أمريكا والغرب..وبزنس"الحرب على الإرهاب" ..أفريقيا نموذجاُ
د. موزار – خبير استراتيجي
نشر في 25 أكتوبر 2014 .
من أكبر المصائب التي ابتلت بها شعوب منطقتنا وجوارها الافريقي هو بروز دول الاستعمار القديم بكل مآسيها وكوارثها لتظهر علينا بشكل جديد أكثر وحشية ولكن بلباس متجدد تحت ذرائع ومصطلحات مزيفة ليس آخرها "الفوضى الخلاقة" و"الحرب على الإرهاب" وتشكيل تحالفات بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاستعمار الغربية تخفي من وراء مشاريعها استمرار تنفيذ مخططاتها المشؤومة التي تهدف إلى نهب ثرواتنا وتدمير تراثنا وحضارتنا واستباحة دماء وثروات شعوبنا ..وبالتمعن على مايسمى "الحرب على الارهاب" الذي صنعوه بأنفسهم وباتوا يستخدمونه كتجارة في اي مكان تحقق لهم مكاسب من هذا البزنس اللعين.. وليس لديهم اي حرج بالتلاعب بمصير الشعوب وتعديل المشاريع والمصطلحات طالما انها تشكل لهم تجارة رابحة مهما كانت خسائرنا كبيرة ومؤلمة.
ولكي لا أطيل فقد اصبح الجميع يعلم اساليبهم ونماذجهم القاتلة .. ولكني سأتوقف لتحليل بسيط لما يجرى في القارة السمراء كنموذج لا يستحق الكثير من العناء لمعرفة حقيقة ما يجري هناك ..
فبعد أحداث 11 أيلول – سبتمبر 2001 والفراغ العالمي الذي نتج عن انهيار الاتحاد السوفيتي شكلت القارة الأفريقية مكانة هامة في الاستراتيجية الأمريكية العالمية الجديدة, نتيجة لبروز أهميتها للمصالح الحيوية الأمريكية, خاصة لما يسمى "الأمن القومي الأمريكي" حيث تمتلك القارة الأفريقية احتياطي نفطي هائل, كما إنها تمتلك كميات وفيرة من المعادن الهامة التي تدخل في الصناعات الاستراتيجية , بالإضافة لاستشراف القارة الأفريقية على المعابر والموانئ الاستراتيجية في المحيط الهندي والأطلسي والبحر الأحمر, كما تشكل القارة الأفريقية سوقا لا يستهان به للمنتجات الأمريكية, بالإضافة لتنامى دور الصين في أفريقيا باعتبارها قوة اقتصادية منافسة للولايات المتحدة الأمريكية, فضلا عن وجود الجماعات الإسلامية المتشددة التي تصنفها الولايات المتحدة كمنظمات ارهابية ..
وبذريعة هذه الأسباب مجتمعة لجأت الولايات المتحدة الأمريكية لتكثيف وجودها بالقارة الأفريقية لتحقيق مصالحها الحيوية, وبالتالي تحقيق متطلبات الأمن القومي الأمريكي حسب زعمها .
تشير كافة المعلومات بأن الدول الغربية تسعى لتوسيع دائرة نفوذها في القارة الأفريقية. ويمكن الإشارة إلى هدفين رئيسين من هذا الأمر كما سبق وذكرت أعلاه :
- بسط النفوذ على المناطق الغنية بالنفط والثروات المعدنية بمختلف أنواعها
- عدم السماح لتوسع تأثير الصين على القارة السوداء
ومن أجل تحقيق هذه الرؤيا فأن دول الغرب تسعى للعودة لاستخدام وسائلها القديمة و المتمثلة بتشكيل فوضى المجموعات الإرهابية في دول المنطقة ، ومن ثم وبحجة تهدئه المواقف بين هذه المجموعات المسلحة من قبلها في المناطق غير المستقرة ،والتي هي في واقع الامر، المناطق الاكثر غنى بالموارد وفي هذه الحالة ، البر الرئيسي.. لذلك ظهرت مؤخرا بداية مرحلة جديدة من توسيع نشاط مثل هذه المجموعات الإفريقية الارهابية، كحركة الشباب وبوكو حرام على اعتبار ان توسيع عملياتهم ستجلب اثارها اضرارا بالاستقرار في كل المنطقة .. وهذا الامر اثبتته الاحداث الأخيرة في نيروبي والتي تعرضت لهجوم الإرهابي أدى للسيطرة على المركز التجاري و كان من نتائجها حصاد حياة الكثير من الناس داخل السوق غالبيتهم من الاجانب...
هذا العمل الارهابي قد تضخم كثيرا في وسائل الإعلام الغربية واستمرت تغطية اخباره وتحليلاته ونتائجه لعدة أسابيع. وبنفس الوقت تكاثر الحديث عن خطورة عودة الذين يحملون جنسيات من الدوال الغريبة الى بلادهم وتأسيس منظمات ارهابية فيها...
في حقيقة الامر وبتحليل بسيط يمكن الاستنتاج بأن الهجوم الارهابي في نيروبي يأتي في سياق استراتيجية الولايات المتحدة الامريكية والدول الغربية بشكل عام المتعلقة بالقارة الافريقية ..عدا عن ذلك فأن منظمي هذا الهجوم الارهابي كانت بغطاء ودعم من بريطانية العظمى
المثير للاهتمام انه وبعد التخلص مباشرة من تأثير هذا الهجوم الارهابي , ظهرت على الفور مطالبات حول ضرورة تدريب أجهزة الاستخبارات المجلية والقوات العسكرية على تكتيك "الحرب ضد الارهاب" وطبعا فان مثل هذه المساعدات عرضها الأمريكيون والفرنسيون ..
لكن , من اجل تنفيذ هذا السيناريو لتدريب القوات المحلية يتوجب على الغرب تأسيس قواعد تدريب مجهزة بأحدث التقنيات العسكرية ومزودة بكميات كبيرة من المعدات الامريكية والغربية .. وبالتالي فان الخطوة الثانية ستكون بإقامة قواعد عسكريه كاملة وتوسيع التواجد العسكري..
وبالفعل وبهدف تنفيذ هذا السناريو بدأ على الفور ارسال الجنود الامريكيين الى القارة الإفريقية حيث تجاوز عددهم 5000 جندي امريكي . وبدأت تعمل بشكل مؤثر القاعدة العسكرية في جبوتي .
اضافة لذلك فمن المعلوم ان في مالي يتواجد مجموعات ضخمة من القوات العسكرية الفرنسية ،مجهزة بأحدث أنواع الأسلحة والمعدات.. علما ان طول مدة الاقامة ومجالات العمل لهذه القوات العسكرية غير محددة .. وبالتالي فقد اصبحت الدول الغربية وامريكا تبسط سيطرتها على اكبر مناجم اليورانيوم في النيجر ، وكذلك احتياطات النفط الضخمة في نيجيريا ..
وبالنتيجة فانه من المتوقع ان تكون الجزائر والسودان هما الدولتان المرشحتان في قائمة تجارة الحرب ضد الارهاب لدى الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين...
إن قيام الولايات المتحدة الأمريكية بإنشاء قوة المهام المشتركة لقرن أفريقيا, ومن ثم ضم هذه القوة للقيادة العسكرية الأمريكية الخاصة بأفريقيا بعد اكتمال إنشائها في أكتوبر من العام 2008 م وتوسيع دائرة نفوذها بالتنسيق مع بعض الدول الغربية وعلى رأسها فرنسا وبريطانيا , يمثل من وجهة نظر العديد من الباحثين والمحللين الاستراتيجيين, بداية عهد جديد من فرض الهيمنة الأمريكية على القارة الإفريقية, يهدف لاستغلال مواردها الطبيعية والبشرية, من أجل دعم رفاهية إنسان الولايات المتحدة على حساب إنسان القارة الأفريقية الذى ظل ولا زال يرذخ تحت البؤس والفقر منذ فترات الاستعمار الأوربية السابقة لأفريقيا, وهذا التكالب الأمريكى الغربي على القارة الأفريقية, يعيد للذاكرة حقبة الاحتلال الأوربي الذى نهب ثروات القارة الإفريقية, ثم أجج الصراعات والفتن بين دول القارة , وبين مكوناتها القبلية والأثنية داخل الدولة الواحدة , مما جعل القارة الإفريقية تعانى من ويلات الحروب والصراعات حتى هذه الآونة...
إن الذرائع المختلفة ومنها ما يسمى "الحرب على الارهاب" لتوسيع الوجود العسكري الأمريكي والغربي في القارة الإفريقية يصب في خانة تأمين المصالح الحيوية, وتحقيق ما يدعى "الأمن القومي الأمريكي الشامل", وبالتالي سوف يقود لتدخل عسكري أمريكي – غربي مباشر "كما حدث في مالي وليبيا والصومال ونيروبي وو." في شؤون الدول الإفريقية تحت أي نوع من الذرائع والأسباب, وبالتالي سوف تفقد دول القارة الأفريقية سيادتها كلما تعاظم النفوذ الأمريكي – الغربي وقواعده العسكرية , كما أن دول وشعوب القارة ستظل تعاني من نتائج مشاريع الهيمنة والفوضى والصراعات التي تفتعلها دول الاستعمار القديم والحديث التي لا تهتم الا بمصالحها وزيادة مردود "البزنس الفتاك " على حساب موارد الدول ودماء الشعوب..