حول الموت - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

حول الموت

  نشر في 09 مارس 2017  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

الموت..

هذا الشيء المجهول بالنسبة لنا حتى نذوقَه، ماهيتُه الحقيقة لا أحد يستطيع وصفها إلا مَن مرّ بها، هو الاختبار الوحيد الذي لن يتهرب أحد منه ولن يتأخر أو يتقدم عليه، والكل متفق على ذلك مَن آمن منهم ومَن كفر، فهو الحقيقة الوحيدة التي لا جدالَ فيها ولا آراء

مَن مِنّا لا يرهب الموت؟ مَن مِنّا لا يَقُضّ مضجعه التفكير في مآله؟ مَن مِنّا لا يشعر أن الموت يقترب منه كلما سمع أن فلانًا قد مات؟

والأسئلة تتزايد مع مرور الوقت حول الموت، هناك مَن يتساءل: لماذا نموت أصلًا؟

وقد أجاب الله -عزّ وجل- في قوله -تعالى-: "الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا"

ومنها: هل طبيعي أن أخاف من الموت؟ وهل هذا معناه أنّي أُفضل الدنيا على الأخرة؟

الخوف من الموت أمر فطري جُبلنا عليه، كي نستعد لهذه اللحظة الفارقة في مصائرنا، وهذا معناه أنه يجب أن يكون محمودًا، حتى يُؤتِي ثمرته، فلا يأخذنا إلى منحًى مَرَضَيّ حيث العزلة واليأس والوسواس القهري، فنسعى في عمارة الأوقات بالصالحات وعلى رأسها المحافظة على الصلوات المكتوبات وإقامتها حق القيام فيسكُن القلب ويتهيأ للقاء مولاه.

ومن هنا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة"

نأتي للشق الثاني من السؤال، والإجابة عنه تقتضي محاورة النفس بصدق: "هل أنا خائف من الموت لأني مقصر في جنب الله وأشعر أني لم أفعل بعد شيئًا ذا بال أم خائف لأني أحب الدنيا وملذاتها ولا أريد أن أُحرم منها؟"

فالإجابة الصادقة تبين على أي طريق أنت.

التعلق بالدنيا يعني أن تكون همّ قلبك، فتسعى في تحصيلها بكل ما وهبك الله من قوة! فهي عُليا وليست دُنيا في عينيك، ومن هنا يطول الأمل وتُسوف التوبة ويُكره ذكر الموت.

فإذا لاقت هذه الأوصاف صدًى بداخلك فاعلم أن كفة الدنيا راجحة عندك، وتحتاج إلى أن تستفيق وتستعيذ وتستعين!

أما إذا كنت تسارع في رضى الله تعالى، تأخذ من الدنيا ما يُعينك على هم الآخرة وتدع ما يُثقلك عنها، لا تفرح لإقبالها ولا تحزن لإدبارها، إذا أحببت فللّه، وإذا أبغضت فللّه، همك عالٍ هناك في الجنة، ذكر الموت يرقق قلبك ويُخلصه من أدرانه، مع محاولة إخلاص النية، فاعلم أن كفة الآخرة هي الراجحة. فاحمد الله واسأل الثبات والزيادة!

هم الشيطان أن يُخلدك إلى الأرض ويُقعدك عن العمل، وسبله لذلك كثيرة حتى يحقق هدفه في إضاعة آخرتك لأنك مُكرمٌ عليه من قِبَل الله تعالى، وهذا قَسَمُه "قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَٰذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا"

والمراد بالاحتناك هنا -كما جاء في التحرير والتنوير لابن عاشور- تمثيلٌ لجلبِ ذريةِ آدم إلى مرادِه من الإفساد والإغواء بتسييرِ الفَرَسِ على حبِّ ما يريد راكبُه.

وما أكثرَ المُحنّكين! وما أبشعَ وصفهم!

وبَقِيَ أن نتناول جانبًا آخرَ مهمًا، ألا وهو تخلق القلب بعزة الإسلام حتى ولو بذل المسلم نفسه رخيصة إيذاء ذلك وأن يوقن بأن الدنيا ليست مصدرًا للعزة، وهذا ما نفتقده هذه الأيام.

كتب سيدنا خالد بن الوليد رسالة إلى ملك فارس منها: "فقد جئتكم بقوم يحبون الموت كما تحبون الحياة" فكان هذا الاعتقاد وذاك الفخر سببًا في انتصار المسلمين على أعدائهم، لأنهم علموا قدر الدنيا الحقيقي وأنها لا تستحق أن يُذل في سبيلها أحد.

وكان هذا ما أنشده الصحابي الجليل خبيب بن عدي -رضي الله عنه- عندما أجمع القوم على قتله:

فلستُ أُبالِي حِينَ أُقتلُ مسلمًا .. على أيِّ جَنْبٍ كانَ في اللَّهِ مَصْرَعِي

وفي نهاية المطاف كثرة التفكير في الموت بدون عمل لا يُجدي شيئًا ولن يُؤخر أجلًا، وتعلمنا ذلك من جواب النبي -صلى الله عليه وسلم- على رجل من البادية حينما سأله: يا رسول الله متى الساعة؟ قال: ويلك! وما أعددت لها؟

فليس المهم متى تحين ساعة موتك، لكن زادُك ومُؤنتُك حين تأتي، وأن تملأ قلبك رجاءً في رحمة مَن وَسِعَت رحمتُه كل شيء.



   نشر في 09 مارس 2017  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا