بدأ النقاش يحتدّ عندما أوشك مراد أن يدخل الإعدادي؛ ولعل تباين رأيَيْ والديه نشب قبل ذلك، لكنه ربما ظلّ طيَّ الكواليس.
دأب والد مراد على اصطحابه كل عطلة إلى ورشة النجارة. يذهبان معا في الصباح ويعودان للغداء، ثم يترك له المساء ليلعب مع أقرانه. كان يسند له مهام المبتدئين، وينفَحُه أجرته آخر الأسبوع كباقي العمال، كلٌّ حسب رتبته.
إلا أن هذا الصيف ارتأت والدة مراد أن كفى من السير على ذلك المنوال. كانوا قد فرغوا للتو من الإفطار، وما زالوا جالسين إلى الطاولة.
قالت الأم: "ينبغي للولد أن ينعم بعطلته".
رد الأب: "لكننا لا نحرمه من اللعب".
"أريد ألا يقضي أوقاته في الورشة."
"تعلمين أني لا أكلفه ما لا يطيق؛ ثم إن ما يقوم به يشبه اللعب، بينما يتعلم..."
"لقد اصطحبتَه معك بما يكفي؛ أريد ألا يشغله شيء عن الدراسة."
"الدراسة لن تدوم إلى الأبد، هي سنوات وبعدها يتفرغ للعمل في الورشة، وإلى ذلك الحين ينبغي أن يتمرّن ويشتد عوده."
"بل سيكمل دراسته إلى نهايتها، والمهن غير النجارة كثير..."
راقب مراد نقاش والديه بينما يقرران مساره، وكيف أن كليهما متشبث برأيه. وعندما زارهم ذات يوم خاله، أشركه والدا مراد في نقاشهما، آملا كل منهما أن ينتصر لرأيه. أنصت الخال مليا، ثم قال ما أدهش الوالدين، لأنه على بداهته لم يخطر على بالهما:
"وما رأيك أنت، يا مراد؟"
-
محمد أنديشأسجل بصوتي كتبا مسموعة.