها المشؤوم.

صاحب المقهى مل من مجلسه، خرج أخيرا في خيلاء رافقه صمت رهيب، شيعته نظرات الجالسين على كراسيه وهو يدير محرك سيارته الفاخرة ويقودها إلى وجهة مجهولة.

يبدو ابن الكلب قاسي القلب شاذ الميولات أو ربما كان ماسوكيا يتلذذ بتعذيب من هو أدنى منه، كهذه النادلة المسكينة المغلوب على أمرها، هو لامحالة يُكرهها ( بضم الياء) على شيء ما هي تكره فعله، لا أعرف ما هو، لكن أكاد أجزم أنه فعل خسيس ومهين للذات الإنسانية...

ولكي لا أبحث عن تفاصيل أكثر، ارتشفت ما بقي في الفنجان من قهوة، دفعت ثمنها وغادرت بلا اثر.



  • Prometheus
    أسامة من المغرب ، شاب يهوى الكتابة والمرح
   نشر في 20 يناير 2018 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا