القانون الطبيعي في الحياة

هيام فؤاد ضمرة

استبشر خيرا وتفاءل لأن ربك هو القدير العليم الرحيم الرحمن، قادر على أن يكفيك ما أهمك، وينجيك مما ألم بك، ويحفظك من مكر يحيق بك، أو شر يتربص بك.. فاسأله بنور وجهه العظيم وفيض عطائه الكريم، أن يجعلك في حوزه، وحفظه، وجواره، وتحت كنفه بصحة كاملة وعافية شاملة، وفيض عطاء من أرزاق كافية، ويتقبلك الله قبولا حسنا بتفاضيل سامية، ويجبر خاطرك بسلامة وافية، ويجعلك ممن رضي عنهم، وأرضى الخلق منهم بخير الأعمال وأصدق الاتصال، قائما بحق الخالق الرحمن بطاعات وعبادات راضية.

فالقانون الطبيعي للحياة قائم هو على ما خلق الله الخلق والإنسان على الفطرة وعلى ما يهيمن عليه العقل والإحساس، فينبه صاحبه على ما للروابط والعلاقات الإنسانية من طبيعة الأجناس فيوائم ذاته مع طبيعتها على فطرت عليه، وعلى طبيعة الطبيعة بعموم تكويناتها الخارقة وأدوارها المارقة، وهي قوانين وقواعد تحكمها طبيعة الخلق بالإنسان، وطبيعة الخلق بالكون، وهذ ما يجعل طبيعة العقل البشري طبيعة متفاعلة بالتعامل المجرد مع كليهما على ما تتطلبه الحاجة لذلك.

فالقانون الطبيعي هو ترجمة حية للقواعد السماوية على ما نزلت على الأنبياء من خلال الكتب السماوية، على الأخص والأعم القرأن الكريم، فالقوانين الوضعية تم وضعها على أن تتواءم وقوانين الطبيعة بالإنسان والكون، كمتطلب ضروري لاستمرار الحياة على الهون المريح، فكل شيء بالخلق محكوم بما خلق عليه وخلق له،

لا شيء في الطبيعة يعيش لنفسه، لا النهر يشرب ماؤه، ولا الشجر يأكل ثماره، ولا الضرع يسقي صاحبه، خلقت الأشياء لتخدم بعضها البعض وليس لتخدم نفسها، وهذا ما جعل الإنسان أكمل خلق الله، وأحقهم لحمل أمانة الأرض وما عليها، وألزمه لعبادته لله تعالى، ومحاسبته على الخير بعشرة أمثالها جزاءا شكورا، وعلى الشر معاقبته عقابا شديدا مجزورا،

فطرة الإنسانية في الإنسان هي التآلف على السلام والمحبة، وعلى التعاون على عمل الخير وتبادل الخبرات والإبداعات، وتبادل المنفعات على تنوعها واحترام حقوق الآخر وتقبله، فلا قدرة لإنسان أن يكون ملما بكل شيء، فيقوم بكل المهن الموحودة فوق البسيطة، أو من يكون ملما بكل العلوم، أو يجيد كل لغات العالم.. فلكل إنسان ميول وقدرات واختصاص في عمل معين يجيد صنعه وصنعته، فالمزارعون يزرعون الزرع كل نوع في موسمه، ويحصدون الناتح في موسم حصاده، ومربي الماشية يهتمون بمواشيهم ويرعونها ويعالجوها إذا ما مرضت، ويصنعون من نواتج حليبها الأجبان والألبان على أنواعها، فيشترون المواد المزروعة من المزارعين، ويبيعونهم الأجبان والألبان لتأمين جزء من معيشتهم.. وهكذا.

وكذلك شرحه مع النجار الذي يختص بصنعته ويجيدها، والحداد الذي يختص بمهنته ويقوم بها على أكمل وجه ممكن.. وهكذا دواليك فتكون المنافع متبادلة، ما يجعل المجتمعات تأتي بقيم وقوانين تنظم علاقاتها ببعضها، وتقضي النزاعات فيما بينها، ودعم العالم لغير العالم بأن يعلمه جودة العمل ومقاييس التعامل معه.

كما تنظم علاقات الإنسان بالطبيعة وكيفية التعامل معها أيضا، فيجري ذلك ضمن قوانين محددة، تنظم علاقته بالطبيعة، كأن يتم تحديد زمن لصيد الأسماك في موسم اكتمال نموها، وموسم لجد الزيتون في مرحلة نضوجه واكتمال صلاحيته لعصره، ومرحلة لجز صوف الأغنام وصناعة منسوج صوفها، وتقسيم المزارع لزراعة كل نوع من المزروعات في موسمها، والتعامل مع الأرض ضمن نظام اعتمده عن خبرة ومعرفة بحيث يزرعها موسما ويتركها لتستريح موسما آخر، فيعمد إلى زراعتها عاما بعد عام لتستعيد قوتها في تغذية المزروعات لضمان أن يأتي المحصول بشكل جيد ووفير. فدعم القادر لغير القادر هي ضمن تبادل المنافع الإنسانية، والتواصل الإنساني الرحيم والعادل، وإحقاق الرحمة والعدالة والعون والعطاء، فمن أحبه الله حبب خلقه به فأحبوا التعامل معه وأحبوا أسلوبه بعمليات البيع والشراء، وجعله ممن تحوطته القلوب وعاشروه الأطياب من الناس،

هنا تتأتي العلاقات البينية بين الناس بحاجتها وحصيدها، لذلك إغرس بذور الخير والمحبة أينما كنت في مجال عمل، وفي أي تربة تعثرت بها في مجتمعك، وابذر بذور الحب والرحمة أينما حللت دون فرقة ولا تفرقة، أنبذ العنصريات فهي مدمرة لعلاقات البشر ببعضهم، فالله خلق البشر وجعل في أصل خلقة الاختلاف وتنوع الفكر الإنساني، والمزاج الإنساني، والرغبات الإنسانية، والمعتقدات الدينية، فاترك كل إنسان بعبد ربه على طريقته ما لم ينحرف نحو الكفر والمغالطات المنبوذة، فاسقِ علاقاتك الإنسانية بماء غيث صاف من حسن العشرة، ولطف التواصل، وجميل الصحبة، واحترام الحقوق، وتذكر مقولة الحكماء " تنتهي حريتك عندما تبدأ حرية غيرك، وتنتهي حدود مصالحك حين تتشابك مع حدود مصالح غيرك"

فالحياة لا تدوم على منوالها المسالم، ولا السلام يدوم إذا ما لم يتم الاستمرار بتغذيته بعقلانية بالغة، فالأيام بطبعها التقلب على اختلاف، يوم معك ويوم عليك، وما يتبقى منها إلا ما زرعت ورعيت.

العمر رحلة قارب يبحرعلى هونه بسلام، فإياك ثم إياك دفعه ليسارع بأكبر من طاقته، فارحل دون أن تتسبب بنتائج غير محسوبة، كأن تصادم الطبيعة في قدراتها، فالعمر يمضي إما أن تسالمه أو يسالمك، والخطى تسير بسلام إذا ما توفرت قوانين تتماشى وقوانين الطبيعة وتتواءم مع ظروفها.

خص الله الناس بالرحمة ليرحموا بعضهم ويتعاطفوا مع مآسي غيرهم، ويقول المصطفى بذلك (الراحمون يرحمهم الرحمن, ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)

كذلك الحديث الشريف (من لا يرحم الناس لا يرحمه الله)

ليس المطلوب أن تحمل في صدرك مصحفا تتنقل به، إنما المهم أن يكون بقلبك وعقلك وعملك كلام الله وأخلاق كتابه منعكسا واضحاً على تعاملاتك مع غيرك وعلى ممارساتك بحفظ حقوق غيرك كما حقوقك.