رحيل عبر مساحات الإغتراب - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

رحيل عبر مساحات الإغتراب

هيام فؤاد ضمرة

  نشر في 21 نونبر 2020 .

رحيل عبر مساحات الإغتراب

فانتازيا غرائب كورونية

..هيام فؤاد ضمرة..


فجأة تغير العالم الذي نعيش به وانقلبت أوضاعة رأساً على عقب، فانقلب عالمنا من الواقع الرهيب المضني بافتعال الحروب الوحشية اللا إنسانية، وتشويه وجه البشرية بأيد شيطانية لا تعرف قلوبها ولا ضمائرها الرحمة ولا العدالة الإنسانية، فيشعلون النيران بالإنسان ويجلسون في الصفوف الأولى بكل فخر للتفرج على ما ارتكبته أيديهم من فظاعة، أمة الاستعمار أمة المكائد الخبيثة والعنصرية المقيتة والإرهاب بكل مظاهره اللا إنساني، أمة العنف والتسلط وتخريب الحياة الإنسانية داخل الدول المستهدفة، أمة اللا ضمير إنساني، ترسم لوحة شيطنته دولة شر ولدت من رحم اللا شرعية من بذرة أب عابث مجهول يتسول وطناً على كل قارعة ..

تحول العالم إلى عالم مريض كلالة، تهاجمه الأوبئة وتنكث بأعماقه بحيث لا يمكنه أن يمارس الحياة كما يجب وكما كانت عليه من سلاسة وهدوء، فتتوقف به عجلة الإنتاج ويتهدده الجوع والفقر والفاقة والمرض والانهيار الاقتصادي الخطر، 

تغير الكون بعدما خسر عالمنا قيمه وتقاليده الأصيلة ومظاهر هويته، وراح يمنح البشرية وجها عابسا كليلاً لا حيوية فيه، وبلا مقدمات وجدنا أنفسنا ذات صباح نفتح أعيننا بأعقاب مبيت ليلي غير هانئ على عالم فقد كل شيء من ملامحه التقليدية وألوانه المعهودة وحركته الدؤوبة، وأصبح مجرد كيان بنصف حياة، يتهددنا فيروس كورونا المصنع بأعراضه الخطرة، وقد يخرجنا من هذا العالم البائس مجللين بالأكفان البيضاء بلا حياة.

فجأة تصبح الشمس مجرد ضياء بلا شعاعات تحترق بأعيننا، والقمر يخبو كأنما أصابته عين حاسد لا ترحم سقيما ولا عليلا، والهواء بات عزيزاً كأنما أغلق على رئة إنسان هذه الأرض منافذ الأوكسجين، فصار الأوكسجين هو الآخر عزيزا سرعان ما تختنق الأنفاس والأوكسجين يحيط بصاحبها من كل جانب، كل شيء صار بلا شيء، وكل ما هو جميل فقد رونقه وانطفأت حركته، وتجمدت أوصاله فاعتراه صدأ الاغتراب،

فالعالم بات يعج بالفيروس الجديد المستجد والمتحول فينشب أظفاره بأجساد البؤساء ويغرز أنيابه بلا هوادة ممتصاً الحياة، والفيروس يمارس وحشيته على العباد دونما مقدمات، فقد عصفت الجانحة وتفشت كالهشيم ووجد نفسه العالم ينتقل من عوالم مكائد دول الاستعمار القميئة إلى تناقل فانتازيا الأرقام وتعظم حجم الاصابات ونتائجه الخطيرة على المجتمعات والأفراد والاقتصاد وسير الحياة عموما، من حيث السلوكيات الإنسانية ومتعلقاته حتى البسيطة منها على النطاق العام والخاص.

انتقل العالم إلى التبدل النوعي في ميزان العولمة الفجة، التي تلهب ظهور العالم بسوط ضرباتها لتحول اقتصاده كما أكوام الحديد القابل للصدأ، وتحول حياته إلى سباق لمن يتمكن بالعيش على أشلاء سواه، فتغييب القيم سيحول إنسان هذا الزمن إلى حيوان بلا مشاعر ولا انتماءات، إنسان نفعي همه الأكبر نفسه ومكتسباته.

فجائحة كورونا ليست حدثا عابرا تقليديا يمر مر الكرام على إنسان هذا الكون، فالثقافة الكورونية حالة انقلابية في نهج العيش ونهج الحياة ونهج التفكير والممارسات، وعليها فلها انعكاسات قوية مؤثرة على إنسان اليوم وعلى فكره وثقافته، ليس على الحالة الآنية، بل على الحالة الممتدة التي لا يعرف أين منا متى تكون لها النهاية وبأي شكل ستكون.

فالتسجيلات المكتوبة أدباً وشعراً باتت تحكي عن واقع حياة المبدعين تحت ضغوط الواقع الجديد، الذي بات أيضاً هاجساً للخوف على الحياة، مسيطراً على عقل وإحساس الكاتب مثله مثل الآخرين، إنما بصورة أكبر تأثراً وبالتالي قلمه الذي تعود أن يسيل مع مشاعره يجعله الأكثر تأثيراً،

فالمتغيرات طالت كل شيء بالنسبة للكاتب والأديب بالنسبة له شخصياً وبالنسبة لوضعه الاقتصادي ومحيطه الاجتماعي الزماني والمكاني، فمسيل الأقلام معنية بمؤثرات البيئة والمحيط، فالإنسان يصبح أكثر تأثراً وتأثيراً خلال وجوده تحت الضغوط النفسية التي تثير به مكنونه فترفع قيمة الثيرمومتر الأدبي فيه، فيضج اليراع بين أنامله ويتحول إلى ضوء مسلط على الأحداث وغرابة المرئيات التي تصادفه.

الكتّاب والأدباء والشعراء والفنان الأكثر تفاعلاً من غيرهم مع الأحداث التي تجري في محيطهم وسط عالمهم القريب أو من خلال الكون من عالمهم البعيد، فالحالة الانفعالية النفسية وما يدور بالخلد من أفكار ومن انطباعات، تجعل العاطفة تجيش وتعيش واقع اللحظة التي يجابهها المبدع، مسجلا انطباعاته معها بشكل دقيق وبأسلوب أدبي فني، مما يفتح آفاقاً بعيدة المدى بطريقة التعبير مع اشراك المتخيل في ترسيم حدود أدبياته، فيتحول إلى مزيج انفعالي ينمي به خبراته وبُعد الرؤى في متخيلاته مما ينعكس على أدبياته الجديدة المستجدة في عالم مستجد هو الآخر يفرض واقعاً متغيراً لفيروس مستجد هو الآخر.

فالأوبئة والأزمات والكروب المحلية أو العالمية تعد منابع خصبة تزود الأدب بمعتركات جديدة غير تقليدية، ومن الطبيعي أن الأدب سيعايش متغيرات المرحلة من خلال ما يسجله يراع الأدباء والكتاب حين تختمر الأفكار وتتدفق المرئيات وفق انفعالاتها الخاصة، فهذه المرئيات أو المسموعات تجعل منه متخيلاً متقنا للتصورات المناسبة للعمل الأدبي الناضج.

جانحة كورونا هنا حالة عالمية شمولية تعدت الخاصة، وشملت كامل الكرة الأرضية محدثة هزة اجتماعية كونية عابرة للقارات أحدث تغييراً في في العادات والممارسات والأعمال والأفكار والمبادئ، مما يجعلها تعد منبع خصب للأقلام المبدعة، فالأدب حالة انطباعية متأثرة بأحداث الواقع، وحين يتمدد هذا الواقع ليشمل كامل الكرة الأرضية فهو بلا شك ستكون مؤثراته على كل بيئة اجتماعية مختلفة عن الأخرى بقدر اختلاف العادات والأفكار والانتماءات.

وما زال الأدباء والشعراء يتوقفون على محطات التأمل، ينكثون بالأحداث الجسام التي ستحرك أقلامهم بأعمال ابداعية مشرقة بمستواها الكوني ومتأثرة بعجائبية الحالة، لتسجل زمناً كورونياً متمثلا بالواقع المؤلم الذي يعايشه العالم، ومرتبطا بالتراث الاجتماعي المتداول وما طرأ عليه من مستجدات غيرت منه أو قللت من أهميته أو ربما زادت واتسعت، ووقوفهم الآني لا يعني غياب أعمالهم، فالحالة الجديدة وما تركته من تغيير على العادات والمفاهيم وعلى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، أحدثت بالتالي تغييرا بالمفاهيم العامة والعادات، فلكل مرحلة زمنية ظروفها المؤثرة على الحياة بكل فواصلها، وعلى هذا فحتما ولا بد أن الحالة ستجعل من كورونا عالماً قائماً بذاته سيدخل معترك الأدب من أوسع أبوابه.

فالأحداث حين تبلغ من تأثيراتها حدود الإنفعال، وتكون حالة أكثر فانتازيا تراجيدية، فإنها حتما سترسخ حالة استفزاز للعقل المبدع، وحالة انصهار فكري ذاتي مع غرائبية بعض الأحداث، مما يجعلها مادة شهية محفزة للتسجيل تخترق عمق الرؤيا إلى حدود إحداث الإبداع الجامع، فالقادم ينذر بتوقف قرص الشمس لحين من الوقت في كبد سماء الثقافى لتشع أسباب الحياة في مجالاته المتعددة، فانتظروا القادم فإنه يسعى بالطريق، ويوشك أن يلج النفق إلى سماء الثقافية المنفتحة على العالم.

  0


  • 3

  • hiyam damra
    عضو هيئة إدارية في عدد من المنظمات المحلية والدولية
   نشر في 21 نونبر 2020 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا