هذا الرجل الذى تقرأون له كل أسبوع فى هذه المساحة، يتحدث دائما عن شخصيات وأحداث, فلماذا لا يترك صاحب القصة نفسه يحكى حكايته.. أنا البتاع – هكذا ينادوننى – سوف أفعلها وأقص عليكم حكايتى بنفسى، كى لا يروى هو ما يحلو له لينال منى, فاسمعوا وعوا..
أولا يجب أن تعلموا أن صغر حجمى لا يعنى أننى ضعيف أو ذليل, بل أنا أقوى من شمشون وعنترة.. نعم قوى, ليس بالبنيان الجسدى والعضلات المفتولة, إنما بذكائى وقدرتى على «استنطاع» الآخرين واستغلالهم لتنفيذ ما اطلبه , بل ما أمرهم به..
لكن حقيقة.. ذكائى ما كان له أن يحقق ما أريد لولا مالى, فلدى المليارات من كل صنف.. جنيه ودينار وريال وليرة ودولار واسترلينى.. وشيكل!
أتصور أننى أطلت عليكم, والآن فلنبدأ الحكاية, وحكايتى يا سادة – ولا سيدكم إلا أنا – تبدأ بعد وفاة والدى, فقد تركنى وإخوانى وعددهم نحو 22 أخا وأختا, لكنه لم يكن عادلا فى توزيع ميراثه علينا, فمنح كبيرنا الصيت، ومنح آخر الثراء, وثالث حب الناس, ورابع القوة, وغيره الأصل, والهيبة كانت لفلان, وهكذا كان الحال مع باقى الصفات والخصال وما يمكن توريثه, لكنه لم يخصنى بشيء رغم أننى قزم دميم الشكل وقليل الحيلة, لدرجة أن أحدا لم يكن ينادينى باسمى وأطلقوا على «البتاع»..
هذا الاسم البغيض الذى يدل على مدى احتقار الجميع بما فيهم اخوتى لى, وكذا ضعفى, وما إلى ذلك من صفات حقيرة, دفعتني لأن اكره كل الناس خاصة أشقائى, فقررت ان انتقم من الجميع لكن كيف؟
لم أضع وقتا كثيرا فى التفكير, فقد جاءنى الحل على طبق من نار, نعم نار, والأمر ببساطة اننى عقدت صفقة مع الشيطان.. لا تتعجبوا فلست أقل من بطلة قصة «دكتور فاوستس»!
وتفاصيل الصفقة ببساطة هى ان احصل على المال والجاه والقوة والسلطان, مقابل شيء واحد وهو.. أن أبيع أرواح اشقائى للشيطان!
بالفعل, وقعنا العقد بدماء نجسة فى سرداب تحت الأرض, وبدأت تنفيذ المخطط الشيطانى لتأديب أشقائى وشقيقاتى, والبداية كانت بأخى الذى استأثر بالقوة وحده, فقد استأجرت عددا من البلطجية, أوسعوه ضربا وكسروا عظامه وأقعدوه كسيحا, فلم يعد له فى الدنيا غيري بعدما انفض الناس من حوله, وصار هو فى حاجة لى ولم يكن لأخى ان يدخل الحمام ليقضى حاجته دون مساعدتى, وللحق لم أكن أعالجه لوجه الله او من باب الشهامة, إنما فقط كى أذله وليشعر بضعفه مقارنة بما امتلكه أنا من قوة.
أما أختى ذات الحسن والدلال, فقد شوهت وجهها بماء النار, فصارت كما القرد مقارنة بى, فطلقها زوجها وانصرف عنها أبناؤها, فبشاعتها كانت اكبر من ان يتحملها غيرى أنا.. أنا البتاع!
بعد ذلك وجهت دفتى نحو شقيقى الذى استأثر بالمال, فدفعت أضعاف ثروته للصوص كى يسرقوه ويحولوه من ثرى مترف إلى فقير معدم .. هزيل يتسول كسرة الخبز بعدما كان على وشك الموت من التخمة..
وشقيقتى التى ورثت عن أبينا التواضع, لم أجد خيرا من أن أنوب أنا عن الشيطان وأوسوس لها بعظمتها ومكانتها العالية, فراحت تعامل الناس باستعلاء وتكبر فكرهوها واقسموا ألا يسامحوها ولو جاءت بماء البحر دموعا وتذللا.
وهكذا فعلت مع الباقين, حتى جاء الدور على شقيقى صاحب التاريخ, لكنه لم يكن مثلهم, فقد كان عنيدا, ولم تفلح معه عشرات الحيل التى مارستها كى انتزع تاريخه وانسبه لنفسى, غير أننى وجدت ضالتى فى زوجته, فهى سيدة «كلاس» سليلة الحسب والنسب, وقد اعتادت الإنفاق ببذخ والتسوق من باريس ولندن, وفى المقابل لم يكن زوجها يمتلك المال الكافى لتلبية رغباتها, وذلك رغم أنها يوما لم تطلب منه ان يجلب لها شيئا ليس فى استطاعته, فقمت أنا بالوسوسة لها, وأشعلت شهوتها فى التملك والتزين بالمجوهرات, واستطعت إغواءها وتحريضها على الهرب، لتنعم بما حرمت منه مع رجل التاريخ هذا!
فلما استجابت وفرت, عرضت على شقيقى صفقة, بان أرد إليه زوجته ومعشوقته وان أعطيه مالا جما مقابل أن يتنازل لى عن تاريخه كله, فقبل صاغرا, وبهذا جردته من أعز ما يملك..
والآن أصبحت أنا البتاع أهم من كل هؤلاء, فهم قد باعوا أرواحهم للشيطان مقابل شهوات زائلة، وقد كانوا أعزاء فى الدنيا, أما أنا فقد بعت روحى لهذا اللعين ولم يكن لى فى الدنيا شيئا اخسره..
-
alghoulصحفي وكاتب ساخر وروائي