هاليصا. ( قصة قصيرة )
—————————
صريرُ عجلاتِ القطار يُؤذن بأنه سيتوقف طويلاّ في المحطة القادمة ، تَململ في كُرسيه وفَتح عَينيهِ ليَجد ” الأسودُ يَليق بك ” علي أرضية العَربة, تَحتَ أقدامهِ مُباشرةً , مُؤكد أن نَومهُ العَميق أفلتها من بين يديه , هو دائماً ما يَصطحبُ روايةَ أو أكثر في سَفرياتهِ ، تَوقف القطار , اندفع للداخل والخارج المسافرين والباعة , انطلقت الهتافات داخل العَربة , فما أن يخفت صوتٌ لبائعٍ حتي يَعلو آخر
أخبار .. أهرام .. جمهورية
جلاب .. يلا . جلاب
مناديل
شاي ..لب ..سجاير. .حاجه ساقعة
تحريك الرأس يميناً ويساراً بملل كان الرد الوحيد علي كل الباعة ، هو لا يعرفُ في حياته شئٌ يُذكر سوي أنه شخص عادي ، ليس عنده ما يَحكيه لأقرانه ليري في عُيونِهم بعض الحقد ، يعيش بشكلٍ عادي , يعمل في نمط عادي , كل مأمورية للقاهرة أيضا تمر دون حدث يستحق أن يُذكر, يبدو أن الحياة الغير عادية في الروايات فقط ، مؤمن تماماً أن تتر الحياة يخلو من اسمه , أقنعَ نفسه كذئب العنب أن الجنون في الحياة حماقة ، ولكن ماذا سيخسر ؟ ربما كان الجُنون بداية الحياة , فليُجرب مرة واحدة أن يتصرف بشكلٍ غير عادي ، فالطبيعي ألا تحدث الأشياء المجنونة للأشخاص الذين يتصرفون بشكل عادي , بدت منه التفاتة تخترق فيها عيناه الندي الخفيف المتكثف علي الشباك الزجاجي , وقعت عيناه عليها , وجه خمريٌ ملفوف بحجابِ أسود , و شفاه منتظمة حمراء من غير سوء ولا روج , نَبضُ قلبه يرجهُ كالعادة كلما وقعت عَيناهُ علي الملامح التي يحبها , ذكره النَبض بأهمية الجنون ، فلبت علي الفور عيناه نداء القلب واللاعقل , وأجهدت نفسها لتلفت نَظرَ الفتاة ، فقامت الأيدي لتُساعده ولوحت بشكل هستيري خشية أن يتحرك القطار دون أن تشعر به ، يفعل ذلك دون هدف منه سوى كسر وقع حياته الممل ، هي أعجبته بجمالها وهدوئها،و… فجأة بدت منها التفاتة ،يبدو أنها أدركت جنونه وتساءلت ماذا يريد منها ، ألهمته” أحلام مستغانمي” أن يطلب رقمها أو يعطيها رقمه ، وبسرعة البرق لوح لها بعلامة التلفون ،يبدو أنها تفهمت جنونه واقتربت من الشباك الزجاجي و هي باسمة , فارتج قلبه وفتح عينيه في ذهول تاركا لهما فرصة تفحص ملامحها جيداً، البهاء يطل من بسمة عينيها, رفعت سبابتها نحو الزجاج , بدأت تكتب رقم هاتفها وكأنها تنقش في قلبه قصة عشق بأنامل الخلود , وتبني في صدره مقاماً لمريدي الرومانسية , انتهت من كتابة الرقم ساعدها في توضيحه ندي صباح الشتاء الباكر ليوم صاف , وكأن الندي شريك متحمس في رسم الحب ، القطار يتحرك ، بدأ يعشق الجنون , أخرج هاتفه وسجل الرقم بسرعة واستكمالاً للشعور اللذيذ التي تسرب لخلاياه كتب أول رسالة تحتوي علي كلمة واحدة ( هاليصا ) فردت علي الفور ( يعني إيه ؟!! ) ,استجمع ما تبقي من هوس وإثارة وكتب ( يعني.. ب ح ب ك.. بس بالفرعوني ) و.. ولحظات وانساب صوت (أماني) الدافئ ، حمل له اسمها وصوتها كل ما عبرت عنه الروايات لوصف لحظات الحُب الأولي و……………
راحتان جافتان حجبتا الرؤية وصوت زوجته المبحوح يقول : بتعمل إيه يا خلبوص؟
أبعد راحتيها عن عينيه ورد حانقا : حرام عليكي فصلتيني
فمطت شفتيها امتعاضاً وقالت :وفصلتك عن إيه بقي إن شاء الله ؟
فقال مطلقاً لهواء صدره العنان في زفرة ملول : بكتب قصة قصيرة ..
وأكمل ) هتقوليلي أنا مليش ف القصص والقراية والكلام دا ..
هقولك : خلاص سيبيني أعيش مع القصص و روحي نامي
هتقولي : طب اتعشيت ؟
.هقولك .لا..ومليش نفس
هتقولي : ليه هو أنا شكلي يصد النفس ولا ايه ..؟؟!! حِكَمْ .. دا إنت زمان كنت مش عارف إيه و…..ونبدأ نتخانق )
وعلا صوته أكثر وبحروف مضغوطة : لينا سنين في الحوار الـ (عادي ) دا بتاع كل ليلة.. إيه الجديد يا ( أماني ) .تصبحي علي خير.