بن كيران عليه السلام وبن كيران من الشيطان الرجيم
الحصيلة الحكومية
نشر في 09 شتنبر 2016 .
مع انتهاء فترة كل حكومة تختلف الآراء بين مؤيد يرى أن الحكومة أنجزت الشيء الكثير من جهة، وبين معارض متطرف يرى أن لا شيء تغير منذ الاستقلال وأن هاته الحكومة هي أسوء حكومة عرفتها البلاد في التاريخ، وبين هذا وذاك تقف فئة قليلة متعقلة ومحايدة تناقش بموضوعية إنجازات وإخفاقات التحالف الحكومي.
لب موضوع هاته المقالة ليس مناقشة حصيلة الحكومة المنتهية ولايتها في المغرب، فالمتخصصين والمهتمين بالمجال كتبوا وسوف يكتبون الكثير والكثير، وإنما يبقى الهدف هو تسليط الضوء على ظاهرة التطرف الإعلامي وتفاعل الناس مع المنشورات والمقالات على الشبكات الاجتماعية والصحف بشكل أساسي والبرامج التلفزيونية والأخبار بنسبة أقل لتراجع تفاعل الناس معها في الآونة الأخيرة.
توسيع وتضييق الخيارات
تتنوع و تختلف معايير قياس تقدم و تأخر الأمم كثيرا، لكن المعيار الذي تراه الأغلبية هو الرخاء المادي، هذا الرخاء المادي الذي تعتقد بعد المدارس الفكرية أنه مجرد انعكاس لمعيار آخر خفي وهو مدى توفر الخيارات الممكنة في حياة أفرادها، و للأسف تسود في ثقافتنا العربية ثقافة الحل الواحد، و في أحسن الأحوال خيار بين اثنين، لذلك نجد الغالبية لا تخجل من استعمال مبدأ "أنا لست حمار إذن كل من يخالفني فهو حمار" أو استعمال عبارات "في الحياة ليس هناك سوى أسود و أبيض، حلال و حرام، صديقي أو عدوي,,," و تبني مبدأ الخيار الواحد أو خياران كفيل بتركنا في مؤخرة مراتب الأمم و تخلفنا عن اللحاق بركب الحضارة و التقدم.
عناوين براقة ومحتوى هزيل
اختيار عنوان الخبر يلعب دورا رئيسيا في جلب المتتبعين، لهذا تجد المنابر الإعلامية تتفنن في صياغتها ولو اضطرت لتلفيق الأكاذيب واختلاق أشياء لا تبت للواقع بصلة (كما حو الحال في هذا المقال)، فتجد مثلا مناهضي الحكومة يبدعون في عناوين من طينة "مسؤول رفيع المستوى ينتمي لحزب من أحزاب الأغلبية يستفيد من نصف واردات مؤسسة عمومية لحسابه الشخصي"، ومن جهة أخرى نقرأ في منابر مدافعة عن التحالف الحكومي "في ظرف سنة فقط، انتقلت البلاد من المراتب المتأخرة في المجال الفلاني، إلى الرتب العشر الأوائل..."، هاته العوانين هي التي تقدر على خلق الزوابع الإعلامية في الجهتين، ليثبُت لاحقا أن المحتوى مغلوط و أنه لا يمثل سوى جزء بسيط من الحقيقة.
الأسلحة الثلاث للصحافة
في الدرس الأول للتواصل نتعلم أن المعلومة لتصل من المصدر إلى المستقبل تمر بعديد من المراحل، فأولا هناك الحقيقة المطلقة التي لا يدرك المصدر سوى جزء منها، هاته الحقيقة التي يتم إدراكها بناءا على قناعات وثوابت، ثم بعد ذلك يتم ترميزها عبر كتابة أو صورة قبل أن يتم نقلها عبر قناة تتعرض للتشويش، وفي جهة المستقبل تتم العملية العكسية من فكة للشفرة ومعالجة المعلومة مجددا بناءا على القناعات والثوابت قبل أن تعرض المعلومة بشكلها الأخير.
نلاحظ أن خلال العملية هناك ثلاث مراحل قد تضيع المعلومة، ويتم تضييع المعلومة عبر استخدام أحد الأسلحة الثلاث أو بعضها إن لم نقل كلها في كثير من الأحيان، وتُستعمل في الغالب هاته الأسلحة إما عن قصد، وإما عن سهو وتجاوب تلقائي مع هوى داخلي في تصديق إشاعة أو خبر، السلاح الأول هو:
+ التعميم: في تعارض صريح مع أحد أساسيات المنطق الرياضي يظن البعض أنه لإثبات خاصية على مجموعة من الأطراف يكفي أن نثبت (وفي كثير من الأحيان الشك يكون كافيا كدليل) أن فردا من جهة معينة (ومعلوم أن نفس الشخص يمكن أن ينتمي للكثير من الجهات بناءا على اعتماد المعيار) يتسم بصفة معينة، حتى نلصق هاته الأخيرة بكل من ينتمي لهاته الجهة، وأشهر مثال لذلك قصة المسلمين مع الإرهاب.
+ الحذف: هناك صورة مشهورة تتداول كثيرا في الشبكات الاجتماعية حول جندي يركض بسلاح ناري خلف شخص آخر بيده سلاح أبيض، لتظهر إحدى الصور المسوقة حامل السكين فقط يهدد سلامة الجندي، وصورة أخرى تطهر فقط الجندي يهدد رجلا أعزل، سلاح الحذف الإعلامي سوف يكون كثير الاستعمال خلال الحملة الانتخابية القادمة حيث أن أحزاب التحالف الحكومي سوف تلغي إخفاقاتها من جهة، وأحزاب المعارضة والجهات التي تعزف عن العملية الانتخابية من جهة سوف لن تركز سوى على الملفات التي فشلت الحكومة في التعامل معها.
+ التشويه: في عالم كرة القدم نسمع كثيرا جملة من طينة "في خمس دقائق فقط اللاعب الفلاني استطاع تحقيق لقف عجزت نصف الفرق العالمية الكبرى تحقيقه خلال كدى سنة"، هاته العنوانين هي نتيجة معالجة أربع أو خمس معلومات و تشويه صارخ للحقيقة، فتحليل بسيط للعبارة الماضية يبين أن الألقاب الكروية لا تنسب لأشخاص و إنما تنسب للفريق ككل، كما أنه لا يمكن اختزال عمل كل الفريق باحتياطه و مدربه و طاقمه ككل طوال السنة في خمس دقائق لعبها لاعب جديد احتياطي التحق مؤخرا بالفريق، دون أن ننسى أن تاريخ كرة القدم لا ينحصر فقط في الفترة التي لم تحقق فيها الفرق المنافسة أي لقب.
ازدواجية المعايير في التعامل مع الأخبار والإشاعات
كيفية التعامل مع المعلومات لا تكون أبدا محايدة، سواء من المنابر الإعلامية التي لا يهم الكثير منها سوى جذب الزوار، أو الأفراد، فعندما يصادف الخبر هوى في النفس لا يكبد المستقبل نفسه عناء التحقق من صحة أو كذب الخبر، فمباشرة وباستعمال الأسلحة الثلاث المذكورة سابقا يخول المرء لنفسه نشر الخبر بعد معالجته وكذلك الإشارة لخصومه الفكريين والسياسيين لإثبات نصر معنوي (ولو لمدة وجيزة في انتظار ظهور الحقيقة)، وعندما يكون الخبر لا يحقق أي نشوة لقيمة الانتصار والتعصب للرأي فإن المنبر يأخذ وقته و يتفوق على شيرلوك هولمز في دقة التحري و عدم التردد في استعمال الأسلحة الثلاث حتى يثبت عكس ذلك.
كلمة أخيرة في حق الحكومة الحالية
إن وصلك لهاته الفقرة هو دليل على أنك في الغالب ممن يقف في الوسط، فلا أنت من المدافعين عن الحكومة التي يختزلها الكثير من الساخطين عنها في شخص رئيسها السيد بن كيران، ولا أنت من المعارضين المتعصبين.
قد تختلف درجة الرضى والسخط حول الأداء الحكومي، إلا أنه لا يمكننا أن ننكر من جهة أن هناك إنجازات لا يمكن إنكارها، كما أن هناك ملفات لم تنجح في التعامل معها.
-
ضياء الحق الفلوسطالب علم في مدرسة الحياة. مولع بسباقات الطريق مولع بالبرمجيات و مسابقات البرمجة و التكنولوجيا الحديثة. مولع أيضا بالتدوين والرسم والتصوير.