كيف يصبح التونسي شيوعيا أو جهاديا؟ مواطن العالم د. محمد كشكار - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

كيف يصبح التونسي شيوعيا أو جهاديا؟ مواطن العالم د. محمد كشكار

كيف يصبح التونسي شيوعيا أو جهاديا؟

  نشر في 04 شتنبر 2014 .

كيف يصبح التونسي شيوعيا أو جهاديا؟ مواطن العالم د. محمد كشكار

1. كيف يصبح التونسي شيوعيا؟

يقول المثل القديم: "إن لم أكن شيوعيا في سن العشرين، فهذا دليل على أنني بلا قلب، و إن بقيت شيوعيا إلى سن الأربعين فهذا دليل على أنني بلا عقل"

L`ancien adage: Si on n'est pas communiste à 20 ans, c'est qu'on a pas de cœur. Si on l'est toujours à 40 ans, c'est qu'on a pas de tête

يبدو لي أن الشيوعية دخلت إلى تونس في العشرينات من القرن الماضي عن طريق النقابيين و المناضلين الشيوعيين و كُتب المثقفين الفرنسيين و الطلبة الشيوعيين التونسيين الدارسين بمدينتي ليون و باريس. فوجدت أرضا خصبة متمثلة في الإسلام الصوفي المتسامح جدا، وجدَت انفصاما بين جيل الآباء الأمّيين المتدينين التقليديين غير المتعصبين و جيل الأبناء المتعلمين المتحررين حديثا، وجدت شبابا ناقما على مجتمعه و رافضا ناقدا لتقاليده بغثها و سمينها و متأثرا بالفكر اليساري التقدمي العالمي السائد حتى نهاية السبعينات، نهاية تزامنت مع بداية ظهور الفكر الإسلامي الإخواني و بروزه للعلن. و منذ بداية الثمانينات شرع نجم الثاني في الصعود و نجم الأول في الأفول إلى أن وصلنا إلى نتيجة انتخابات 23 أكتوبر 2011 المُخيِّبة لآمال جميع اليساريين التونسيين، ماركسيين و غير ماركسيين. كان الشباب التونسي في السبعينات في معظمه لا يصلي و لا يصوم رمضان، شباب غير متماه و غير متصالح مع حضارته العربية الإسلامية و في الوقت نفسه غير مقبول و غير مندمج في الحضارة الغربية، مثله الأعلى. كان رافضا للأولى، مرفوضا من الثانية. لم يجد نقطة ارتكاز قارة و التعليم الغربي لم يمكّنه من تملك بديهيات التعايش و التأقلم مع مجتمعه الأصلي.

كنت في بداية السبعينات - و أنا طالب في الجامعة - أحلم بالالتحاق بثوار فيتنام أو ثوار ظُفار بعُمان. طيلة شبابي الشيوعي لم أصادِف عاملا تونسيا شيوعيا واحدا، كان جل الشيوعيين التونسيين ينتمون إلى طبقة البورجوازية الصغيرة المتعلمة، و أكثرهم كانوا طلبة و مدرّسين و كتّاب و صحفيين و شعراء و فنانين و منهم بعض العمال المحظوظين الوصوليين المسؤولين النقابيين الذين انسلخوا عن طبقتهم الأصلية البروليتارية، و قليلا من اليساريين التونسيين كانوا ينتمون و لا يزالون إلى طبقة البورجوازية الفلاحية أو التجارية. طبقة البورجوازية الصغيرة، طبقة انتهازية وصولية جبانة خائنة منبتّة غير أصيلة متذبذبة و قد قال فيها ماركس أكثر و أخطر ممّا قاله مالك في الخمر.

يا حسرة يا زمان، "الشيوعية تفكرني بشبابي"، و أنا - للأمانة العلمية - مَدين لها بالكثير من أمميتي و ثقافتي و استقامتي و نقدي الذاتي، و في الوقت نفسه نادم على الساعات الطوال التي أضعتها في قراءة جميع الكتب الإيديولوجية لــلينين و ستالين و تروتسكي و الفقير للفكر ماو! و اليوم بعد ما جاوزت الستين فقد "اكتشفت" مؤخرا و متأخرا أن "الذهنَ غير المتقلّب، ذهنٌ غير حرّ"، لكن "بعدِ إيه"، "بعدَ خراب مالطة" و "العُود كانْ اِشْرِفْ، ما عادِش (و ليست داعش) إجِي مَخطافْ"!

2. كيف يصبح التونسي أو جهاديا؟

يقول مثلي المقتبس الجديد الصالح اليوم: "إن لم أكن جهاديا في سن العشرين، فهذا دليل على أنني بلا جرأة، و إن بقيت جهاديا إلى سن الأربعين فهذا دليل على أنني بلا قلب"

Le nouvel adage: « Si on n'est pas jihadiste à 20 ans, c'est qu'on a pas du culot. Si on l'est toujours à 40 ans, c'est qu'on a pas de cœur

جلهم ينحدرون من نفس الطبقتين اللذان أنجبتا الشيوعيين، لكنهم شجعان أكثر منهم و حققوا ما حَلُمَ به اليساريون العرب فاستولوا جزئيا و وقتيا على السلطة و نفذوا بعضا من مشروعهم العبثي الذاتي - التدمير في الصومال (المحاكم الإسلامية) و أفغانستان (طالبان) و العراق و سوريا (داعش) و ليبيا (أنصار الشريعة).

نشأ الفكر الجهادي المستورد المنبت في الثمانينات أيام مقاومة الاحتلال السوفياتي الشيوعي في أفغانستان و انتشر في الجسم العربي كالسرطان في القرن 21 و تحديدا بعد الربيع العربي و يا ليته بقي خريفا دون زهور و دون أشواك مسمومة، و "مَن حفر بئرا لأخيه وقع فيه"، فعلها قبلهم الشيوعيون الأمميون نصرة لرفاقهم في اسبانيا ضد فرانكو، لكن الشيوعيين انهزموا أمام أعدائهم و الجهاديين انتصروا على إخوانهم في اللغة و الدين و العرق و الوطن و يا ليتهم ما انتصروا!

خلاصة القول:

لا خير في الأول و لا في الثاني! لكن الشيوعيين العرب لم يرتكبوا جرائم حرب مثل ما ارتكب الجهاديون العرب "المسلمون"، صحيح تبنوا غايات ماركس النبيلة و لم يستعملوا حتى اليوم وسائل لينين و تروتسكي و ستالين و ماو العنيفة، و الغاية لا تبرر الوسيلة، و أنا أعرف بعضهم جيدا، ناس ثقات نزهاء صادقين مسالمين حتى النخاع، "مخ شي جيفارا في جسم أحمد حاذق العرف!"

يبدو لي أن أسباب الانتماء الإيديولوجي للشيوعية أو الجهادية معقدة جدا (غربة على تغريب على انبتات على جهل على فقر على تهميش على مؤامرة على خيانة على تخلف على تبعية على فهم خاطئ للحداثة الغربية و العلم و العَلمانية و الدين الإسلامي من قبل الجهتين، إلخ.)، "وأنا ما عندي تجربة في الحب، ولا عندي زورق".

إمضاء م. ع. د. م. ك.

قال الفيلسوف اليساري المغربي عبد الله العروي: "لا أحد مُجبر على التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرّر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن أن يتكلم بلسانه (المجتمع)، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه". و مجتمعنا التونسي عربي إسلامي، شاء اليسار التونسي اللائكي - على المنوال الفرنسي - أم أبَى!

يطلب الداعية السياسي أو الفكري من قرائه أن يصدقوه و يثقوا في خطابه أما أنا - اقتداء بالمنهج العلمي - أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات و أنتظر منهم النقد الهدام المفيد.

لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى، و على كل مقال قد يبدو لكم ناقصا أو سيئا نرد بمقال كامل أو جيد، لا بالعنف اللفظي.

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الخميس 4 سبتمبر 2014.



   نشر في 04 شتنبر 2014 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا