بيت فؤاد ١٠
في لحظة ما يقرر اثنين أن يجربا شعورهما .. تقودهما المشاعر لنزوة .. وعلى سرير مخفي تولد الخطيئة .. لكن هل لتلك الخطيئة الذنب في أن تعيش طوال عمرها على أنها كذلك .. أجل .. عندما تولد تلك الخطيئة في مجتمع لا يميز المجرم من الضحية، لأن الجميع جلادون!
نشر في 05 غشت 2018 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
ربما تتساءلون عن سبب تعلقي ب"فؤاد" وبيته، لكن الواقع أنه كان لي ذات يوم منزل جميل جداً ودافئ. وفي لحظة واحدة عندما اعترفت "سعاد" بسرها لي . . صار يبدو لي ذلك المنزل زنزانة تعذيب، فلم يكن يمضي فيه يوم بعد رحيلها إلا وكان يذكرني بما حدث.
لم أكن للحقيقة ناقماً عليها، وقررت بعد زمن قصير جداً أن أتخلى عن رحلتي في البحث عنها، الحقيقة كانت مؤلمة لكن كان تأجيلها أكثر إيلاماً لكلانا. وربما كان علينا من البداية أن نختصر هذا الطريق الموجع ونواجه أنفسنا بأننا فقدنا بعضنا البعض منذ زمن بعيد.
عندما تعرفت في المرة الأولى على "فؤاد" أول ما خطر في بالي هو حقيقة تشابهنا، كلانا نعيش وحدتنا متظاهرين بأننا نعيش الحياة النموذجية، وللعالم الخارجي كانت تبدو حياتنا الأروع والأفضل، لكنني يوماً بعد يوم كنت أدرك كم كان ألم "فؤاد" عميقاً وكما كان وكنت نكابر على الاعتراف. ابتسامتنا وطريقتنا الواثقة بالتحدث وأملنا المزيف بالغد .. لكن الفارق بيننا أنه ربما كان ل"فؤاد" فرصة ثانية .. لكنني لم أكن كذلك. ولم يحقق في النهاية أي منا غايته!
في أحد مذكرات "فؤاد" قرأت شيئاً موجعاً، كان سراً يحتفظ فيه "فؤاد" لسنوات طويلة، سر كما كتب عنه أنه أراد أن يخبره فقط ل"سوزان" لكنه لم يستطع ..
" ولدت وكبرت في منزلي معتقد بأنني متبنى، كان الجميع يخبرونني بأن والدتي أودعتني في دار أيتام واختفت، وأن الرجل الذي كان والدي شعر بالشفقة علي فتبناني، وعندما بلغت السابعة عشرة من عمري اكتشفت السر الذي لم أود يوماً أن أعرفه.
كان والدي على سريره يحتضر، استدعاني وطلب مني أن أصغي إليه بعد أن أعطاني ورقة مغلقة فيها عنواين، قال لي بأنني إن حالفني الحظ بعد كل هذه السنين فسأجد أمي في هذا العنوان ..
لقد كنت ابنه الحقيقي لكنني كنت ابن خطيئة، من امرأة عشقها على زوجته التي هي أم أخي كريم، وتزوجها بالسر لكنها بعد أن أنجبتني حدث شجار كبير بينهما وطلقها فلم يكن منها سوى أن سلمتني له ورحلت!
فتىً في السابعة عشرة من عمره مراهق بدأ يشق طريقه في الحياة، كم كان من الصعب علي أن أتقبل تلك الحقيقة وأنا الذي كنت أعير بأنني ابن زنا في كثير من الأحيان، أنني كنت أعامل والدي الحقيقي على أنه الرجل الذي نظر إلي بعين العطف وتبناني، وأن أمي التي كانت تربيني كانت تحن علي انتقاماً منه لا رأفةً علي .
لماذا بعد كل هذه السنوات قرر ذلك الرجل أن يعترف لي بالحقيقة، لأنه كان يمر برهبة الموت التي أمر بها الآن، فلم يعد بعد هذا يأبه لرحيل زوجته أو لكلام الناس.
لعنته ولم أسامحه يوماً، ربما لأنه أخبرني الحقيقة ليس لأنه فعلها، وهجرته ولم أخرج في تشييع جثمانه. كان الجميع يقولون بأنني ناكر للجميل، بأنني بعد كل هذا تخليت عن الرجل الذي رعاني .. لكنني احتفظت بالحقيقة لنفسي .. بلعت ألمي بصمت ورحت أشق طريقي متألماً ولكن لست نادماً على ما فعلت ..
عندما كان يخبرني كان يبكي وكنت شامتاً لا مشفقاً، كنت لسبب أو ربما لعدة أسباب أتمنى له موتاً موجعاً، احتضاراً طويلاً و .. ".
كانت صفحة المذكرة التي تليها ممزقة لسبب ما، وكنت أود كثيراً ألا أقرأ المزيد، ألا أكتشف أن الطيبة التي كانت ب"فؤاد" كانت مزيفة، أنه رجل شرير ..لكنني لم أفكر إن كنت مكانه .. فكرت فقط بالسبب الذي جعله يمزق الورقة ..
ربما لأن الإنسان عندما يعيد قراءة ما كتب يندم، يشعر لسبب ما بأنه باح بشيء حتى الورق ربما يخون سره فيه. ربما أنا نفسي لو تابعت ك
ابن زنا، كانت كلمة كافية في مجتمعاتنا لتحطم الرجل، لتجعله يلعن اللحظة التي ارتكبت فيها الخطيئة وأنجبه القدر عقوبة .. فكرت كثيراً في تلك اللحظة التي تجمع أي اثنين، كم يجمحان في الجنس . كم يكون ما فعلاه سراً مقدساً .. سواء في لحظة حب أو لمجرد الغريزة، هناك قوانين في هذا المجتمع تحدد ما أنت عليه.
إن كنت ابن حب أم ابن غريزة ما الفارق، الفارق أن يعترف فيك المجتمع إن كنت أتيت سراً أم علانية. ياه .. كم من المؤلم أن تدرك ذات يوم أنك مجرد خطيئة .. لكن من يتألم أكثر الأم التي ترمي ابنها مكرهة أم الابن الذي يعيش طوال حياته مع بصمة العار ..
- يتبع -
ملاحظة: بيت فؤاد عبارة عن سرد لمحطات قد يمر فيها أي إنسان، الفارق هنا أن البطل ميت، وأن من يروي حكايته مشاهد .. يتحكم بردة فعلنا اتجاه حياة "فؤاد". لماذا "بيت فؤاد" لأن لكل بيت أسراره، وعندما تغلق الأبواب وتسدل الستائر تحيا وتموت آلاف القصص ضمن تلك الجدران .. بعضها يرحل مع أصحاب تلك البيوت وبعضها يكتب ويخبر عنها مشاهد ..