إلى أي الاتجاهات يُدفع بالأردنيين - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

إلى أي الاتجاهات يُدفع بالأردنيين

أين يتجه الأردنيون..

  نشر في 06 يونيو 2018 .

إلى أيِّ الاتجاهات يُدفع بالأردنيين..

هيام فؤاد ضمرة..

الأحداث الأخيرة خلال الاعتصام الجماهيري لهدف وقف جنون رفع الأسعار المتسلسل والمتوالي واستخراج قوانين الجباية فصل بين المواطن الانسان الواعي والحضاري وبين الانسان الهمجي العنيف والمخرب فالثقافة العامة أمر أساسي وميزة فاعلة في المجتمعات الحضارية المؤسسة تربويا على حسن التصرف والوعي وأخلاقيات الانتماء، حين البحث عن حلول في الاصلاح، وفي المقابل الأسلوب الأمني بالمعالجة والمواجهة الأمنية ارتقى إلى أفضل المستويات الحضارية.

فالطريقة التي تعاملت معها الحكومات المتعاقبة مع الشعب طريقة لا نسطيع تسميتها إلا بالقرصنة والغزو على جيب المواطنين وتحويل المواطنين إلى أبقار حلوب بفرض القوانين وفرض رفع الأسعار ليجد المواطن نفسه محشور بين كتلتين أضخم من حجم احتماله تهرسانه في الحضيض وتعصرانه على جفاف وفاقة هو بالأصل يعانيها ويمور كل شهر في عذابات تقسيم الدخل على كامل الشهر وكامل حاجات الأسرة وتدوير احتياجاتها بصعوبة بالغة.

وهذا النوع من العقل الحكومي هو الأخطر على الإطلاق حيث هو عقل ديكتاتوري لا يقيم وزنا للآخر الأضعف ولايحسب لمخاطر ردود الأفعال حسابا، ليس يهمه فقر المواطن بقدر ما يهمه التغطية على الفئة الباغية التي أوصلت الحال في البلد إلى ما هو عليه الآن، وحين واجهت البلد الصعوبات المالية وتوقف المساعدات وتخلي الأشقاء بصورة مقصودة في هذه الظروف الصعبة والعصيبة، والسقوط الذريع في الضائقة المالية والانهيار الاقتصادي، لم يستطع عقله أن يدخل في الحسبة الصحيحة لحال البلد وأهله وفقر المواطن فراح يحاول الاستغوال على لقمة عيشه الضنكة في أصلها، وواضح أن قياساته قامت على الفئة الثرية المحيطة به والتي في أغلبها ممن اغتنى عن طريق الوظائف الرسمية والرواتب الخيالية التي لا تتوائم والدور الذي يقومون به، كما لا تتواءم والأوضاع المالية للبلد وفراغ الخزينة المعتمدة على المساعدات، إذ كيف لدولة تعتمد المساعدات أن تقدم الدخول الخيالية لمسؤوليها؟.. ولأن الأبناء أيضاً صاروا ورثة الأباء فالأبناء وجدوا أنفسهم يتقلبون في أسرة الحرير ويأكلون بملاعق الذهب دون أن يثار الغبار على أيدهم ودون أن يتدرجوا في مواقع الخبرات، ثم يقال للمواطن ليس هناك من تحت القانون ومن فوقه والجميع سواسية، والحقيقة الواضحة ليست خفية عن العيون، وتحولت الفئة العليا التي ماتغيرت وجوههم منذ أكثر من أربعين عاماً إلى فئة تشترك بالمصالح ولذلك تفكر بعقلية واحدة تقودها المصالح الذاتية، فتتوافق على خطط تجفيف المواطن لتأمن ثراءها بعيدا عن أيدي القانون ويد المحاسبة، فيما يذهبون باتجاه المواطن الغلبان ليُحصِّلوا من قوت يومه الضعيف على المال لإغلاق عجز الميزانية، ووسط هذه الأحداث تعود إليّ ذاكرتي للوراء إلى تلك اللقاءات التي بدأت منذ أربع سنوات أو يزيد حين كنا ندعى إليها للقاء عدد من الوزراء أو رئيس الدولة لمطالبتنا نحن المواطنين البسطاء مساعدتهم لايجاد حل للأزمة المالية والاقتصادية التي تعاني منها البلاد ويعترفون بالصوت الجهور أنهم فشلوا بخطط برنامجهم الاقتصادي وأن واقع الخزينة الفارغة يهدد البلد بأصعب المواقف، يومها طلبت الحديث صديقة عزيزة ناشطة ومعروفة بجرأتها في المواجهة، وكانت أول المتحدثين بعد انتهاء ذلك الوزير من شرحه عن الواقع المالي والاقتصادي للبلد،

فقالت بالحرف الواحد: منذ أربعين أو خمسين عاما وأنتم أنفسكم نفس الوزراء تدورون على مقاعد كل الوزارات وتتحكمون باقتصاد البلد، وأنتم وحدكم من أوصل البلد إلى ما وصلت إليه من انهيار مالي واقتصادي لسوء قراراتكم، وأنصح معاليك أن تذهب وتجتمع ببقية الوزراء من زملائك وتجدوا حلاً للخراب الذي ارتكبتموه بأيدكم فلا يجب أن تخربوها وتقعدوا على تلها..

قالت ذلك وحملت حقيبتها وغادرت القاعة في مركز طلال أبو غزالة وسط تصفيق الذين أدركوا قوة مداخلتها وجرأة ما عبرت عنه ومصداقيته، عندما حصل هذا لم تكن السعودية والدول الخليجية قد أوقفت امداداتها بالمساعدات إلى الأردن على ما هو عليه الآن، ولم تكن أزمة اللاجئين قد وصلت الى الطريق المسدود وكل ما كان يقدم إليهم كان يأتيهم عبر المساعدات الداخلية والخارجية في أغلبه، ليأتي هذا اليوم بعد سنوات والعقل الذي ساق البلد للانهيار الاقتصادي والمالي هو نفسه اليوم يقودة للانفجار.

المواطن ليس بالغائب ذهنياً ولا بالمغفل فكريا ولا بذلك المار على رؤوس أصابعه جهالة أو ضعفاً، بل إنه في بداية الأمر كان يعتقد أنّ الأمر في مسألة رفع الأسعار لا يعدو كونه مجرد ارتفاع مرحلي لمرة واحدة لا يحتمل الإطالة، وتغييرا مؤقتا لا يتجاوز حدود المعقول وعلى هذا قبل بالتضحية من أجل الوطن وسلامة قراره، وليس إلى حد المخاطرة والمقامرة في التغول على جيب المواطن الفقير، لأنه اكتشف فيما بعد أن مسلسل الاستغلال ما زال دائرًا وأن الارتفاع يجري المرة تلو المرة في الشهر الواحد ويليه نفس المخطط في الشهر التالي، وأن هذا الواقع يمارس بصورة قسرية وقهرية لا تتناسب مع ذلك الترويج للديموقراطية التي أشبعوا ذهن المواطن بها، ليجد المواطن نفسه واقع بين فكي كماشة الفقر والفاقة حد التجفيف، وبدل تجفيف منابع الفساد تحول الموقف إلى تجفيف أرزاق العباد.

الأردن يعيش تحديات كبيرة وعظيمة وهو المحاصر بالمناطق الملتهبة وغير المستقرة مما أثر على اقتصادة وعلى جمود تطوره، والمواطن الأردني يعيش حالة اختناق اقتصادي خطير ولا يجب أن يتحمل الوضع العام لفراغ الخزينة وحده وهناك من هم في مواقع المسؤولية لهذا الدور ما زالوا يستغلون مواقعهم، وقد آن الأوان لتغيير الذين التصقوا بالمقاعد منذ نصف قرن وفشلوا بأدوارهم وقراراتهم وشاخت عقولهم وأذهانهم.

فعندما شارفت الحكومة الأمريكية في مرحلة ما على الانهيار بسبب انتشار الفساد واستغواله على أموال الدولة، امتثل يومها الرئيس ريغن لنصيحة زوجته بأن يغير الطاقم القديم للوزراء والمدراء بطاقم جديد كليا لا يربطه بالقديم أي رابط ولا تربى أصحابة في الأجواء السياسية وأجواء الوظيفة في المراكز، ويكون من جيل الشباب الناضج المترف ابداعياً في مواجهة الأزمات، بعد تطبيق هذه الخطة الذكية نجح الرئيس ريغن بالقضاء على الفساد واعطاء جهاز السلطة دفقة حياة قوية انتعش الحال بعدها وتم تجاوز الأزمة قبل تفاقمها، وما أحوجنا اليوم لهذه الخطوة الجريئة والقوية، وقد رفع حصيلة الأمل عندي وعند غيري سماع كلمة جلالة الملك عبدالله سلمه الله وهو يؤكد أنه ما عاد يحتاج لوزراء يستعرضون جلوسهم وراء المكاتب الفارهة فيما لا يقدمون شيئا للوطن ومصالحه ولا يحركون ساكنا لانعاش اقتصاد البلد، ومن منهم من هذا القبيل فليذهب بعيدا وليترك مكانه للأجدر عقلا وذكاءا والأقوى عملا وتأثيراً.. هنا أحسست أن الأمر يكاد يقترب من الخطوة الصحيحة في حال قام جلالته بهذه الخطوة فعلا وأبعد من لا يستحق الدور ولا يقدم الحلول الابداعية للنهوض بالاستثمار ورفد الخزينة بالمال، والقيام بالمشاريع التي من شأنها أن تنهض بالبلد واقتصاده وتشغل الأيد العاملة المتزايدة،

جلالة الملك عقلية مفكرة وعقل مدبر ولا ينقصه إلا فريق يستوعب توجيهاته المستمرة عمليا وليس نظريا، ولهذ من غير المستغرب أن يقف بجانب شعبه ويقدر حجم الضغوطات المعيشية التي تواجهه، والأجمل حين أعرب جلالته عن فخره بما شاهده من تلك الصور الحضارية التي عبر عنها الشباب المعتصم جعلته يشعر بالفخر أنه ملك على هذا الشعب الواعي الراقي المفخرة، كونهم حريصون بالمحصلة على تحقيق مستقبل أفضل لهم وللأجيال القادمة، وكيف تصرف الشباب بصورة حضارية وكان متجاوبا مع رجال الأمن يدرك الخطأ من الصواب، ويسلم على رجال الأمن شاكرا لهم مدى ما تحملوه للمحافظة على الأمن وما سببوه له من ازعاج وتعطل عن المبيت في بيوتهم، كما أنهم تركوا مكان اعتصامهم نظيفاً تماما حتى لا يحملوا عامل الوطن جهدا فوق طاقته في أيام فضيلة من شهر الصيام والعبادة.

وشدد في كلمته على ضرورة أن تغير مؤسسات الدولة أسلوبها في الأداء والمساءلة والشفافية وأن تستخدم أسلوب مبدع بالتعامل مع الأزمات، والشجاعة بالتنحي عن الدور واتاحة المجال لوجوه جديدة شابة تمتلك الطاقات وتطلق الابداعات وتنعش الوضع وتتفاني للدور.

هذا الكلام في خطابه يؤكد أن جلالته حاول قدر الامكان عدم التدخل لكن الطريقة التي واجه بها رئيس الحكومة الموقف ومدي الخطورة لتركه يتعامل مع الأزمة بتأزيم أكبر ومعاندة تزيد الانفجار انفجاراً.

وأعرب عن لومه الشديد على الوزارة ممثلة برئيسها وكامل اللجنة الوزارية لأنها أخطأت بعدم اشراك الفئة الممثلة للشارع خاصة تلك القادرة على تقديم الفائدة من خلال الحوار حول القانون والتوافق على مبادئه لاتخاذ جانب السلامة.

الحراك الشعبي وضع الأردن في بؤرة الاهتمام الكوني فانهالت الاتصالات على جلالة الملك عبدالله بن الحسين الثاني من الرؤساء والملوك العرب ووعدوه بالمساعدة المستعجلة وهذه نتيجة ايجابية للحراك الشعبي بدت ثمارها واضحة والحمدالله.

واليوم في أعقاب رحيل الملقي مستقيلا وتسلم الرزاز مكانه والحكومة تقف أمام عدة تحديات أصعبها على الاطلاق الخزينة الفارغة وارضاء الشعب بتوقف الحكومة عن استغلاله وهو الجانب الأضعف على الاطلاق، وسنترك الفرصة سانحة لرؤية ما ستأتي به الوزارة الجديدة دون التجديد الكلي للوجوه القديمة المنتظر الذي أشار إليه جلالة ملك البلاد.


  • 3

  • hiyam damra
    عضو هيئة إدارية في عدد من المنظمات المحلية والدولية
   نشر في 06 يونيو 2018 .

التعليقات

عمرو يسري منذ 6 سنة
كأنكِ تتحدثين عن مصر أستاذة هيام , فنفس موجة الغلاء هذه تضربنا في مصر بمنتهى العنف منذ أكثر من 4 سنوات , لكن الفارق الوحيد أن الشعب الأردني غضب و ثار حتى وصل صوته للحكومة و الملك , لكن نحن في مصر للأسف فقدنا القدرة على الإعتراض و صرنا نستقبل الزيادات المتتالية بإنهزامية مخزية .
أدعو الله أن يرفع الغلاء و البلاء عن كاهل الجميع .
2
Salsabil Djaou منذ 6 سنة
فعلا الاحتجاج السلمي من ارقى طرق التعبير عن رفض واقع نرجوه افضل للشقيقة الاردن وما وصفت من حال ينطبق كليا على جل البلدان العربية التي مازالت تلازم مركزها في مصاف دول العالم الثالث او دونه من الرتب فالعالم يتقدم يوميا على خلافهم، ونرجو صادقين متفائلين كل الخير للاردن و لكل الدول الاسلامية ولنا في تجربة ماليزيا وتركيا خير مثال على نجاعة التغير في التسيير بطريقة افضل ،دام قلمك و فكرك سيدتي القديرة .
1
hiyam damra
العزيزة سلسبيل الشعوب العربية شعوب مثقفة وحضارية رغم ظروفهم وظروف مجتمعاتهم وكثير من المفكرين العرب تعرضوا بالدراسة للواقع العربي وقدموا رؤياهم في مشروع نهضوي حضاري مناسب لاقت جميعها الأسوار العالية دون تطبيقها لعدم توفر الإرادة العربية وسقوط أغلب الدول العربية لقمة سائغة للبنك الدولي الذي أنشئ لهذا الغرض... تركيا وماليزيا ظروف دولهم ساعدتهم مع خلوص نوايا قادتهم ووضعوا بداية صحيحة فانتهوا إلى نهاية رائعة لأن المشروع الحضاري يبدأ بالانسان أولا فتتعدل من خلاله كل الأمور تلقائيا.. نسأل الله السلامة والأمان لأنهما عماد العيش الكريم.. وتحية من القلب
Salsabil Djaou
امين يا رب ،تحياتي وتقديري.
hiyam damra
صباحك سعيد وجمعة مباركة يتضاعف اجر عباداتها

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا