«حكايات الحب الأول».. نصوص تبحث في أعماق الروح - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

«حكايات الحب الأول».. نصوص تبحث في أعماق الروح

تمتاز نغمات «حكايات الحب الأول» بتكثيفها الشديد، حيث لا تزيد بعض الحكايات على الأسطر الأربعة، بينما توجد حكاية واحدة تشغل سطرين فقط..

  نشر في 29 نونبر 2015 .

ما زال الكاتب عمار علي حسن قابضًا بأنامل إبداعه على عرائس الدهشة، حيث يعزف لحنًا شجيًّا في أحدث كتبه «حكايات الحب الأول» الصادر عن الدار المصرية اللبنانية، والذي يُقدِّم من خلاله مائة معزوفة تلتقي كلها في لحن واحد، هو لحن الغرام الضائع.. أو الحب الأول، الذي يفلت من قبضة القلب، فتظل الروح مشتعلة به إلى الأبد!

ويقدِّم الكاتب في عمله الجديد كتابة خاصة، من خلال نصوص تبحث في أعماق الروح، محورها الوحيد هو الحب الأول، ومراوغاته الأسطورية، وقهره السنين التي تمضي غير قادرة على إزاحته في روح الذاكرة، وذاكرة الروح.. مقدمًا مائة أقصوصة، يستعيد فيها لحظات الدهشة الأولى، تلك التي تكبر بمرور الأيام، وتتشكَّل داخل القلب فلا يعرف إلى نسيانها سبيلًا.

وتمتاز نغمات «حكايات الحب الأول» بتكثيفها الشديد، حيث لا تزيد بعض الحكايات على الأسطر الأربعة، بينما توجد حكاية واحدة تشغل سطرين فقط، هي الحكاية رقم (38) التي يقول فيها الكاتب: «كلما ذهبت إلى الصيد يرتسم وجهها الساحر أمامي على صفحة الماء، فأُلملم شصِّي وأعود بلا زاد»، بينما تشغل الحكاية الأولى سبعة أسطر، وكان يمكن أن تكون أقل من ذلك لو لم تُكتب الجمل الحوارية بشكل منفصل، حيث يقول الكاتب: «رنَّ الهاتف ذات صباحٍ، رفعتُ السماعة فجاءني من بعيدٍ صوتها الذي لم أسمعه منذ عشرين سنة. صرخت في فرحٍ باسمها، فقالت صاحبة الصوت: نعم أنا. تهلَّلَت أساريري؛ لأنني أخيرًا وجدتها. وسألتها في لهفة: من أيِّ مكانٍ تتحدثين؟ ضحكت وقالت: من داخل نفسك التي لم أفارقها».

وبهذا الأداء، وذلك الإيقاع، ينتقل عمار علي حسن من زهرة إلى زهرة، بل من نغمة إلى نغمة، قد تقصُر إحداها إلى درجة لا تُخلُّ بدورها وأهميتها، وقد تطول إحداها إلى درجة لا يَملُّ سامعها لاقتناصه متعتها، وتتعانق النغمات جميعًا لتُكوِّن لحنًا واحدًا ندر أن ينجو منه قلب، أو تبرأ منه نفس: «الحب الأول».

وكما يظل هذا الحب الصانع للدهشة الأولى مصاحبًا للمُحب طوال حياته وحتى مماته، حتى وإن لم يشغل حيزًا ظاهرًا في مرايا الروح ومتاهات القلب، فهكذا يعزف عمار علي حسن نغمات حبِّه الأول، ليس حبه وحده، بل حب مائة محب، فاتهم اقتناص متعة الوقت، وتجميده لتجاوز محن الحياة بما يمنحه الحب الأول للقلب وللروح من سعادة تقاوم إحباطات الحياة وسخافاتها؛ لذلك لم يتوقف القلب النابض، ولا الروح الوثابة، عن البحث والتقصي، واستعادة تلك اللحظات المتأرِّجة، أملًا في استرداد السعادة الغائبة وراء غابة التفاصيل اليومية للحياة القاسية، وفي رحلة بحثه لا يترك شيئًا: «ليست متواجدة على فيس بوك، لا اسمًا ولا صورة ولا خبرًا. لا شيء أبدًا. أبحث عنها بحروف اسمها الرُّباعي، فيأتي الاسم الأول مكررًا مئات المرات، أحيانًا يتكرَّر الثاني بضع مرَّاتٍ، أما الاسم الثالث فيتهادى مرة أو اثنتين، والرابع لا أجده إطلاقًا. غابت عن العالم الافتراضي.

في عالم الواقع لم أقابلها منذ افتراقنا. لا بد أنها حاضرة ولا ينقطع وجودها أبدًا، لكن في عالمٍ لا أعرف عنه شيئًا. أغلق الكمبيوتر وأنسى الشوارع المفتوحة على غربتي، وأجلس وحيدًا، أغمض عيني، وأبحث عنها في أعماق روحي».

لكن الكاتب لا يغلق الكمبيوتر، ولا ينسى الشوارع المفتوحة على غربته، بل يستمر في رحلة البحث في أعماق الروح، بحروف لازوردية ناعمة، تطارد الحب الأول كذكرى مخملية، مقاومة لجفاء الواقع، وتتجاوزه حتى لو استحال إلى صدمة مربكة، بعد مرور السنين، وقسوة الزمن: «سمع امرأةً تُنادي عليه بصوتٍ واهنٍ. توقَّف ونظر إليها، وصافحها بامتنانٍ وترك يده في يدها زمنًا أطول ممَّا فعل مع كلِّ مُصافحيه. لم يكن يعرف لماذا؟ ولِمَ وضع عينيه في عينيها مليًّا وابتسم لها وهو يهزُّ رأسه؟ مضى في طريقه، وبعد خطواتٍ سأل صديقه القديم: من هذه السيدة؟ ابتسم عن أسنانٍ سوداءَ مثرمةٍ، وداس بيده على أحد منكبيه، وقال له: ألا تعرف مَنْ هذه؟ فأجاب: لا. قهقه وقال: يا لغرابة القدر! ثم مال على أذنه وهمس: حبُّكَ الأوَّل الذي هجرتنا كلَّ هذه السنين حين ضاع منكَ. فارتجف كما كان في الزَّمن البعيد. توقَّف والناس حوله، ثم استدار إليها ليراها وهي تبتعد في حارةٍ جانبيةٍ متوكئة على عصاها، وتمنَّى لو كان وحده ليجري وراءها بكلِّ ما تُسعفه ساقان أضناهما زمن الغربة والفراق».

ولا يتوقف الكاتب عن عزفه المتواصل للحب الأول، سوى في الحكاية رقم مائة، حيث الإغماضة الأخيرة، حين يأتي النور «أصفر ناعسًا أو فضيًّا جليًّا، ثم يسيل في فجاجٍ عميقةٍ نحو النهاية التي لا مفرَّ منها. في الهالات السَّابحة بلا انقطاع تطلُّ الوجوه التي راقت لنا، فيزيد النور نورًا، ثم تمتد أكفٌّ طريَّة، وتأخذنا على مهلٍ إلى بقعتنا الغنَّاء في الفردوس، فننادي من أعماقنا السحيقة: أيتها الحبيبات. ثم نُلملم أطراف النور ونتدثَّر بها متنعِّمين بالدفء والسكينة إلى الأبد».

 إضاءة:

                                                                         عمار علي حسن

عضو اتحاد الكتاب ونادي القصة في مصر، صدرت له ست روايات هي: «السلفي»، و«سقوط الصمت»، و«شجرة العابد»، و«زهر الخريف»، و«جدران المدى»، و«حكاية شمردل»، وثلاث مجموعات قصصية هي: «التي هي أحزن»، و«أحلام منسية»، و«عرب العطيات»، إلى جانب كتابين في النقد الأدبي هما: «النص والسلطة والمجتمع: القيم السياسية في الرواية العربية»، و«بهجة الحكايا: على خطى نجيب محفوظ»، وله تحت الطبع رواية «جبل الطير»، ومجموعة «أخت روحي».


  • 4

   نشر في 29 نونبر 2015 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا