تساؤلات حول أسطورة الخلق - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

تساؤلات حول أسطورة الخلق

  نشر في 03 مارس 2018 .

    يحتدم الجدل بين المؤمنين بالتفسيرات المختلفة لنشوء الحياة ، فهذا يهتدي بالدين للجواب عن هذا الإشكال ، و آخر يهتدي بالعلم ، إذ تعد "أسطورة الخلق" الجواب الديني عن سؤال أصل الإنسان ، بالمقابل تعتبر "نظرية التطور" الجواب العلمي عن نفس السؤال الذي أرق الإنسان منذ أن اكتشف ملكة الخيال و التفكير ، حيث يكثر في المجتمعات المتحضرة التي تنتشر فيها الثقافة العلمية ، الإعتقاد بنظرية التطور و تسفيه أسطورة الخلق ، بالمقابل ينتشر الإعتقاد بأسطورة الخلق في المجتمعات التي يكثر فيها الجهل و التي تنتشر فيها الخرافات و الخزعبلات ، و التي تعاني من نظام تعليمي فاشل و مؤسسات بحثية متخلفة .

  يسقط المؤمنين بكلتا النظريتين في تناقض منطقي صارخ ، و هو افتراض صحة أسطورة الخلق إذا سقطت نظرية التطور علميا (رغم أن أصحاب أسطورة الخلق لا يعترفون بالعلم أصلا) ، كما يعتقد المؤمنين بالتطور أنه إذا سقطت أسطورة الخلق استدلاليا علما و فلسفة و عقلا ، فهذا يعني أن نظرية التطور حقيقة مطلقة ، غير أن هذا قياس غير صائب ، فإذا كان السقم في الجواب الأول هذا لا يعني أن الصحة في الجواب الثاني ، بل يمكن أن يكون كلا الجوابين خاطئين . 

 للأسف يوجد غالبا العكس ، حيث يسقط في هذا المطب المؤمنين بالخلق أكثر من المؤمنين بالتطور ، إذ إن الخلقيين عندما يريدون إتباث صحة أسطورة الخلق لا يبحثون في الطبيعة و الإنسان إذ للا يوجد بينهم علماء طبيعة ، بل يبحثون عن اعتراضات بعض العلماء عن نظرية التطور ، ثم يستنتجون -بطريقة لا تخلوا من طفولية- أن أسطورة الخلق صحيحة . فحتى لو افترضنا أن نظرية التطور خاطئة هذا ليس دليلا على أن أسطورة الخلق حقيقة ، فلن تُعتبر الخلق حقيقة إلا بأدلة تجريبية تثبت أنها كذلك ، و نفس الشيء ينطبق على تفسيرات التطور أو غيره من النظريات التفسيرية (إن وجدت) لنشوء الحياء .

  بغض النظر عن سمو نظرية التطور بأدلتها و حججها العلمية التي تتراكم منذ أكثر من 150 سنة ، فل نفترض أنها حجة غير صحيحة و أن نظرية التطور ساقطة علميا و سفسطية فلسفيا ، و لنفحص صحة أسطورة الخلق عن طريق طرح بعض التساؤلات البسيطة .

  تجدر الإشارة أنني سأعتمد على الكتاب المقدس الإسلامي (القرآن الكريم) ، لطرح تساؤلات عن مدى صحة أسطورة الخلق .

1)

- تقول الآية الآية 15 من سورة الرحمان: "خُلِقَ الإِنسَانُ مِنْ صَلْصَالٍ كَالفَخَّار".

- تقول الآية 75 من سورة ص : "قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ".

- تقول الآية 6 من سورة الزمر "خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا".

  حسب الآيات فإن أسطورة الخلق تقول أن الإله خلق أول إنسان (آدم) من الطين و بطريقة مباشرة ، أي أن الله باشر بذاته العظيمة التراب و صنع "بيده" شكلا هندسيا هو شكل الإنسان ثم نفخ فيه روحه الإلهية ، فاستحال هذا الشكل كائنا حيا ، ثم خلق منه زوجه الجنسي الآخر (الأنثى - حواء).

   التساؤل الذي يطرحه العقل هو هل شيء عظيم و كبير جدا ، خلق كونا واسعا يتكون (حسب رصد الإنسان) من 300 مليار مجرة و في كل مجرة 400 مليار نجم ، هذا العظيم سيأتي و يأخذ "بيده" حفة تراب صغيرة جدا و يصنع منها إنسانا ؟ هل يمكن لأكبر دايناصور لو أوتي أكبر قوة في الوجود (قوة إله) هل يمكن له أن يخلق ذرة صغيرة بيديه ؟

  يقول الطبري في تفسيره لـ(لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ): "يخبر تعالى ذكره بذلك أنه خلق آدم بيديه الشريفتين (...) كما رُوي أن ابن المثني, ،قال: ثنا محمد بن جعفر ، قال: ثنا شعبة ، قال: أخبرني عبيد المكتب ، قال: سمعت مجاهدا يحدّث عن ابن عمر ، قال: خلق الله أربعة بيده: العرش - وعَدْن - والقلم - وآدم ، ثم قال لكلّ شيء كن فكان" .

فهل الله له يديين مثلنا ؟ و يخلق و يصنع بهما كما يصنع الخزفي أواني الفخار ؟

2)

"وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ {35} فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ {36} فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ {37}‏" البقرة .

   حسب الآية الكريمة فأن الإنسان لم ينشأ على الأرض أصلا ، بل آدم خلقه الله "في السماءلوحده دون باقي الأنواع و أدخله الجنة ، و عندما عصى أوامر الله ، أرسله إلى الأرض ، يعني أن الإنسان كنوع بيولوجي لا ينتمي إلى الأرض في الأصل إطلاقا ، بل لم يخلق على الأرض أصلا ، بل هو هنا نتيجة معصية ليس إلا .

  فهل يعقل أن يُنْتَقَى الإنسان كنوع طبيعي لكي ينشيء في السماء و ليس في الأرض ؟ و هذا ضد ما ينحو له الموفقين بين الدين و العلم ، إذ إن العلم يقول أن الإنسان نشأ في الأرض و ليس في السماء ، عكس الدين فكيف نوفق بين النظريتين و هما على وجه التناقض .

3)

"وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27)" (المائدة).

  حديث: "عن ابن عباس وعن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . أنه كان لا يولد لآدم مولود إلا ولد معه جارية ، فكان يزوج غلام هذا البطن جارية هذا البطن الآخر ، و يزوج جارية هذا البطن غلام هذا البطن الآخر ، حتى ولد له ابنان يقال لهما : قابيل و هابيل . و كان قابيل "صاحب زرع" (فلاح يعني) ، و كان هابيل صاحب ضرع (يعني راعي) ، فلما قربا قرب هابيل جذعة سمينة ، و قرب قابيل حزمة سنبل ، فنزلت النار فأكلت قربان هابيل , و تركت قربان قابيل ، فغضب وقال: لأ قتلنك . فقال هابيل : إنما يتقبل الله من المتقين" .

الراوي: - المحدث: الألباني - المصدر: ("بداية السول في تفضيل الرسول") الصفحة71 ، خلاصة حكم المحدث: إسناده جيد رجاله ثقات رجال مسلم .

  تقول نظرية الخلق الدينية -حسب الآية و الحديثأن الله خلق آدم أبو البشر و زوجته حواء ، و هؤلاء أنجبوا قابل و هابل ، هؤلاء الأخوين كان أحدهم "فلاح" و الآخر "راعي للغنم" ، ففي يوم من الأيام دعى الله الأخوين إلى تقريب قربانين إلى الله ، فقَرَّبَ قابل أحسن كبش في قطيعه ، و قَرَّبَ هابل أحسن ثماره المجنية عن زرعه ، فتقبل الله قربان هابل دون قربان قابل ، فغضب الأخ على أخيه فقتله . ليس هذا ما يهمنا بل يهمنا الآتي .

  حسب الآية و الحديث يكون الإنسان منذ البداية كان يعرف شيء اسمه "الزراعة" و "الفلاحة" و "تدجين الحيوانات" ، و هذا ضد المنطق و التاريخ ، حيث يؤكد علم التاريخ أن الإنسان لم يكتشف الزراعة إلا قبل 10.000 سنة فقط ، إذا نقست 10 ألاف سنة من 300،000 سنة التي هي عمر الإنسان ، سيطلع لك 290000 سنة كلها على طولها من فترة زمنية ، لا يعرف فيها الإنسان لا زراعة و لا فلاحة و لا تدجين حيوانات و لا هم يحزنون ، إذن كيف نقتنع بأن نظرية الخلق تقول بأن الإنسان منذ البداية كان يعرف الزراعة و الفلاحة (قابيل ثالث إنسان موجود فوق الأرض كان فلاحا) ، و تدجين الحيوانات (هابيل رابع بشري موجود فوق الأرض كان راعيا) ، في حين هناك إثباتات واقعية تفيد أن الإنسان لم يكن يعرف لا الزراعة ولا تدجين الحيوانات في بداياته على الأرض إلا قبل 10.000 سنة فقط .

   وها هناك مخرجين لا ثالث لهما: إما أن تقديرات علم التاريخ خاطئة ، و أن الإنسان منذ البداية كان يعرف الفلاحة و الزراعة و التدجين (كما يقول الدين) ، أو أن معلومات التاريخ صحيحة و الإنسان لم يكتشف الزراعة إلا قبل 10.000 سنة فقط ، و قضى290.000 من عمره لا يعرف كيفية الزراعة و الفلاحة ، بل الزراعة شيء مُكتسب و ليس فطري يولد الإنسان يعرفه . و به يكون الخلق مجرد خرافة هشة البنيان .


أخيرا: فهل الله على كبره يخلق بشكل مباشر شيء صغير ؟

هل الله له يدين مثل البشر ؟

هل الإنسان نشأ في الأرض أم السماء ؟

ثم هل كان الإنسان يعرف الزراعة و الفلاحة بشكل فطري منذ وجوده على الأرض ، أم أنه لم يكتشفها إلا قبل 10.000 سنة ؟


  • 1

   نشر في 03 مارس 2018 .

التعليقات

Aml منذ 6 سنة
موضوع جميل ..اذا اردت اجابه انصحك بتفسير القران نفسه فالقران يفسر بعضه بعض وليس ب(((الاحاديث))) ... اجاباتك راح تكون أكثر إقناعاً لنفسك اذا وجدت الجواب بنفسك وليس بألسنة القوم...الانفجار الكوني والتطور كلها موجوده بالقران ...
0
احمد علي
أوك .. شكرا لك .

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا