أخاف ...!
أخافُ أن يمضي عمري بين هذه الجدران الأربعة ..
أخاف أن أتساقط قطعةٌ قطعة و رغبةٌ رغبة، و أن أصير خريف لا يستحق الإنتظار ...
أخاف أن يبقى كل شيء كما هو و كل مشهد اعتيادي ..
أخاف أن أعتاد كل هذا ..
و من الإنسان و ما قد يحدث به ..
و من فخ الحياة و خدعة الإنتظار و حيلة الصبر و حقيقة الأمور ..
لا أريد أن أرى وجهي كل يوم كما في الأمس .. بآئس لا يتجدد ..
أريد شيء جديد ألمسه بروحي تلك التي لم يتبقى منها شيء سوى القليل من الصمود و بعض من ذكرى الطفولة الجميلة ...
أريد ابتسامتي التي عهدت، التي أعرف .. تلك التي تضيء بها كل نجوم كوني الداخلي..
أخاف من أن يمر العمر .. دون أن أمر بأدنى طموحاتي و أحلامي.. دون أن أحقق أي منها ..
أخاف أن يهزمني الدمع .. و اليأس .. و المجتمع ..
أخاف من ألا أستطيع التجرد من هزائمي عندما يتوجب ذلك ..
أخاف أن تبقى هذه القيود هي خسارتي الكبرى و معركتي التي تعيبُ كرامتي...
أخاف من ألا أكون أنا .. أو أحد يشبهني .. أخاف من حزني و من كتماني و من كل ما يؤلمني لكنه لا يظهر ..
أخاف من صمودي الصامت و ثباتي ، الذي قد لا يدل سوى على انهيار داخلي بطيء .. سيظهر لاحقاً ..
ربما على شكل بلادٍ لم تعد لها أي ملامح ، أو وطن مهزوم .. أو... نهاية بائسة لقصة شجاعة ...
أخاف أن أهاجر نفسي كي أستطيع الاتصال بالغير فقط و مواكبة التغيرات و الأشخاص ..
أخاف أن أقضي جميع أعماري و أنا على مسرح الحياة .. أُمثل بكل عنفوان ميّت ...
أقلّب الصفحات دون أدنى فكرة عمّا يحدث..
أخاف من الإنتظار .. و كل ما يليه ..
أخاف أن أنسى إسمي و كل صفاتي وسط كل هذه الأسماء التي لا تعنيني ...
أخاف حين يستحوذ صمتي علي .. و على غرفتي و كل ممتلكاتي الصغيرة ..
حينها فقط أبدأ بِعَدّ كل سنيني الضائعة بين كلمات الآخرون و مخططاتهم الفاشلة . .
كيف للمرء أن يرى جمال الحياة و غروب شمسها و شروقها وسط كل تلك القيود التي يضعها الغير بلا حق على أحلامه ...
كيف له أن يحب الطيور و يستمع لها كل صباح و هو يعلم أنها فقط حرة بالسماء .. و ما إن سقطت في أيدي البشر ، ستموت ..... في قفصٍ ربما أو تحت التراب..
لماذا علي أن استيقظ كل صباح فقط لكي أنجو لا أن أعيش ..
لماذا لا يكون كل هذا مجرد كابوس أو أن تكون الحياة كلها خدعة لا تستحق أن نلتفت إليها ..
هل كان الفنان المحبوب محطّماّ حينما رسم أخر لوحاته و اعتزل قبل أن يفسرها ؟
هل كان المنتحر ينتظر فقط كلمة تذكره بأنه يستحق الحياة قبل أن يرحل مبكرا و يتخلى عن فرصته بالحياة ؟
هل لن تهرب الطيور إن فقط وثقت بأن الإنسان لن يغدر بها ؟
هل ستكون الحرية حقيقة مطلقة فقط إن تخلى البشر عن أنانيتهم التي تدور حول فرض الذات ؟
و هل كنت سأتخلى عن إسمي لو أنني وجدت فيه ما يعنيني ؟ ......
و هل سيتوقف عقلي عن التساؤلات التي انتهت صلاحية اجاباتها؟
أكره مدينتي السّامة..و أكره موقعي من الحياة ..
أكره زاوية النظر من هنا .. و مسار هذا الكون ..
لا أريد من العمر سوى نفسي .. و أحلامي ..
لا أريد سوى مُخيِّلتي التي تبقيني على قيد الحياة أحيانا..
لا أريد سوى الصباح و جزءاً من الليل ...
لا أريد سوى بداية الشتاء و منتصف الربيع ..
لا أريد سوى غيمة تأخذ بي لما هو في انتظاري منذ زمن .. حيثُ أستحق ...
أريد نفسي .. و لا أريد أن أموت الآن .. ليس الآن..و أنا منهزمة ..
لا أريد أن أموت قبل أن أستعيد كل أحلامي و أعبر عنها بواقعي .. و أفعالي .. و مكاني...و ربما بعض لوحاتي ..
لستُ أكره الموت .. و إنما أكره فكرته ..
كيف له أن يأخذ كل شيء في جزء من الثانية..
أكره أن يموت المرء قبل أن يرى نفسه سعيداً بالفعل .. قبل أن يطوي سنينه في قلبه و يرحل فخوراً بنفسه التي بقيت صامدة رغم حقيقة الموت و رغم الشك بالحياة..
بين الحين و الاخر .. تراودني فكرة الهروب .. ولكنني أعلم أن للكون حدود .. لن أضيع بغيرها مهما ابتعدت...
سيبقى التراب هو آخر المرء و أوله ..
و ستبقى الأحلام هي أقصى ما يمكن للمرء أن يعيشه في هذه الحياة ..
و سيبقى الجزء الاخر من الحياة رغبة مُلّحة .. الذي لم يلحق أن يراه الجميع ..
ربما بحكم مدينتهم.. أو واقعهم.. أو عائلتهم.. أو ربما بسبب خوفهم..
فالخوف يقتل جميع الأحلام حتى قبل ولادتها ..
كفيل بأن يهد كل تلك الطموحات بداخلك ..
فإن الخوف لا يفرق عن الموت شيء .. إنه شكل آخر له ..
لذا .. فأنا لستُ أكره الخوف ..إنما أكره فكرته .. تماما كالموت..
هذا جزء من الحقيقة و جزء من الوجود .. و لكنني أخشى الظلام .. و لن أطيل المكوث ها هنا ..
سأحاول أن لا أموت قبل أواني .. و قبل موتي الفعلي ..
سأحاول أن أبتسم للمرة الأخيرة.. و أحارب صراعات الشك في وجودي ..
سأحاول أن أكون سعيدة للمرة الأخيرة.. و أن أحضن أحبائي في اليوم الأخير..
إلى أن .. أرى السماء بشكلها الاخر ..
إلى أن تفتح أبوابها.. و تجبرني على الرحيل..
إلى أن أرى نفسي في مكاني الذي لطالما أردت..
إلى حياة آخرى ..
إلى ... اللقاء
أخشى أن لا يفهم أحد هذا النص و أن لا يرى الحقيقة بين السطور ، أخشى أن لا ينظر أحدهم في هذه الكلمات و يدرك كم أنني احاول بشدة التمسك بالحياة و بنفسي ..
أخشى أن تكون هذه العين عميآء .. لا ترى سوى ظلام الكلمات وليس حقيقتها ..
أخاف ..
أخافُ من أن أقضي كل سنيني خائفة.. !
~ر.م 🍂
-
Mais Souliasالكتابة ليست مجرد ورقة وقلم , إنما حوار بين الإحساس والصمت ، أكتب لأنني أشعر، لأنني.. أريد أن أحيا لا أن أنجو❤