هل حدث يوماً أن كنت بين مجموعة من الأصدقاء تتبادلون أطراف الحديث بمرح، و فجأة يجتاحك شعور بغربة شديدة و وحدة عجيبة، كأنك طفل شريد فى صحراء يبحث عن ظل و كأس ماء؟
هل شعرت قبل ذلك أن الحياة ميتة و أن الصدق كاذب و أن النور معتم و أن الحب بغيض و أن الستر عراء
و تبدلت المعانى فى نفسك حتي اشتهيت الموت؟!
هل جربت البكاء المجرد؟ حالة من البكاء و النواح طويلة و مستمرة لكنها بدون دموع ظاهرة، بكاء القلب و نواح الروح.. جربت هذا من قبل؟
إنتبه.. إنه جرح قديم ينزف داخلك!
--
قد يكون هذا الجرح تقصيرك تجاه الحبيب الأعظم الذي وجدك صغيراً فكبَّرك، و كسيراً فجبرك، و مهيضاً فقواك، و ضالاً فهداك، و عارياً فكساك، و جائعاً فأطعمك، حتى اذا اكتملت قوتك كان هو أول من تنصرف عنه يا مسكين!
يقول ابن القيم "إن في القلب شعث : لا يلمه إلا الإقبال على الله، وعليه وحشة: لا يزيلها إلا الأنس به في خلوته، وفيه حزن : لا يذهبه إلا السرور بمعرفته وصدق معاملته، وفيه قلق: لا يسكنه إلا الاجتماع عليه والفرار منه إليه"
عالج هذا الجرح: عُد بقلبك إليه، عُد عودة من ذاق علقم الهجر فاشتاقت روحه لشهد المحبة، و الزم "أستغفر الله" و صحبة الصالحين و لا تعدُ عيناك عنهم.
-----
قد يكون هذا الجرح : حبيب قديم نسجتما سوياً رداء المحبة الجميل، و عشتما أياماً من الجنة، حتي قهرتكما صروف الدهر و مزقت رداء المحبة و تركتكما فى عراء الحياة، و لم تُبق الأيام لكما سوى خيطاً من الحزن و خيطاً من الدموع و خيوطاً من الموت الذى لا يجيء!
عالج هذا الجرح: لا يهم من ترك الآخر، ما يهم فى هذه الأيام ما تعلمته من دروس، لا تكرر الخطايا، و كن ممتناً لمن صنع لك ابتسامة واحدة، أو ربت على كتفيك و لو مرة، أو أسكنك قلبه و لو ثانية، أو اهتم بك و لو قليلاً، "الحجات دى بفلوس بره".
------
قد يكون هذا الجرح : موت أحد الأحباب، ربما أحد الوالدين أو أخ أو صديق أو معلم، انتهى عزاءه منذ زمن، لكن ثمة مأتماً فى قلبك لا ينتهي، و دموعاً فى روحك لم تجف، و غربة حادة فى النفس لا تذهب!
عالج هذا الجرح: صحح نظرة قلبك نحو "الله-الدنيا-المحبة"
تأكد أنك مهما بلغت رقة قلبك و رحمتك فالله أرحم منك، و مهما بلغت حكمتك فالله أحكم منك، فإذا كان الله حكيم و رحيم، فسلم القلب لمن بيده القلب.
تأكد أن الدنيا لا تصلح للقائكما، أنتما في احتياج إلى لقاء طويل طويل لا ينتهى، و هذا لا يكون فى هذه الرحلة القصيرة التى نسميها "دنيا"، هو هناك حيث المستراح الاعظم و جنة الخلد، كل ما فى الأمر أنه سبقك إلى هناك ليسترح من أوجاع هذا العالم.
و تأكد ان المحبة أقوى من الموت، مارس طقوس المحبة معه، تحدث معه بالدعاء كثيراً، كن كريماً و تصدق من أجله لتكون فى ميزان حسناته، اعمل صالحاً و هب الثواب إليه، تلك هدايا تُسعده، و هكذا لا تنتهى طقوس المحبة.
-----
قد يكون هذا الجرح: حلم جميل صَعُبَ تحقيقه بسبب تقصير فى حياتك الدراسية أو العملية، جعلك تشعر أنك لا تصلح للنجاح و المعالى، فأورثك كسلاً و خمولاً!
عالج هذا الجرح: كن وفياً لأحلامك، كن شجاعاً فى قراراتك، جريئاً فى تنفيذها، اسع ثم اسع ثم لا تحمل هماً فليس عليك إلا السعى، و سيكافئك الكريم بنتيجة تليق بكرمه.. فاطمئن.
-------
الله لأنه رحيم و حكيم لم يُنزل داء إلا و جعل له دواء، و لا جُرحاً إلا جعل له التئام و شفاء، فتداووا عباد الله، يحدثنا الأطباء أن المريض بعد الشفاء يكتسب مناعة ضد المرض تجعله أقوى، فقط لمن كان جريئا و اعترف بالداء و تناول الدواء.. شفي الله جرحك و قوَّ الله قلبك يا صديق.