الموبايل .. خير جليس لمن يجلسون في منازلهم - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

الموبايل .. خير جليس لمن يجلسون في منازلهم

  نشر في 09 أبريل 2020  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

 لاتخرج من البيت.. لأن كورونا تقف عند الباب..

كلمات أسمعها بشكل شبه يومي من أبنائي..ليخرجوا هم ويتركونني مع التليفزيون أوالإنترنت من الموبايل أو الكمبيوتر .. زادت الأيام إلى أسابيع ..وربما تمتد الى شهور

لامفر إذن من العيش مع الإنترنت ففيه تقريبا كل شيئ.. إنه يغنيك عن التليفزيون والصحف والكتب .. وهاأنذا وحدي مع الموبايل أكتب مقالي الذي تقرأه الآن .. ال (سمارت فون ) الآن بحق أهم وسيلة اتصال وأخطرها في عصرنا.. طوال الوقت هو في يدي أقرأ فيه الصحف وأشاهد قنوات العالم وأطلب من خلاله كل شئ :الطعام والسوبر ماركت وأسدد فواتيري وأرسل المساعدات للجمعيات الخيرية كل شئ تقريبا ..مانحتاجه ومالانحتاجه .. وطوال الوقت لاتفارقني الكلمات التي حفظتها من أبنائي: أنت من كبار السن لاتخرج خليك بالبيت..

يالها من كلمة : كبار السن وكأنك لا أهمية لك .. مع أن الأديب سلامة موسي يرى عكس ذلك في كتابه الذي أقرأ نسخته الإلكترونية هذه الأيام والذي عنوانه: (حيانتا بعد الخمسين) .. الكتاب صدر عام1946 ويضم 134 صفحة ودراسات مستفيضة عن الذين يعيشون سنواتهم الأخيرة

يروي سلامة موسى ماحدث مع اﻟﻘﺎﴈ ﻫﻮلمز رﺋﻴﺲ المحكمة اﻟﻌﻠﻴﺎ ﰲ واﺷﻨﻄﻦ ليرع من معنوياتنا نحن كبار السن .. فيقول إن هذا القاضي كان يردد كثيرا قول الشاعر اللاتيني القديم :إن الموت يجذب أذني قائلا لي عش فإني قادم ..وحين ﺗﺠﺎوزت القاضي الشهير عامه اﻟﺘﺴﻌين زاره الرئيس الأمريكي روزﻓﻠﺖ ﺳﻨﺔ 1932 ﻋﻘﺐ اﻧﺘﺨﺎﺑﻪ ﻟﻠﺮئاسة وﺟﺪه ﻳﻘﺮأ ﻛﺘﺎب (اﻟﺠﻤﻬﻮرﻳﺔ) ﻷﻓﻼﻃﻮن، ﻓﺴﺄﻟﻪ: ﻣﺎذا ﺗﺒﻐﻲ ﻣﻦ ﻗﺮاءة ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب. ﻓﺄﺟﺎب اﻟﻘﺎﴈ: أﺑﻐﻲ ﺗﺮﻗﻴﺔ ذﻫﻨﻲ ﻳﺎ ﻣﺴﱰ روزﻓﻠﺖ.. ﻓﻠﻴﺘﺄﻣﻞ اﻟﻘﺎرئ ﻫﺬا اﻟﺸﺎب اﻟﺘﺴﻌﻴﻨﻲ اﻟﺬي دﺧﻞ ﰲ اﻟﻌﻘﺪ اﻟﻌﺎﴍ ﻣﻦ ﻋﻤﺮه، ﻛﻴﻒ ﻳﻘﺮأ وﻳﺪرس ﻛﻲ ﻳﺮﻗﻲ ذﻫﻨﻪ ﰲ ﻫﺬه اﻟﺴﻦ. وﻛﻴﻒ أﻧﻪ ﻳﺬﻛﺮ ﻗﻮل اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻼﺗﻴﻨﻲ عن الموت الذي يقول له عش فإني قادم .. ﻻ ﻟﻜﻲ ﻳﻜﻒ ﻋﻦ اﻟﻌﻴﺶ وﻳﺘﻘﺎﻋﺪ وﻳﻘﴤ وﻗﺘﻪ ﰲ اﻟﻔﺮاش، ﺑﻞ ﻟﻜﻲ ﻳﻌﻴﺶ وﻳﺪرس وﻳﺮﻗﻰ ذﻫﻨﻪ.

ويتحدث سلامه موسى عن الذين يعيشون شبابا مختلفا بعد أن تجاوزوا سن الستين أو السبعين..منهم ﺛﻼﺛﺔ ﺑﻠﻐﻮا أو ﻛﺎدوا ﻳﺒﻠﻐﻮن اﻟﺴﺎﺑﻌﺔ واﻟﺴﺒﻌين. اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺧﻠﻴﻞ ﻣﻄﺮان، ﻓﺈﻧﻪ ﻧﺤﻴﻒ، ﺑﻞ ﺿﺎﻣﺮ، ﻳﺘﺄﻧﻖ ﻛﻞ اﻟﺘﺄﻧﻖ ﰲ ﻃﻌﺎﻣﻪ وﻟﻜﻨﻪ ﻳﺄﻛﻞ ﻛﺄﻧﻪ ﻋﺼﻔﻮر. وﻗﺪ ﺑﺎح له ذات ﻣﺮة ﺑﺄن ﺟﻤﻠﺔ ﻣﺎ ﻳﺄﻛﻠﻪ ﻣﻦ اﻟﺨﺒﺰ ﰲ اﻟﻌﺎم ﻛﻠﻪ ﻻ ﻳﺰﻳﺪ ﻋﲆ رﻏﻴﻔين

و ﻟﻄﻔﻲ اﻟﺴﻴﺪ ﺑﺎﺷﺎ ﻳﻤﺘﺎز ﺑﺸﻴﺌين: اﻟﻨﺤﺎﻓﺔ اﻟﺒﺎﻟﻐﺔ ودراﺳﺔ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ و اﺷﺘﻐﺎﻟﻪ ﺑﺎﻟﺴﻴﺎﺳﺔ وﻫﻮ ﻣﺜﻞ ﺻﺪﻳﻘﻪ ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ ﻓﻬﻤﻲ ﺑﺎﺷﺎ ﻻ ﻳﻌﺮف ﻛﻼﻫﻤﺎ اﻟﺠﻤﻮد أو اﻟﱰﻫﻞ اﻟﺬﻫﻨﻲ. ﻓﺎﻟﻔﻜﺮة اﻟﺠﺪﻳﺪة ﻻ ﺗﻜﺮه ﻋﻨﺪﻫﻤﺎ ﻷﻧﻬﺎ ﺟﺪﻳﺪة. ﺑﻞ ﻫﻤﺎ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﻨﺎﺣﻴﺔ ﻳﺒﺪﻳﺎن ﻣﻦ اﻟﺸﺒﺎب ﻣﺎ ﻻ ﻧﺠﺪه ﰲ اﻟﺸﺒﺎن أﻧﻔﺴﻬﻢ ( ﺣين ﺧﺮج ﻋﲆ. اﻟﺠﻤﻬﻮر ﺑﺎﻟﺪﻋﻮة إﱃ اﻟﺨﻂ اﻟﻼﺗﻴﻨﻲ

وهناك أيضا أن مايكل أﻧﺠﻠﻮ المثال اﻹﻳﻄﺎﱄ الذي ﴍع ﻳﻨﻈﻢ اﻟﻘﺼﺎﺋﺪ اﻟﻐﺮاﻣﻴﺔ وﻫﻮ ﰲ اﻟﺘﺎﺳﻌﺔ واﻟﺴﺒﻌين، و ﺟﺎﻟﻴﻠﻴﻮ ﰲ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ واﻟﺴﺒﻌين ﻧﴩ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﻋﻦ دوران اﻟﻘﻤﺮ.. و ﺟﻮﺗﻪ أﺗﻢ ﻗﺼﺘﻪ ﻓﺎوﺳﺖ وﻫﻮ ﰲ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ واﻟﺜﻤﺎﻧين.. و ﺟﻮن وﻳﺰﱄ ﻛﺎن ﻳﻠﻘﻲ ﻣﻮﻋﻈﺔ دﻳﻨﻴﺔ ﻛﻞ ﻳﻮم وﻫﻮ ﰲ اﻟﺜﺎﻣﻨﺔ واﻟﺜﻤﺎﻧين. و ﺑﻨﻴﺎﻣين ﻓﺮاﻧﻜﻠين ﻋين ﺳﻔير ا ﻟﻠﻮﻻﻳﺎت المتحدة ﰲ ﻓﺮﻧﺴﺎ وﻫﻮ ﰲ اﻟﺜﺎﻣﻨﺔ واﻟﺴﺒﻌين

وهناك ﻣﴩوع ﺑﻴﻔﺮﻳﺪج ﻟﺘﺄﻣين اﻟﻔﺮد ﻣﻨﺬ ﻣﻴﻼده إﱃ وﻓﺎﺗﻪ.. وﺿعه ﺑﻴﻔﺮﻳﺪج في ﻛﺘﺎب من600 ﺻﻔﺤﺔ ﺣﺎﻓﻠﺔ ﺑﺎﻹﺣﺼﺎءات ﰲ ﻫﺬا الموﺿﻮع اﻟﺤﻴﻮي. ﻛﺎﻧﺖ ﺳﻦ ﻫﺬا اﻟﺮﺟﻞ ﻋﻨﺪﻣﺎ وﺿﻊ ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب 74 ﺳﻨﺔ. وﻗﺪ ﺗﺰوج وﻫﻮ ﰲ ﻫﺬه اﻟﺴﻦ. وﻫﺬا ﻫـ. ج. وﻟﺰ اﻟﻜﺎﺗﺐ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰي ﺑﻠﻎ 79 ﺳﻨﺔ وﻫﻮ ﻳﺆﻟﻒ وﻳﺨﻄﺐ وﻳﻜﺎﻓﺢ ﻣﻦ أﺟﻞ المذﻫﺐ اﻟﻌﺎلمي ﺿﺪ المذﻫﺐ اﻟﻮﻃﻨﻲ. وﻗﺪ ﻣﴤ ﻋﻠﻴﻪ ﻧﺤﻮ ﺧﻤﺴين ﺳﻨﺔ وﻫﻮ ﻣﺮﻳﺾ ﺑﺎﻟﺒﻮل اﻟﺴﻜﺮي اﻟﺬي ﻳﻌﺰوه إﱃ ﴐﺑﺔ أﺻﺎﺑﺖ ﻛﻠﻴﺘﻪ وﻫﻮ ﻳﻠﻌﺐ اﻟﻜﺮة. وﻋﺎش ﺑﺮﻓﻘﻪ ﻫﺬا المرض ﻟﺤﻴﻮﻳﺔ ﻧﻔﺴﻪ.. وﻫﺬا ﻏﺎﻧﺪي اﻟﺬي ﺑﻠﻎ اﻟﺴﺎﺑﻌﺔ واﻟﺴﺒﻌين وﻟﻜﻨﻪ ﻳﻌﻴﺶ ﺑﻘﻮة ﻛﻔﺎﺣﻪ ﻷﺟﻞاﺳﺘﻘﻼل اﻟﻬﻨﺪ

وﺳﻌﺪ زﻏﻠﻮل ﺣﺼﻞﻋﲆ دﺑﻠﻮم اﻟﺤﻘﻮق وﻫﻮ في اﻷرﺑﻌين، وﴍع ﻳﺪرس اﻟﻠﻐﺔ اﻷلماﻧﻴﺔ وﻫﻮ في اﻟﺴﺘين. . وﻣﺤﻤﺪ ﻋﺒﺪه ﴍع ﻳﺪرس اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ وﻫﻮ في اﻟﺨﻤﺴين

وهو يرى أﻧﻨﺎ ﻧﻨﻈﺮ الى اﻟﺸﻴﺨﻮﺧﺔ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﻧﻔﺴﻴﺔ وﻟﻴﺴﺖ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﺟﺴﻤﻴﺔ، وﻫﻲ ﻟﺬﻟﻚ ﺗﺤﺘﺎج ﰲ أﻛﺜﺮﻫﺎ إﱃ المعاﻟﺠﺔ اﻟﺴﻴﻜﻠﻮﺟﻴﺔ، وﰲ أﻗﻠﻬﺎ إﱃ المعاﻟﺠﺔ اﻟﻄﺒﻴﺔ. ﺑﻞ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻧﻘﻮل إن متاعب اﻟﺠﺴﻢ، ﻛﺎﻟﺴﻤنة واﻟﱰﻫﻞ واﻟﺒﻮل اﻟﺴﻜﺮي واﻷﻣﺮاض المفصلية، إﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻧﺘﻴﺠﺔ لمتاعب ﻧﻔﺴﻴﺔ أﺣﺪﺛﺘﻬﺎ ﻋﺎدات ﰲ ﺟﺴﻤﻪ ، واﻟﻨﻔﺲ اﻟﺒﴩﻳﺔ ﺗﺤﺘﺎج ﻣﻦ وﻗﺖ ﻵﺧﺮ إﱃ ﻣﺎ ﻳﺸﺒﻪ اﻟﺘﺤﻠﻴﻞ اﻟﻜﻴﻤﺎوي ﻛﻲ ﻧﻘﻒ ﻋﲆ اﻟﻌﻨﺎﴏ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻤﻞ ﻋﲆ إﺻﻼﺣﻬﺎ أو ﻓﺴﺎدﻫﺎ

إﻣﺎ اﻟﻨﻤﻮ اﻟﺬﻫﻨﻲ ﻓﻴﺤﺘﺎج إﱃ قراءة اﻟﻜﺘﺎب واﻟﺠﺮﻳﺪة ..واﻟﺮﺟﻞ اﻟﺬي ﺑﻠﻎ اﻟﺴﺘين واﻟﺴﺒﻌين ﰲ ﺣﺎﺟﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ إﱃ ﻣﺪاوﻣﺔ اﻟﻘﺮاءة، ﻷن أﻋﻈﻢ ﻣﺎ ﻳﺤﺰﻧﻪ أن ﻳﺠﺪ ﻧﻔﺴﻪ ﻋﺮﺿﻪ ﻟﻠﻨﺴﻴﺎن. وﻟﻜﻦ ﻣﺪاوﻣﺔ اﻟﻘﺮاءة ﺗﺠﻌﻞ اﻟﻜﻠﻤﺎت ﻣﺎﺛﻠﺔ ﰲ ذﻫﻨﻪ ﻓﻼ ﻳﻨﴘ. ﺛﻢ ﻫﻮ ﺑﺎﻟﺘﻮﺳﻊ اﻟﺬﻫﻨﻲ ﰲ اﻵﻓﺎق اﻟﺮﺣﺒﺔ ﻟﻠﺜﻘﺎﻓﺔ ﻳﺠﺪ اﻫﺘﻤﺎﻣﺎت ﺳﺎﻣﻴﺔ ﺗﺸﻐﻠﻪ وﺗﻨﺸﻂ ﺟﻤﻴﻊ ﻛﻔﺎﻳﺎﺗﻪ. ﺛﻢ ﻫﻨﺎك اﻟﻨﻤﻮ اﻟﻨﻔﴘ، ﻓﺈن ﻟﻜﻞ ﻣﻨﺎ ﺧﺮﻳﻄﺔ ﻧﻔﺴﻴﺔ ﻳﺮﺳﻤﻬﺎ ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ، ﻫﺬه اﻟﺨﺮﻳﻄﺔ ﻗﺪ ﺗﻀﻴﻖ ﺣﺘﻰ ﻻ ﺗﺘﺠﺎوز اﻫﺘﻤﺎﻣﺎت اﻟﻄﻌﺎم واﻟﻜﺴﺐ واﻟﻌﺎﺋﻠﺔ. أو ﻗﺪ ﺗﺘﺴﻊ ﺣﺘﻰ ﺗﺸﻤﻞ ﻣﺸﻜﻼت ﻫﺬا اﻟﻜﻮﻛﺐ.

ﺣين ﻧﺘﺄﻣﻞ ﺣﻴﺎة اﻟﻨﺎس ﰲ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﻣﻤﺎرﺳﺘﻬﻢ وآﻣﺎﻟﻬﻢ ﻧﺠﺪ أن ﻣﻨﻬﻢ من ﻳﺤﻴﻰ ﺣﻴﺎة اﻟﺒﻘﻮل: ﺣﺴﺒﻪ ﻣﻦ اﻟﺪﻧﻴﺎ أن ﻳﺄﻛﻞ وﻳﴩب وﻳﻨﻤﻮ وﻳﺴﻤﻦً وﻳﺘﻨﺎﺳﻞ، وﻟﻜﻨﻪ ﻣﻊ ذﻟﻚ راﻛﺪ ﻛﺄﻧﻪ ﻓﺠﻞ أو ﻟﻔﺖ. وﻓﺮﻳﻖ آﺧﺮ ﻳﺤﻴﻰ ﺣﻴﺎة اﻟﺤﻴﻮان: وﻳﺠﺮي وراء ﻣﻄﺎﻣﻊ، وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻻ ﺗﻌﺪو ﻣﺴﺘﻮى اﻟﺸﻬﻮات. إذا ﺣﺪﺛﺘﻪً ﻋﻦ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ أو اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻧﻔﺾ ﻳﺪه ﻣﻨﻚ ووﺻﻤﻚ ﺑﺄﻧﻚ ﺧﻴﺎﱄ، وأن ﻗﺼﺎرى ﻣﺎ ﻳﺮﺟﻮه أن ﻳﻜﻮن ﺛﺮﻳا أﻣﺎ اﻟﻔﺮﻳﻖ اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻓﻴﺘﺄﻟﻒ ﻣﻦ اﻟﺒﴩ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺤﻤﻠﻮن ﻫﻤﻮم واﻫﺘﻤﺎﻣﺎت اﻹﻧﺴﺎن اﻟﺮاﻗﻲ اﻟﻌﴫي. وأوﻟﺌﻚ اﻟﺒﻘﻮل اﻟﺒﴩﻳﺔ ﺗﺠﺪﻫﻢ ﻛﺜيرﻳﻦ ﻋﲆ المقاﻫﻲ، راﻛﺪﻳﻦ ﻧﺎﻋﺴين ﻳﺘﺜﺎءﺑﻮن وﻳﺘﻤﻄﻮن، ﻗﺪ ﺳﺌﻤﻮا اﻟﺪﻧﻴﺎ وﻟﺬﻟﻚ ﻳﻌﻠﻠﻮن وﺟﻮدﻫﻢ ﰲ أﻏﻠﺐ اﻷﺣﻴﺎن ﺳﻮاء ﰲ المقاﻫﻲ أو اﻟﺒﻴﺖ ﺑﺄﻧﻪ ﻗﺘﻞ ﻟﻠﻮﻗﺖ.. وﻫﺬا اﻟﻔﺮﻳﻖ ﻫﻮ اﻟﺬي ﻳﺤﺲ ﻋﻘﺐ اﻟﺴﺘين واﻟﺴﺒﻌين أن وﺟﻮده ﻣﺸﻜﻠﺔ وأن اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺗﺎﻓﻬﺔ ﻣﺎﺳﺨﺔ. وأﻓﺮاد ﻫﺬا اﻟﻔﺮﻳﻖ ﻳﻘﻀﻮن اﻟﺴﻨﻮات اﻟﺨﻤﺲ أو اﻟﺴﺖ ﻗﺒﻞ وﻓﺎﺗﻬﻢ ﰲ إﺣﺪى ﺣﺠﺮ المنزل اﻟﺬي ﻻ ﻳﱪﺣﻮﻧﻪ إﻻ ﻳﻮم اﻟﻮﻓﺎة. أﻣﺎ اﻟﻔﺮﻳﻖ اﻟﺜﺎﻧﻲ، اﻟﺬي ﻳﺤﻴﻲ أﻓﺮاده اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺤﻴﻮاﻧﻴﺔ، ﻓﺎﻷﻏﻠﺐ أن ﺷﻬﻮاﺗﻪ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺳﺘﺤﻤﻠﻪ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﻃﻮﻳﻠﺔ إﱃ اﻟﺴﺒﻌين أو اﻟﺜﻤﺎﻧين، وﻫﺬا اﻟﻔﺮﻳﻖ ﻳﺘﺄﻟﻒ ﰲ اﻷﻏﻠﺐ ﻣﻦ اﻟﺘﺠﺎر والمقاﺎوﻟين وﻳﺤﻤﻞ أﻓﺮاده ﻫﻤﻮﻣ اﻟﻘﺮﻳﺔ أو اﻟﺸﺎرع اﻟﺬي ﻳﻌﻴﺸﻮن ﻓﻴﻪ. وإنكباﺑﻬﻢ ﻋﲆ المادﻳﺎت ﻗﺪ ﺣﺮﻣﻬﻢ اﻻﻫﺘﻤﺎﻣﺎت اﻟﻌﺎﻣﺔ، ﺑﻞ ﻟﻌﻠﻪ ﺣﺮﻣﻬﻢ اﻟﻘﺮاءة. ﻓﺈذا ﴍﻋﺖ اﻟﺸﻴﺨﻮﺧﺔ ﺗﺸﻴﻊ ﰲ أﻋﻀﺎﺋﻬﻢ ﻟﻢ ﻳﺠﺪوا ﻣﺎ ﻳﻤﻸ ﺧﻮاء ﻧﻔﻮﺳﻬﻢ، وﻋﻨﺪﺋﺬ ﻳﺘﴫﻓﻮن ﰲ اﻟﺒﻴﺖ ﻛﻤﺎ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﻮا وﺑﺎء ﻋﲆ

ﻛﻞ ﻣﻦ ﻳﺴﻜﻨﻪ. ﻓﺈن ﻧﻔﻮﺳﻬﻢ ﺗﻀﻴﻖ ﻟﺼﻮت اﻷﻃﻔﺎل، أو ﻟﻔﻜﺎﻫﺎت اﻟﺒﻨﺎت واﻷوﻻد، أو ﻟﻠﺤﺮﻳﺔ المزﻋﻮﻣﺔ ﰲ ﺧﺮوﺟﻬﻢ وﺳﻬﺮﻫﻢ. وﴎﻋﺎن ﻣﺎ ﻳﻨﻘﻠﺒﻮن إﱃ دﻋﺎة ﻟﻸﺧﻼق، ﻣﻊ أن اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ أﻧﻬﻢ ﻗﺪ ﻓﺎرﻗﻮا اﻟﻌﴫ اﻟﺬي ﻳﻌﻴﺸﻮن ﻓﻴﻪ وﺟﻤﺪوا. وﴎﻋﺎن أﻳﻀا ﻣﺎ ﻳﻔﻘﺪون ذاﻛﺮﺗﻬﻢ، ﻷﻧﻬﻢ ﻟﻢ ﻳﺘﻌﻮدوا اﻟﻘﺮاءة اﻟﺘﻲ ﺗﺮﺑﻂ ﻛﻠﻤﺎﺗﻬﺎ المعاﻧﻲ ﺑﺘﻔﺎرﻳﻌﻬﺎ ﰲ أذﻫﺎﻧﻬﻢ. وﻟﻜﻦ ﻫﺬا اﻟﻔﺮﻳﻖ ﻳﻤﺘﺎز ﻋﻦ اﻟﻔﺮﻳﻖ اﻷول ﻋﲆ ﻛﻞ ﺣﺎل ﻛﻤﺎ ﻳﻤﺘﺎز اﻟﺤﻴﻮان ﻋﲆ اﻟﻨﺒﺎت.

واﻟﻔﺮق ﺑين اﻟﻬﻢ واﻻﻫﺘﻤﺎم أن اﻷول ﻳﻘﻠﻖ وﻳﺆرق، وﻫﻮ ﰲ اﻷﻏﻠﺐ ﻳﺘﺼﻞ ﺑﻤﺸﻜﻠﺔ ﺧﺎﺻﺔ. وإذا أﻓﺮط اﻹﻧﺴﺎن ﰲ ﺗﺤﻤﻞ اﻟﻬﻤﻮم ذوي واﻧﻬﺎرت ﺷﺨﺼﻴﺘﻪ وﺻﺤﺘﻪ. وﻛﻞ ﻣﻨﺎ ﻟﻬﺬا اﻟﺴﺒﺐ ﰲ ﺣﺎﺟﺔ إﱃ ﺗﺪرﻳﺐ ﻓﻠﺴﻔﻲ، ﻛﻲ ﻳﺮﺑﻂ ﻣﺸﻜﻼﺗﻪ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻨﻈﺎم اﻟﻜﻮن، وﻛﻲ ﻳﻌﻴﺶ المعيشة اﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ ﻓﺘﺨﻒ وﻃﺄة اﻟﻬﻤﻮم ﻋﻠﻴﻪ. ﻫﺬا ﻫﻮ اﻟﻬﻢ. أﻣﺎ اﻻﻫﺘﻤﺎم ﻓﺄوﺳﻊ وأﻋﻢ، وﻫﻮ ﻻ ﻳﻘﻠﻖ وﻻ ﻳﺆرق. ﻓﺈﻧﻨﺎ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻧﻬﺘﻢ ﺑﺎﻟﺴﻴﺎﺳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺒﻌﻬﺎ اﻟﻮﻻﻳﺎت المتحدة ﻣﻊ اﻟﻴﺎﺑﺎن، أو ﺑﺎﻟﺘﺄﻣين اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﰲ ألمانياأو ﺑﻌﻼج اﻟﺒﻨﻴﺴﻠين، دون أن ﻧﻘﻠﻖ أو ﻧﺄرق. وﻛﺬﻟﻚ ﻧﻬﺘﻢ ﺑﺼﺤﺘﻨﺎ اﻟﺠﺴﻤﻴﺔ أو اﻟﻨﻔﺴﻴﺔ، أو ﺑﻤﺴﺘﻘﺒﻞ أوﻻدﻧﺎ دون أن ﻳﺼﻞ اﻻﻫﺘﻤﺎم إﱃ ﺣﺪ اﻟﻬﻢ. وﻟﻜﻦ ﻳﺠﺐ أﻻ ﻧﺨﴙ اﻟﻬﻤﻮم ﻛﻞ اﻟﺨﺸﻴﺔ وﻧﺘﻮﻫﻢ أﻧﻬﺎ اﻟﻘﺎﺿﻴﺔ ﻋﻠﻴﻨﺎ واﻟﺘﻲ ﺗﻌﺠﻞ وﻓﺎﺗﻨﺎ. ﻓﺈن اﻟﻬﻤﻮم ﻣﻔﻴﺪة إذا ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻌﺘﺪﻟﺔ، ﻷﻧﻬﺎ ﺗﺤﻤﻠﻨﺎ ﻋﲆ اﺗﺨﺎذ ﺧﻄﻂ ﻫﺠﻮﻣﻴﺔ ﰲ اﻟﺤﻴﺎة ﺗﺒﻌﺚ ﻧﺸﺎﻃﻨﺎ وﺗﺤﻮل ﺑﻴﻨﻨﺎ وﺑين اﻟﺮﻛﻮد. ورﺟﻞ ﺑﻼ ﻫﻤﻮم ﻫﻮ رﺟﻞ ﺑﻼ ﻣﺴﺌﻮﻟﻴﺎت. واﻟﻬﻢ اﻟﺬي ﻳﺸﻐﻠﻨﺎ ﻳﺤﺮك أذﻫﺎﻧﻨﺎ وﻧﻔﻮﺳﻨﺎ وأﺟﺴﺎﻣﻨﺎ. 



   نشر في 09 أبريل 2020  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا