ما زال اللبس واضحاً عند بعض الناس في أمر الدعوة إلى الله وفاعلية الفرد في أمّته، فهم يعلمون أنّ الدعوة إلى الله وأمر الناس بالمعروف بحاجة إلى صفات شرعية معيّنة لابد أن يتلبّس بها المسلم وأن يكون على كفاءة شرعية تؤهله للدعوة، ومع ذلك فهناك كثير من المسلمين يودّ المشاركة في الدعوة إلى الله وتبليغ هذا الدين إلا أنّه دون تلك الصفات المطلوبة فكيف يمكن الجمع بينهما وتفعيل المسلمين في نفع الأمة؟
وفي ظني أنّ الأمر بحاجة إلى شيء من الإيضاح لبيان الإيهام الحاصل في هذه المسألة التي ينبني عليها مشاركة كثير من المسلمين اليوم في إصلاح مجتمعاتهم.
أولاً: فهناك فرق بين العالم الشرعي وطالب العلم الذي خصّه الله بمهمّة عظيمة وهي نقل هذا الدين بفروعه وكليّاته وتعليمه للناس شرائعه ودعوة الناس إليه والذود عنه، وبين أن يقوم المسلم بمهمة دعوية يسخّر لها مواهبه وإمكاناته التي أعطاه الله إياها، فالأولى وظيفة العلماء ولابد فيها من صفات معيّنة قد بينها أهل العلم، وأمّا الأخرى فهي متعلقة بدور من الأدوار المطلوبة شرعاً على الفرد المسلم بما يحسنه.
ثانياً: لابد من استحضار أنّ الدعوة إلى الله عزّ وجل مستوياتها متفاوتة ومجالاتها مختلفة كلٌّ يعمل فيها بما يستطيع، فطالب العلم يعلم الناس أمور دينهم وعقائدهم ويقرّبها لهم، وحافظ القرآن يعلم الناس القرآن ويصبر على تعليمهم وتلك هي دعوته، والمربون في محاضنهم يربّون النشء على كتاب الله وسنّة رسوله، ويسعون في إصلاح سلوكيّاتهم وأخلاقهم، والدعاة إلى الله يعرّفون الناس بالدين ويقربون لهم كلّ سنّة، ويسعون في إيصال دين الله إلى غير المسلمين، والوالدان يربّون أبناءهم على كل بر وفضيلة، والمجاهدون يدعون بذودهم ، والمؤلفون بأقلامهم، والمذيعون بأصواتهم، والخطباء بكلماتهم، والشعراء بقصائدهم، وهكذا كلّ واحد في إدارته ومهنته مسؤول عن تعليم من في محيط عمله ودعوتهم بما أعطاه الله من قدرات وإمكانات، سواء كان رئيساً أو مرؤوساً أم كانت مهنته شرعية أو غير شرعية، لا أن يكون الأمر مناطاً بفئة معينة ننتظر منها أن تكون خارقة في وسائلها، ونحمّلها أسباب تقصيرنا عن دورنا الرئيس، فمجموع تلك الجهود المبذولة في شتى المجالات والمستويات الدعوية هي مشاركة فاعلة في الدعوة إلى الله وسدّ لكلّ ثغراتها.
إنّ استشعار المسلم لمكانته الدعوية -كبرت أم صغرت- تجعله ذا يقظة لقضايا الأمة وهمومها، ومن أهم النقاط التي لابد أن يفهمها كلّ مسلم لينصر دينه أنّ عليه حملاً دعوياً فرديّاً تحمِّله الأمة إياه ما دام في دائرة الإسلام، وعليه أن يقوم بواجبه في إنجاحها، كما هو دور المصلين في الاصطفاف عندما ينادي الإمام إلى ذلك، فكل مصلٍّ شأنه أن يساوي بين ميمنته وميسرته ليستقيم المسجد كاملاً دون عناء، ولو كلّف كلُّ إمامٍ بتسوية الصفّ لكل فرد من المصلّين لاحتجنا إلى ساعات طويلة للاصطفاف.
أنّ هذا الدور الفردي الذي يشغله كلّ مسلم في أمّته لدعوة أفرادها إلى الله هو الذي يصنع مكانتها وريادتها، ويكون سبباً رئيساً -بعد توفيق الله- في نصرتها ورفعة شأنها، فهو يخلق جوًّا من الفاعلية المكتملة للمجتمع، يبدأ بدور الفرد الواحد -عالماً كان أم عاميّاً صغيراً كان أم كبيراً- وينتهي بإذن الله بتماسك الأمّة كتلة واحدة، ويشعر الفرد بالانتماء الشديد لها ولأفرادها بل تربطهم علاقة وشيجة عند كلِّ نازلة فرحٍ أو حزن وكأنّهم جسد واحد مرتبط الأجزاء.
-
علي عسيريشغوف باللغة العربية، أميل للقراءات الفكرية والتأصيلية.