لآلاف السنين تحكمت مصر في النيل ...... سد جديد يهدد ذلك الامر - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

لآلاف السنين تحكمت مصر في النيل ...... سد جديد يهدد ذلك الامر

ديكلان والش و اخرون – نيويورك تايمز – ترجمة/ محمد احمد حسن

  نشر في 06 مارس 2020  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

  يقف فلاح مصري في حقله ذي التربة الرملية نادبا حظه . منذ عدة أعوام كانت الصوب الزراعية الخاصة بالقمح و الطماطم تغطى الأرض . أما اليوم فإن رمال الصحراء تزحف على الأرض .

(( انظر )) قالها و هو يشير إلى التربة الرملية و الصوب المهجورة . (( لقد صارت أرضا بورا )) .

الفلاح حامد جار الله ارجع مصيبته إلى تناقص الكميات المخصصة للري من مياه نهر النيل المنهك و هو النهر الاسطورى الذي لطالما شكل هوية مصر . بالفعل يرزح النيل تحت وطأة التلوث و التغير المناخي و النمو المتزايد لعدد السكان في مصر و الذي بلغ رسميا 100 مواطن .

و اليوم و حسبما يقول جار الله فإن كارثة جديدة تلوح في الأفق .

السد الكهرومائي الضخم الذي يتم بناءه على النيل على بعد ألفى ميل من هناك على منابع النهر في أراضى إثيوبيا المنخفضة يهدد بمزيد من التقليص لإمدادات مصر المائية و من المخطط له أن يبدأ السد في ملء خزانه هذا الصيف .

و أضاف جار الله (( نحن قلقون لا وجود لمصر من دون النيل . مصدر رزقنا يتم القضاء عليه فليساعدنا الله )) .

و قد أصبح النزاع بين مصر و إثيوبيا على سد النهضة الكبير و الذي تقدر تكلفته بنحو 4.5 مليار دولار و الذي يعد كذلك اكبر سد في إفريقيا و المزود بخزان يماثل في حجمه حجم مدينة لندن قضية قومية في كلا البلدين الأمر الذي يساهم في إذكاء المشاعر الوطنية و المخاوف المتأصلة في النفوس بل و حتى دق طبول الحرب .

بالنسبة إلى الإثيوبيين فإن السد يعد رمزا لا يقدر بثمن لطموحاتهم و مشروعا ضخما و من المحتمل أن يؤدى إلى إضاءة ملايين المنازل و جني المليارات من بيع الكهرباء إلى الدول المجاورة و ترسيخ مكانة إثيوبيا كقوة افريقية صاعدة .

بعد سنوات من التقدم الذي لم يسلم من العثرات بما في ذلك فضائح الفساد و الوفاة الغامضة لكبير مهندسي السد فإنه يتم حاليا تركيب أول توربينيين . المسئولون يقولون أن السد سوف يبدأ في ملء الخزان في يوليو .

هذا الأمر من المحتمل أن يثير الفزع في مصر حيث ينظر إلى السد على انه أكثر التهديدات أهمية .

فقد صرح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسى في خطاب له في الأمم المتحدة في سبتمبر الماضي أن (( مياه النيل بالنسبة لمصر مسألة حياة و قضية وجود ))

لمدة ثمانية أعوام تنازع مسئولون من مصر و إثيوبيا و السودان التي تتوسط بين الدولتين بلا جدوى حول السد . يعيش 95% من المصريين على امتداد نهر النيل أو على مصبه في الدلتا . و يمدهم النهر تقريبا بكل احتياجاتهم من المياه . و هم يشعرون بالقلق من أنه إذا تم ملئ السد بسرعة شديدة فإن ذلك سوف يقلص حصتهم من المياه بشكل جذري .

في نوفمبر الماضي و في محاولة أخيرة انتقلت المباحثات إلى واشنطن حيث يتولى البيت الأبيض الوساطة .

السيد ترامب و الذي يعتبر نفسه وسيطا اعتبر أن جهوده ربما تستحق جائزة نوبل . و يدفع البيت الأبيض في اتجاه عقد اتفاقية و لكن المصريين و الإثيوبيين يحذرون من أن ذلك الأمر لن يكون سهلا .

في حوار صحفي وصف وزير المياه الاثيوبى سيلشى بيكيلى مزاعم مصر بخصوص النيل بأنها (( من أسخف الأشياء التي تسمعها على الإطلاق)) .

لآلاف السنين كان المصريون سادة النيل بلا منازع حيث استطاعوا التحكم في النهر لكي يبنوا إمبراطوريات قديمة و جمهوريات حديثة .

و قد عبد الفراعنة التماسيح و استخدموا النيل لنقل كتل الجرانيت الضخمة لبناء أهرامات الجيزة العظيمة . و في عام 1970 اشرف قائد مصر في مرحلة ما بعد الاستقلال فارع الطول جمال عبد الناصر على استكمال سد أسوان العالي للتحكم في فيضانات النيل الموسمية و تطوير الزراعة المصرية .

و قد بررت مصر سيطرتها على النهر بالاستشهاد بالمعاهدات التي تم توقيعها خلال الحقبة الاستعمارية و اتفاقية 1959 التي تم توقيعها في السودان . و لكن إثيوبيا لا تعترف بتلك الاتفاقيات . و حينما اقترح قائدها الأسبق هيلا مريام مانجستو بناء سلاسل من السدود في عام 1978 واجه تهديدات مستترة .

فقد صرح الرئيس المصري آنذاك أنور السادات ب(( أننا لن ننتظر حتى نموت من العطش في مصر . و سوف نتجه إلى إثيوبيا و نموت هناك )) .

يقع سد النهضة على النيل الأزرق الذي يعد الرافد الرئيسى لنهر النيل و الذي يمد مصر بأغلب احتياجاتها من المياه .

قائد إثيوبيا الشاب و الحداثى ابى احمد يصر على أن مخاوف مصر من تأثير سد النهضة مبالغ فيها . بعد توليه رئاسة الوزراء في عام 2018 سافر السيد ابى إلى القاهرة لتقديم رسائل طمأنة .

(( اقسم اقسم أننا لن نتسبب بأي ضرر لإمدادات مصر من المياه )) هكذا قال للمراسلين .

و لكن بحلول الخريف الماضي تزايدت حدة التوترات ووجه السيد ابى تحذيرا منذرا بسوء العواقب .

فقد صرح في خطاب له أمام نواب البرلمان الاثيوبى في أكتوبر أنه (( لا توجد قوة قادرة على أن تمنع )) إثيوبيا من استكمال بناء السد و ذلك بعد اقل من أسبوعين من فوزه بجائزة نوبل للسلام نظرا لقيامه بحل أزمة صراع بلاده مع ارتريا . و أضاف السيد أبى انه إذا وصلت الأمور إلى هذا الحد فإنه سوف يحشد الملايين للحرب مع مصر .

و بينما تتنازع الدولتان على السد فإن علماء الهيدرولوجيا ( علم المياه ) يقولون أن أكثر التهديدات ضغطا التي تواجه النيل تكمن في النمو السكاني و التغير المناخي . حيث يتزايد عدد سكان مصر بمعدل مليون شخص كل ستة أشهر و هو المعدل المرتفع الذي تنبأت الأمم المتحدة بأنه سوف يؤدى إلى قلة مياه الشرب بحلول 2025 .

يهدد ارتفاع مستوى سطح البحر بـأكل ساحل مصر المنخفض و سوف يؤدى إلى إزاحة المياه المالحة إلى اليابسة مما يهدد بتدمير خصوبة الأرض . المناخ المتقلب بكثافة يعدا خطرا آخرا .

و قد أوضحت دراسة نشرت في أغسطس الماضي من قبل باحثين في كلية دارتموث أنه من المحتمل أن يتصاعد معدل سقوط الأمطار في منطقة اعالى النيل خلال القرن القادم فإن احتمالية مجئ أعوام حارة و جافة تزداد حتى لو بلغ الاحتباس الحراري درجة حرارة 2 درجة مئوية

تدعى إثيوبيا أن تخزين المياه من المنبع سوف يكن مفيدا لأنها ستكون اقل عرضة للتبخر هناك مما هو عليه الحال في مصر و التي تعد الأكثر جفافا .

و قد صرح ايثان دى كوفيل المحرر الرئيسي للورقة البحثية أن (( أعوام الجفاف سوف تكون أكثر ضراوة و ربما تكون اكثر حرارة )) . و أضاف (( الحياة سوف تكون أكثر صعوبة بالنسبة للمزارعين على ضفاف النيل ))

و قد بذلت مصر التي يقودها السيسى جهودا لا بأس بها استعدادا لذلك الأمر . حيث فرض المسئولون قيودا على زراعة المحاصيل المستهلكة للمياه بكثافة مثل الأرز و الموز . و في خطب الجمعة تم تكليف الشيوخ التابعين للحكومة بالتركيز في خطبهم على فوائد المحافظة على المياه

و قد حذرت إحدى تلك الخطب من أن (( الله لن يتسامح يوم القيامة مع تبديد المياه )) .

و لكن توجيه النقد لأسلوب إدارة مصر لمياه النيل يعرضك للخطر فقد تمت ملاحقة المطربة الشهيرة شيرين عام 2017 بسبب سخريتها من مياه النيل الملوثة و نصحها للجمهور بأن (( يشربوا مياه ايفيان بدلا منها )) .

و قد تمت تبرئتها في النهاية و ربما يعود ذلك الأمر إلى أنها تطرقت لأمر حساس للغاية و هو أن المصريين يسيئون إلى النيل أكثر مما يحترمونه .

حيث يتم ضخ مياه الصرف الصحي و تسد القمامة قنوات الري .

و قد انغمس القادة المصريون المتعاقبون في مخططات كبرى تستنزف النهر بمن فيهم السيسى الذي يقوم حاليا ببناء عاصمة إدارية جديدة مترامية الأطراف في الصحراء خارج القاهرة و التي يقول الخبراء أنها سوف تستنزف النيل إلى أقصى حد .

أصبح السد مثيرا للقلق بخصوص حصة مصر من المياه . حيث تكمن نقطة الخلاف الرئيسية مع إثيوبيا في الكيفية التي ينبغي بها الملء . حيث تقول إثيوبيا انه سيكون في اقل من 4 سنوات و لكن مصر تتخوف من الجفاف خلال فترة الملء و هي تريد أن يكون الملء لمدة 12 عاما أو فترة أطول من ذلك .

و بعيدا عن المناقشات ذات الطابع الفني فإن السياسة هي التي تتحكم في النزاع . حيث أن السيسى الرجل العسكري شديد الحساسية تجاه الاقتراحات التي تطلب منه أن يكون متساهلا بخصوص امن مصر .

أما السيد ابى فهو يخوض انتخابات هذا العام و هو واقع تحت ضغط من المواطن الإثيوبيين العاديين الذين ساهموا في تمويل السد من خلال شراء السندات التي أصدرتها الحكومة . و على نطاق واسع فهو يحتاج إلى أن يلتزم بانجاز المشروع الضخم في بلد يعتبر نفسه قوة صاعدة .

تعد إثيوبيا واحدة من أسرع الاقتصادات نموا في العالم و يتيح لها السد الفرصة لكي تكون القوة التصديرية الأكبر في إفريقيا . الأمر ذاته في مصر حيث يعد النيل قضية مركزية للبلد الذي يعتد بنفسه .

(( إلى متى سوف يستمر النهر في تدفقه آخذا في طريقه كل شئ حتى فروع الأشجار ؟)) هذا مقطع من أغنية يتم تلقينها لأطفال المدارس في إثيوبيا

خلال حوار مع صحيفة نيويورك تايمز في موقع السد في عام 2018 صرح مدير المشروع سيمنجوى بيكلى ان المشروع سوف (( يقضى على عدونا المشترك ألا و هو الفقر ))

و قد أشار إلى سد هوفر في الولايات المتحدة كمصدر الهام له

حيث قال (( هذا السد هو الذي جعل منها أمريكا التي ترونها )) و أضاف انه يأمل أن يقوم السد الاثيوبى بالأمر نفسه بالنسبة لبلاده .

بعد ذلك الحوار بفترة وجيزة وجد مدير المشروع مقتولا في سيارته من طراز تويوتا لاند كروزر بطلقة نارية في الرأس . و اعتبرت الشرطة الواقعة بمثابة انتحار . و لم تمض بضعة أسابيع حتى أقال السيد ابى المقاول الرئيسي في مشروع السد على خلفية اتهامات تتعلق بفساد على نطاق واسع .

و بالرغم من الإخفاقات فإن الإثيوبيين يقولون أنهم على وشك أن ينتهوا من بناء السد . فقد بدأوا البناء في عام 2011 في ذروة أحداث الربيع العربي حيث كانت لا تزال الأمور مضطربة في القاهرة و قد رافقت المشاعر العدائية المشروع منذ البداية .

في عام 2013 ظهر قادة مصريون و من بينهم الرئيس في ذلك الوقت محمد مرسى على شاشة التلفزيون و هم يناقشون تكتيكات غير معلنة لتدمير السد بما في ذلك قصف السد . و انتهى الحوار العنيف إلى لا شئ و لكن بعدها بفترة وجيزة اتهم المصريون خصومهم بإبطاء إيقاع المباحثات الفنية بينما يستمرون في البناء .

في المقابل يقول الإثيوبيون أن المصريين يعاملونهم بتعالي تعود جذوره إلى الغزو المصري الفاشل لإثيوبيا في عام 1870 . و في أكتوبر الماضي اتهم احد المفاوضين الإثيوبيين مصر بالسعي إلى إدخال بلاه تحت (( استعمار مائي )) على حد وصفه .

يصر السيسى على انه مازال يريد حلا سلميا و الشروع في حملة دبلوماسية للحصول على دعم من جيران إثيوبيا . و يؤكد متحف النيل الذي تم افتتاحه في 2016 ( في أسوان ) على الروابط التي تجمعها مع (( أخواتها الأفارقة )) . و يوجد بالمتحف بالداخل شلال من ثلاث طوابق يرمز إلى جريان النيل عبر 10 دول افريقية قبل أن يصل إلى مصر .

حتى الآن فإن السيسى قد أرسل رسالة مفادها انه مستعد للمقاومة بطرق أخرى . فمصر لديها علاقات وطيدة مع خصوم إثيوبيا و تقوم بإرسال أسلحة إلى حكومة جنوب السودان وفقا لما قاله محققو الأمم المتحدة . و في داخل إثيوبيا اتهم المسئولون مصر بدعم الاحتجاجات المناهضة للحكومة و التمرد المسلح و قد أنكرت القاهرة تلك الاتهامات .

و قد أحرزت إثيوبيا نصرا دبلوماسيا في المفاوضات حول السد حينما أقنعت السودان التى لطالما كانت تصطف بشكل تقليدي إلى جانب مصر بالوقوف في صفها في النزاع .

المفاوضات التى يرعاها البيت الابيض و البنك الدولي لم تسر كما كانت تتنمنى مصر حسبما يقول دبلوماسي غربي . فبالرغم من العلاقات الوطيدة بين ترامب و السيسى الذي وصفه ترامب ذات مرة (( ديكتاتوري المفضل )) فإن مصر مضطرة إلى أن تقدم تنازلا عن مطالب رئيسية حول النيل

و لكن وزراءا إثيوبيين اعترفوا أن ترامب يضغط عليهم للوصول إلى اتفاق ايضا .

فقد صرح السيد بيكيلى وزير المياه الاثيوبى للصحفيين (( بالطبع فإن الضغط يأتي من كل ناحية )).

ينهى نهر النيل رحلة ال4000 ميل بشكل متعرج ملتوي عبر إفريقيا في مدينة رأس البر التي تقع على ساحل مصر الشمالي حيث يصب النهر مياهه بهدوء في البحر المتوسط . في إحدى الصباحات كان يقف احمد الالفى الذي يبلغ من العمر 16 عاما على صخور ضفاف البحر ليقوم بصيد الجمبري

لا يعرف الصياد الصغير الكثير عن المباحثات مع إثيوبيا و لكنه يستطيع أن يرى مشكلات النهر بنفسه

حيث قال (( البحر رائق و صاف و لكن النيل ملوث )) (( إنه ملئ بالقمامة )) .

و أضاف أنه لا خيار لمصر سوى أن تقاتل من اجل النيل . حيث يقول أنه (( بدون النيل لن تكون هناك مصر )) . 

الرابط الاصلى 

https://www.nytimes.com/interactive/2020/02/09/world/africa/nile-river-dam.html



   نشر في 06 مارس 2020  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا