أمريكا وصناعة الموت – ما هو الهدف "المشبوه" من تدريب "المعارضة السورية المعتدلة "؟؟ - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

أمريكا وصناعة الموت – ما هو الهدف "المشبوه" من تدريب "المعارضة السورية المعتدلة "؟؟

أمريكا وصناعة الموت

  نشر في 25 مارس 2015 .

الولايات المتحدة الأمريكية والحرب على سوريا
أمريكا وصناعة الموت 

من السهولة لكل من يتابع سياسات الولايات المتحدة الأمريكية في العالم وخاصة في المنطقة العربية والدول المجاورة لها، أن يتوصل الى نتيجة واحدة وهي أن الولايات المتحدة لم تكن في أي مرحلة من المراحل – وخاصة خلال القرن الأخير – تسعى إلا الى مصالحها الخاصة ومصالح حليفتها وربيبتها "اسرائيل" ومصالح دول الاستعمار والدول الاقليمية "المشبوهة" على حساب دماء شعوب المنطقة ونهب خيراتها وتدمير دولها وتشريد شعوبها ..

وبكل أسف - فقد نجحت الولايات المتحدة ولاتزال بتجنيد أنظمة وتنظيمات ظلامية ،سواء "من المنطقة العربية أو الدول الإقليمية التي تكن عداء كامنا للعرب ولكل من يعيش ويتعايش معهم من مختلف القوميات والأديان" أو تحت ستار ديني وشعارات ظاهرها مضلل "وهي في الواقع لا تمت للدين ولتلك الشعارات الطنانة بأي صلة "، وذلك بهدف تنفيذ مخططاتها ومشاريعها القاتلة وبنفس الوقت لتحقيق مطامع حلفاءها الخاصة عبر هذه التحالفات المشبوهة ..؟

والأمثلة على ما ذكرناه كثيرة – لامجال لحصرها – ولكن يمكن ذكر عناوين لها : - القضية الفلسطينية وزرع الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي منذ حوالي 80 عام ودعمه المستمر - العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 بعد تأميم قناة السويس – دعم الكيان الصهيوني المفتوح في شن حروبه المستمرة على دول المنطقة منذ عام 1948 ثم "عدوان حزيران 1967 – وحرب تشرين – وحروب لبنان – " اضافة الى حروب العدو الصهيوني المستمرة على الشعب الفلسطيني ---- غزو افغانستان بذريعة "الحرب على الارهاب" --- وغزو العراق بذريعة اسلحة الدمار الشامل ونشر "الديمقراطية والحرية"--- وليس اخرها ما يسمى بثورات الربيع العربي ...

ومن نتائج هذا التدخل الأمريكي "المشبوه" في قضايا المنطقة نذكر على سبيل المثال – لا الحصر - :

• تدمير الدول والجيوش الوطنية وتحويلها الى كيانات متناحرة (العراق – سوريا – لبنان – ليبيا – السودان – وحاليا اليمن و.). وحمى الله مصر وجيشها– من هذه الجائحة التي اصابت شعوب ودول منطقتنا العربية..

• تقسيم دول المنطقة ونشر الفتن والصراعات المذهبية والطائفية وتحويلها الى دول فاشلة وبؤر للفوضى و الإرهاب .. "السودان - ليبيا وحاليا اليمن وسابقا لبنان و"الحبل على الجرار"....

• رعاية وتربية الجماعات الراديكالية المتطرفة والتنظيمات الارهابية ودعمها وتوظيفها لخدمة مشاريعها : "القاعدة" و"بوكو حرام " و" وليس آخرها "داعش " تحت ذرائع وستار الدين "والدين منها بريء"

وسنتوقف عند نموذج واحد لصناعة الموت الأمريكي وهو الهدف الخبيث الجديد للولايات المتحدة وعنوانه ((دعم وتسليح المعارضة السورية المعتدلة )) وذلك بعد مرور 4 سنوات على الصراع، ليس له سوى هدف واحد هو اطالة فترة الصراع والاستمرار بالقتل والتدمير والاستنزاف لسوريا وشعبها ونشر الفوضى والارهاب لسنوات طويلة ...

ان تحركات الولايات المتحدة لتدرب مقاتلين من المعارضة السورية جاءت بعد قرار إدارة الرئيس أوباما في حزيران 2014 بطلب مبلغ 500 مليون دولار من الكونغرس لتدريب وتجهيز عناصر خاضعة للتدقيق الأمني من المعارضة السورية المسلحة وبعد سيطرة تنظيم "داعش" على أراضٍ شاسعة من سوريا والعراق.

طموح الولايات المتحدة لتدريب مقاتلين من المعارضة السورية بدأت عمليا بعد الانتهاء من عناصر البرنامج وعقب بدأ هجمات طائرات التحالف الدولي ضد مواقع "داعش" عندما أعلن "جون كيربي" المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية عن أن المرحلة الأولى من عملية تدريب مقاتلي المعارضة السورية المعتدلة ستركز على أساسيات القتال فقط، لأن مهمة إرشاد طائرات التحالف من الأرض صعبة وتتطلب مهارات عالية لأنها تتضمن التواصل مع الطائرات لتحديد أماكن الأهداف.

ولكنه لم يستبعد ذلك قائلا " لا يمكنني أن استبعد احتمال أن نرى في وقت ما أنه من المفيد أن تكون لدى (هؤلاء المقاتلين) القدرة على المساعدة في تعيين الأهداف من الأرض ويهمني أن لا يكون قد تولد لديكم انطباع بأننا سندرب مراقبين جويين سوريين محترفين لأن الأمر ليس كذلك".

هذا التعاون والتنسيق تم بالفعل من خلال الجو على نطاق محدود مع قوات الحماية الكردية والبشمركة أثناء حصار تنظيم "داعش" الارهابي المتوحش لمدينة عين العرب "كوباني " السورية الحدودية مع تركيا حيث تلقت المقاتلات الأميركية إرشادات من الأرض من المقاتلين الأكراد الذين كانوا يبلغونها بمواقعهم ومواقع أعدائهم من جهاديي ما يسمى "تنظيم داعش" وأن المقاتلين الاكراد ادوا في تلك المعركة دور مراقبين جويين محترفين.

مؤخراً وقعت أمريكا في 19 شباط 2015 اتفاقًا مع تركيا لتدريب عناصر المعارضة السورية " المعتدلة "في قاعدة تركية وتزويدها بمعدات عسكرية، والولايات المتحدة التي ستدرب المقاتلين السوريين ،إلا أن الولايات المتحدة قامت بإرسال حوالي 100 مدرب أمريكي للقيام بهذه المهمة، على أن يتم زيادتهم إلى 1000 في وقت لاحق.

وقدرت وزارة الدفاع الأمريكية أن بوسعها تدريب 5400 مجند في العام الأول، وأن هناك ضرورة لما يصل إلى 15 ألفا لاستعادة المناطق التي يسيطر عليها تنظيم " داعش " في شرق سوريا وسيكون الهدف تجنيد وحدات موجودة مسبقا تضم من 100 إلى 200 مقاتل من مجموعة سورية. وقد يجند الجيش الأمريكي أشخاصا من منطقة جغرافية معينة ومقاتلين من خارج سوريا ومن بينهم لاجئون.

هذا النموذج المشبوه هو أحد نماذج "صناعة الموت" الأمريكية ، حيث تسعى الولايات المتحدة من خلاله بخلق "داعش" جديدة في سوريا تحت ذريعة إسقاط النظام السوري ،على الرغم من أن الاستراتيجية الاميركية ضد تنظيم الدولة الاسلامية في العراق وبلاد الشام "داعش " تقوم على هزيمة هذا التنظيم في العراق أولا، ولكن الوضع في سوريا يتطلب سنوات عدة قبل أن يتمكن مقاتلو المعارضة "المعتدلة" من إحراز تقدم ضدها..

والسؤال المطروح هنا : لماذا اذاً تُدًرب الولايات المتحدة قوات معارضة "للنظام السوري" وهي لا تعتبر سقوطه أولية بالنسبة لها حسب خطتها ؟؟ وما هو الضامن أن تكون هذه المعارضة معتدلة ؟؟؟..

الجواب نجده عند الجنرال الأمريكي، جون آلن، منسق التحالف الدولي ضد تنظيم"داعش" الذي حسم الامر وأكد على إن الولايات المتحدة ستدًرب "وتحمي" مقاتلي المعارضة السورية "المعتدلة" الذين ستدربهم وتسلحهم، وذلك حتى يصبحون في ميدان القتال من خلال مشروع واضح لتدريبهم وتجهيزهم بأحدث الأسلحة، و"حمايتهم" عندما يحين الوقت... ولا تفكروا بأننا لن ندعم هؤلاء المقاتلين".

السياسة الامريكية ليس في سورية فقط، وانما في منطقة الشرق الاوسط بأسرها تخرج من مأزق لتقع في آخر، وتتسم بالارتباك وغياب الرؤية الواضحة، ففي الوقت الذي تعلن فيه الادارة الامريكية البدء في تدريب وحدات خاصة من المعارضة السورية “المعتدلة” في كل من تركيا وسورية، تعلن حركة “حزم” اكبر الفصائل المعارضة “المعتدلة” في منطقة حلب الاعتراف بهزيمتها بعد قتال شرس مع جبهة النصرة، وحل نفسها واندماج جنودها (5000 مقاتل) في الجبهة الشمالية.

اهمية هذا الاعتراف بالهزيمة يكمن في كون حركة “حزم” هي التنظيم المعارض الاكثر قربا من الولايات المتحدة، واكثر تسليحا من جانبها ، وهي الحركة الوحيدة تقريبا التي حصلت على أسلحة امريكية متقدمة مثل صواريخ “تاو” المضادة للدبابات.

فحركة “حزم” تمثل أول حركة جرى تشكيلها ودعمها من قبل الولايات المتحدة لمحاربة الجماعات الاسلامية المتشددة مثل “النصرة” و ”داعش” ولذلك فان هزيمتها بهذه الطريقة المهينة تشكل صدمة للإدارة الامريكية وحلفائها، وتشكيك بباقي الفصائل الاخرى التي تعول عليها هذه الادارة كثيرا في مهمتها المشبوهة : "القضاء على الجماعات الاسلامية المتشددة اولا ثم اطاحة النظام السوري ثانيا".

هذا التطور غير المفاجئ في جبهات القتال على الارض السورية يشكل ضربة قاتلة للمعارضة السورية “المعتدلة” ولحاضنتها الشعبية، مثلما يشكل ضربة اكبر لوكالة المخابرات المركزية الامريكية وعملائها الذين اشرفوا على اختيار وتدريب وتسليح وتمويل حركة “حزم” الأمر الذي يعني ان العناصر الجديدة التي ستدربها تركيا والسعودية والأردن وربما قطر، لن تكون أفضل حالا، فهذه الحركة “حزم” تأسست قبل عام بهدف عدم تكرار وقوع الاسلحة الامريكية في أيدي الجماعات المتشددة على غرار ما حصل مع حركة “ثوار الشام” والجيش السوري الحر عندما سقطت مخازن اسلحة تابعة لهما في منطقة اعزاز خصوصا قبل عام في ايدي هذه الجماعات ودفعت بالقيادة العسكرية الامريكية الى اتخاذ قرار بتجميد ارسال اسلحة الى هذه الفصائل .

تطورات الازمة السورية مع دخولها العام الخامس يؤكد ان كل شيء متغير باستثناء الموت والدمار والفوضى واستمرار الصراع فالجيش العربي السوري فقد الكثير من قوته ونفوذه ويستعين بقوات حليفة من خارج سوريا والمعارضة السورية تزداد تشرذما، وتفقد الكثير من زخمها في ميادين القتال والسياسة معا، ولم يعد الكثيرون ممن انخرطوا في "الثورة السورية" او أيدوها قادرين على التعرف على هذه الثورة وهويتها، بالإضافة الى ظهور تنظيمات متطرفة من كل شتات الأرض وبروز طبقة من تجار الحروب لدى أطراف النزاع استفادت من استمرار الصراع وأثرت على حساب دماء الشعب السوري، وتشرد ما يقرب من 80 بالمئة من ابنائه داخل وخارج سوريا.

الثقة بالمعارضة المسلحة من قبل حلفائها في امريكا ودول الخليج اهتزت، وربما هذا ما يفسر تصريحات الجنرال "مارتن ديمبسي" رئيس اركان الجيوش الامريكية بتاريخ 04 /03/2015 انه قد يلجأ في النهاية الى ارسال وحدات من القوات الامريكية الخاصة الى سورية لمؤازرة مقاتلي المعارضة السورية “المعتدلة” الذين تدربهم واشنطن.

مؤخرا وفي تصريح لافت من العراق اعتبر الجنرال مارتن ديمبسي ، أنه “من الخطأ تكثيف الضربات الجوية للائتلاف الدولي على مواقع ومقرات مسلحّي "داعش" ، داعيا في المقابل إلى اعتماد “الصبر الاستراتيجي” في مُواجهة هذا التنظيم" .الجنرال ديمبسي استمات في دفاعه أيضا عن وتيرة العملية العسكرية واستراتيجيتها، معلّلا بطء نسقها وشحّ منجزها في مقابل المكاسب وتمدّد النفوذ "الداعشي“ ، بمستوى جاهزية الجيش العراقي التي انتقدها، وبمدى رغبة الحكومة العراقية في تحقيق المصالحة مع السكان العرب "السنّة" الذين يشعرون بالتهميش ويتوجّسون خيفة من القوات العراقية التي يهيمن عليها "الشيعة”.

أما عن مصطلحه الجديد وهو “الصبر الاستراتيجي”، الذي نصح به الجنرال الأمريكي ، كحلٍ سحري، للتصدّي لتنظيم داعش ودحره، فالجنرال يتذرّع “بالحيّز الزمنيّ الضروري لتجميع كافة المعلومات اللاّزمة بشأن الأهداف المحتملة حتى تكون الغارات أكثر دقـّة ونجاعة”! الجنرال ديمبسي الذي شدّد على عدم ضرورة زيادة عدد العسكريين الأمريكيين في العراق، اعتبر أيضا أنّ توسيع الحملة العسكرية على تنظيم "داعش" سيكون خطأ في المرحلة الراهنة وسيسفر عن مزيد من الضحايا المدنيين، ممّا سيدعم الدعاية التي يقوم بها التنظيم ضد التحالف”!!

ومن جانب آخر فالمثير للشكوك أيضاً هو "التفويض" الذي يستجديه أوباما من الكونغرس لمنحه “رسميا صلاحية شنّ حرب على تنظيم "داعش”، في حين أنّه يخوض هذه الحرب في العراق وسوريا منذ 9 أشهر؟ طلب أوباما يردّ عليه النواب الديمقراطيون، على لسان السناتور روبرت منينديز، أرفع عضو بلجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، بأنّهم “غير مُستعدّين لمنح هذا الرئيس أو أيّ رئيس آخر تفويضا مفتوحا للحرب أو شيكا على بياض”.

هذا هو نموذج آخر للازدواجية الأمريكية الخبيثة ، فخطاب "الجنرال ديمبسي" يكمن في أجندة ومقاربات وأهداف الجنرال وما يسمّى بالتحالف الدولي، وحربها المستدامة ضد من يدرّبونهم “معارضة سورية معتدلة” في تركيا والسعودية والأردن ، شركاء التحالف!، ليقصفوهم بالصواريخ حينا، وبالمؤن والعتاد في الرقة والموصل، أحيانا أخرى!! أو ربمّا أمكن للمتابع ، معرفة التناقض الصارخ بين ما يصرّح به من يصمّ آذان هذه “المعارضة” السورية “معتدلين” و” متطرّفين” و” بين بين” حتى يقرّر الجنرال وإدارة أوباما تصنيفهم ، فيصرح أن لا مكان للنظام في مستقبل سوريا، وتأتي مواقف مغايرة يختزلها تصريح لمدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، CIA، جون برينان، مفاده: “لا أحد، لا روسيا ولا الولايات المتحدة ولا التحالف الدولي ولا دول المنطقة، يريد انهيار الحكومة والمؤسّسات السياسية في دمشق” ."هذا هو نموذج فاضح وسافر للازدواجية الأمريكية بهدف "صناعة الموت"..

وقد أصبح من البديهي لكل عاقل أن يفهم أن هذا "التناقض والارتباك والتخبّط " ظاهرياُ ، ليس سوى تنفيذ ممنهج لاستراتيجية أمريكية عنوانها "صناعة الموت وهزيمة الجميع" وكان عرّابها الأول هنري كيسنجر ،وهذه الاستراتيجية تقضي بهزيمة الطرفين، حيث كان قد أوصى بها "خيارا أمريكيا أيام الحرب الإيرانيّة العراقيّة"، وتمرين تطبيقيّ لما يسمّيه المؤلّف العسكري الاستراتيجي، إدوارد لتفاك، “النّفور من الطرفين” أو “المأزق المستدام، وعليه فالمبتغى لن يكون إلاّ (إطالة زمن الحرب وليس حسمها)، ما دام المراد هو أن “لا يهدف إلى تغيير ديناميكيّة الحرب الأهليّة الكبرى”، كما نصح بوب كوركر، السيناتور الجمهوري المعروف!

سياسة واشنطن الملتوية منذ البداية هي التي دفعت الى مزيد من الاستقطاب "الطائفي "والديني والتطرف والارهاب وزعزعة الاستقرار في العديد من الدول ومنها سوريا ، وأدت إلى نشوء ونجاح تنظيم "داعش" الارهابي في السيطرة على المزيد من الأراضي، في الوقت الذى تصر فيه على برنامج التدريب للمعارضة دون التأكد بعد من تسلل عناصر متطرفة اليه، ليبق السؤال هل ستخلق الولايات المتحدة بهذا البرنامج "داعش " جديدة؟

هكذا تجّلت الاستراتيجية الامريكية الماكرة ودورها في تعقيد الأزمة السورية ، وتشويه صورة السوريين "موالاة ومعارضة" عبر عملائها وحلفائها ، وخاصة في غياب المشروع السياسي للمنغمسين في الأزمة السورية ، وانعدام أي خطة طريق واضحة أو وجود قيادة ناضجة وحكيمة ومستقلة ، حيث اختلطت المفاهيم والمعاني والقيم بالتطرف والإرهاب والأصولية المتشددة ، الأمر الذي أدى إلى ظهور نمطية جديدة من الطغيان والاستبداد في الساحة السورية مغلفّة بمفهوم التشدد في الدين الاسلامي الحنيف تحت رغبة وإرادة أمريكية ، وهو الامر الذي دفع السياسة الامريكية إلى إطالة عمر الصراع و ابقاء الازمة السورية في حالة "الفوضى الخلاقة "،وساحة استنزاف الاطراف السورية المتصارعة من ناحية ، والشعب السوري الضحية الأكبر من ناحية ثانية، وبعض القوى الاقليمية والدولية من ناحية ثالثة، حتى يتّم استكمال المخطط والاتفاق على تحديد ورسم دور سوريا الجيوسياسي للمرحلة القادمة من جهة ، وتحديد صيغة الاطار الجديد لتمدد بعض القوى والدول "المشبوهة" حسب نفوذها في المنطقة العربية من جهة ثانية.

وأخيرا يمكن تلخيص مخاطر نموذج "صناعة الموت وهزيمة الطرفين " والمصطلح الجديد "الصبر الاستراتيجي" الخبيث الذي تسعى لتنفيذه أمريكا وعملاءها وذيولها ضمن ما يسمى "تدريب المعارضة المعتدلة" بالنقاط التالية:

 أميركا تريد تحقيق حالة من التوازن في الصراع العسكري المدمر تمهيدا لتفتيت المنطقة الى كيانات هزيلة.

 أميركا تريد إطالة أمد الحرب المدمرة في عموم المنطقة لأن شركاتها تحقق أرباحاً خيالية جراء هذه الحرب تقدر بنحو 65 مليون دولار يومياً، بحسب الصحافي في صحيفة "ذي اندبندنت" البريطانية، روبرت فيسك.

وكلما طال امد الحرب كلما زادت الأرباح وعم الدمار في المنطقة بما يسمح لنفس الشركات إعادة إعمارها على الطريقة العراقية "60 مليار دولار تمت سرقتها من صندوق الإعمار في عهد الإدارة الأميركية للبلاد" ناهيك عن قروض البنك الدولي وصندوق النقد الدولي التي تجر أرباحاً وفوائد مخيفة.

 خلق "داعش" جديدة متحالفة مع أميركا بصورة مباشرة أو غير مباشرة» إذا استُخدمت الأسلحة المقدمة من الولايات المتحدة لارتكاب جرائم حرب كونها ستنتقل بالنهاية حتماً إلى أيدي المتشددين العنيفين.

 الارتداد المعاكس ، فقد يؤدى برنامج التدريب والتجهيز بقصد أو بدون قصد إلى تمكين المتطرفين والتصعيد من قبل كافة المتصارعين على الأرض السورية .

 إمكانية توسيع التدخلات الاقليمية والدولية في سوريا، بدافع الرد على التدريب الأمريكي للمعارضة - المحدود أصلاً - من خلال طلب دعم أكبر للسلطة السورية والاستمرار بتزويدها بمختلف أصناف الأسلحة الثقيلة ...

أن الولايات المتحدة تعطي الحقن المسكنة للشعب السوري منذ بداية الأزمة واندلاع الأحداث وهي لا تتورع أن تفعل عكس ما تعد به، فما يهمها هو استمرار القتال في سوريا إلى أن تصبح سوريا بلدا ممزقا تماما ويكون جاهزاً لإحدى الحالتين:الحالة الأولى وهي تقسيمه لدويلات جديدة وحدود جديدة وإما أن يصبح لديهم القدرة على فرض من يرونه مناسبا ليكون رجلهم في المنطقة ليضمنوا أولا ضعف سوريا وبالتالي ضمان قوة إسرائيل كقوة وحيدة في المنطقة.

دفعت سوريا الوطن والشعب تكلفة باهظة الثمن تكاد تكون الأعلى والأغلى كلفةً في تاريخ الصراعات، بعد مرور أربع سنوات عجاف ، ودخول عامها الخامس ، وتجلى هذا الثمن الباهظ في التضحيات الكارثية من دماء ومعاناة الشعب السوري تشريدا ونزوحا ولجوءً ، بسبب اصرار الأطراف المتصارعة على استخدام العنف ولغة السلاج واعتماد المعارضة السورية على الوعود الامريكية في التخلص من النظام ..وللأسف مازالت بعض الانظمة العربية وبعض رموز المعارضة السورية تراهن على الحلول الامريكية "الفتاكة" في ايجاد مخرج "للثورة السورية".

وثمة من لا يزالون يراهنون على الولايات المتحدة في حربها المستدامة التي تخوضها على أراضيهم وبتمويلهم وبأبنائهم يُساقون إلى المسلخ الطائفي والمذهبي والعرقي المتوحش دون أن تهتزّ لهم شعرة!!

على ما يبدو أن الأزمة السورية ستطول ، والمفاجآت فيها واردة، وخريطة التحالفات مفتوحة على كل الاحتمالات، فمن كان يصدق ان "النظام السوري" سيستمر اربع سنوات، وان أمريكا ستتحاور معه، وستوقع صفقة نووية مع إيران بعد ان كانت تستعد لحرب ضدها؟ بل وأكثر من ذلك "شطب ايران وحزب الله من لائحة الإرهاب "

لقد تعرض الشعب السوري للخديعة الاكبر في تاريخه، وتآمرت عليه جميع الاطراف، ودفع ثمناً باهظاً من دمه واستقراره ووحدة بلاده الجغرافية والوطنية، لأن الطرف الأول من المتصارعين راهن على الحسم العسكري الذي لم يؤدي إ لا الى الدمار والموت والاستعانة بالآخرين، والطرف الثاني راهن على أمريكا ووعودها وحلفائها، فلم يراهن أحد على امريكا وأنتصر، وحتى لو انتصر فانه انتصار مؤقت وباهظ الثمن وسرعان ما ينقلب الى كوارث لاحقا.

ما هو الحل :

المنطق يفرض أن أطراف المشكلة الأصليّة بغضّ النظر عن رواة تلك المشكلة، ينبغي وبحكم الضرورة أن يكونوا أطرافاً في الحل، ولطالما دعونا منذ بداية الأزمة إلى ضرورة الترفع عن المكابرة والأنانية ونبذ العنف ولغة السلاح والجلوس الى طاولة الحوار.. فالأحقاد لا تبني وطناً حراً يسير إلى الأمام، والكراهيّة بغضّ النّظر عن مبرراتها، لا تعني قطعاً امكانية بناء وطن حر مستقل وموحد ؟ التعقل والاعتدال والتسامح والتنازل والتواضع والاعتراف بالآخر ومعرفة الحقوق والواجبات لدى الجميع والتحلي بالقيم والضميرهي السبيل لإنفاذ الوطن وأهله المساكين المظلومين..

لا يوجد منتصر في هذه الحرب المدمرة سوى العدو الحقيقي لسوريا وهو الكيان الصهيوني ورأس الشيطان - في كل ما يجري على أرض العرب – من حروب وكوارث وويلات وهو الولايات المتحدة وحلفاءها من دول الاستعمار القديم والحديث وعملاءهما وذيولهما وأصحاب المشاريع للتمدد والتوسع على حساب المنطقة العربية وشعوبها وثرواتها ..

يتواجد الآن أكثر من 90 جنسيّة تقاتل على الأرض السوريّة وأكثر من 1000 فصيل مسلح بأسماء مختلفة وبأجندات مرعبة ، وثمّة سياسة أميركيّة تمارس عربدتها وعهرها السياسي ، تبيع الوهم للمعارضة والنّظام على حدّ سواء، وحرب سوريّة تجري لا علاقة لها بمفهوم الثورة على الإطلاق، وضحايا يسقطون نتيجة حسابات تخصّ المتقاتلين ومن يدعمهم فقط ، ولكن من يدفع فواتيرهما هم المدنيون والفقراء والبسطاء وطرف ثالث لو أتيح له أن يكون فاعلاً لطرد الاثنين معاً ومعهم كل الإرهابيين والمرتزقة، وسيكون لديه خيارا سيكون حتما أفضل من الطرفين.

إذا أردنا أن نضمن نجاح أي حوار فإن أول ما ينبغي العمل عليه أن يكون لدينا فرصة لتقديم الاعتدال على التطرف ، والوسطية على الغلو .. وها هي فسحة أمل وبقعة ضوء تلوح من بعيد بمبادرة من جمهورية روسيا الاتحادية ..

في الطريق إلى "منتدى موسكو" الذين قد يكون الأمل الأخير لسوريا الوطن والشعب والدولة نحن بحاجة لتقديم الوسطيين وإبعاد المتطرفين بأفكارهم عن مسار الحوار لأننا بغير رأي الوسطيين فإن الحوار لن يتأتى له النجاح...

لقد صمت المعتدلون أو إن صح التعبير ( أُجبروا بالقوة على الصمت ورغم أنفهم ) ولم يتح لهم التعبير عن رأيهم بالأزمة وحلها، ذلك أن أصوات السلاح طغت على أي كلام عاقل .. وفي "منتدى موسكو" القادم ليس ثمة فرص للنجاح بغير الأصوات العاقلة ، وهذه فرصة لمن غلبهم الغرور أو أخذتهم العزة بالإثم أن يعودوا إلى لغة الاعتدال والمنطق وأن يكون الحديث عاقلا ومنصفا وعادلا ..

أيضاً وهي نقطة مهمة ينبغي العمل عليها والاهتمام بها وهي : ألا يذهب المتحاورون لموسكو أو أي مكان آخر ومن أهدافهم الربح والخسارة أو النصر والهزيمة ... فهم لن يذهبوا للتفاوض على صفقة تجارية بل هم يذهبون أولا لإنقاذ الوطن مما هو فيه وبالتالي الربح يعني الوصول لهذه الغاية ... وعندها سيكون الجميع رابحا ... بينما الفشل يعني أن الكل خاسر... فكرة الغالب والمغلوب ستكون وبالا على سورية في حين إنقاذ البلد يعني أن الكل رابح . ولن يتسامح الناس مع من يعطل مسار الحل أو يحرفه عن طريقه الصحيح .. وبداهة فإن أعين السوريين وقلوبهم وعقولهم تتابع وتراقب وتعرف بحكم الفطرة من هي الجهات ومن هم الأشخاص الذين يعطلون عملية الحل ، وستأتي اللحظة التي ستحاسبهم عليها . فالحل – ان حصل - سيكون بيد المعتدلين والوسطيين وذوي الضمير الوطني .

لقد آن الأوان لأن يتقدم هؤلاء إلى الأمام وأن يتراجع ذوي الأصوات المنفّرة واللغة الغاضبة وأن يتم ذلك تزامنا مع إلقاء السلاح جانبا والبدء بترويج لغة التفاهم والتسامح والعمل على خلق بيئة الحوار ... وعندها فقط سيكون الرابح الأكبر سورية والسوريين ... بينما سيكون خطراً على السوريين تحمل خيبة الأمل من إخفاق اللقاء في موسكو .

أقول ذلك ونحن نرى كثيراً من الدول والمتنفذين التي لا تجد لها مصلحة في إيقاف الأزمة وبات المواطن السوري يعي بشكل واضح من هي الأطراف التي تصب النار على الزيت في الأزمة السورية. ولم يعد خافيا على أحد (أن مصير سورية ينبغي أن يحدده حكماء سورية وهم أولئك الذين يملكون عقولاً معتدلة وأفكاراً وسطية وضمائر نقية..)

إنها اللحظة المناسبة للعودة لحضن الوطن من بوابة الحل وإنجاح فرص الحوار والوصول لرسم مستقبل أفضل لسورية فالوطن ليس ملكية خاصة ولا يحق لأحد أن يدَعي أحقيته في تملك قرار أهله ومصيرهم ...

آن الأوان للغة العقل والحوار والتنازل عن الأنانية في سبيل الحفاظ على (ما تبقى من الوطن وأهله) ، مثلما تأخر الأوان لإسكات لغة السلاح والتطرف والعنف .

ختاما : إن النموذج السوري الذي أرادته قوى الشر وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وذيولها ..إن لم ينجح منتدى موسكو((لا سمح الله )) أو تأخر أو فشل سيكون وبكل أسف "واتمنى من أعماق قلبي وضميري أن لا يكون" سيكون النموذج الأسوأ بل المأساة البشرية الفريدة التي ستضاف إلى سجل العار التاريخي على مدى العصور القادمة لكل من ساهم في تحويلها إلى دولة فاشلة أو مقسمة ((تحت أي ذريعة ))..

نأمل مخلصين ومن أعماق قلوبنا أن تتحقق رغبة غالبية السوريين في وقف هذا الصراع المدمر والمرعب ومسلسل "صناعة الموت".. وأن يتم الحفاظ على ما تبقى من الوطن وأهله – كما كنا نأمل ونصرخ آلاف المرات وعلى الدوام - فهل من عاقل وعادل يجيب على نداءنا ؟؟؟ كي نصدق ولو - بصعوبة - أن هناك من يؤمن بوجود منظمات دولية وحقوق انسان - ولو بالحد الأدنى - ووجود ضمير وأخلاق وانسانية في هذا العالم !!! 


  • 2

   نشر في 25 مارس 2015 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا