تجربة الاحتضار - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

تجربة الاحتضار

  نشر في 27 ديسمبر 2015  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

تجربة الاحتضار

أ/ بسام أبو عليان

28/12/2015

لو سألت كل قارئ لهذه المقالة: هل حاولت أن تخوض تجربة الاحتضار من تلقاء نفسك وأنت بكامل قواك الجسدية والعقلية والنفسية؟، لأتت الإجابة من الجميع: (لا). وربما سأل أحدهم في نفسه ساخراً: ماذا يهذي كاتب المقالة؟

أعلم أن الفكرة غريبة، خاصة وأن "الموت" غير محبب إلى النفس، فهي تنفر منه، رغم أنه حق، ولا أحد هارب منه. بل بعض الناس لا يسمحون لأنفسهم مجرد التفكير في الموت، وإن ذكّرهم أحد بالموت غيروا الموضوع، أو تركوا المجلس بالكلية. فالنفس البشرية تنزع دوماً إلى حب الحياة.

بدون إطالة في المقدمة، إذا تأمل كل فرد ودقق في وقائع وتفاصيل حياته، يجد أن مشكلات ومتطلبات الحياة المتزايدة يوماً بعد يوم قد احتلت حيزاً كبيراً من تفكيره، وطاقته الجسدية، والنفسية، والانفعالية، والصحية. ولا تفارقه البته، وتلاحقه في كل وقت ومكان. حتى في لحظات العبادة، أو في أحلامه. هذا اللهث وراء الدنيا ومتطلباتها أناسانا أموراً كثيرة، وطغى على جوانب جميلة في حياتنا. فجعل حياتنا يغلب عليها الجانب المادي، وخفت فيها ضوء الجانب الإيماني والروحاني.

لو كل واحد منا عاش ـ لساعات محدودة ـ مع نفسه وحيداً، بعيداً عن كل الملهيات، وتسجى على فراشه في حجرته، وتخيل أنه على فراش الاحتضار، وأنها الساعات الأخيرة له في الحياة، وسيفارق الدنيا بعدها، ويترك الأسرة، والأحباب، والأملاك، والأموال.

ستجده تلقائياً بمجرد التفاعل مع التجربة بجوارحه وعواطفه، وتفكيره تهتز مشاعره، وترتعد أعضائه، وتذرف دموعه، وينقبض قلبه. ويبدأ في تذكر جوانب التقصير العديدة في جانب الله من جهة، وجانب البشر من جهة أخرى.

سيخلص إلى أنه قصّر في أمور العبادات كثيراً، لطالما أخّر الصلوات عن موعدها من أجل أن ينجز المهام الوظيفية المطلوبة منه، أو كم نقر الصلوات نقر الدجاج من أجل أن يواصل أشغاله. وأنه هجر القرآن بالكلية، أو لم يقرأه إلا في شهر رمضان، أو يوم الجمعة. أو أنه قليل الصدقة، أو لم يخرج زكاة ماله، بذئ اللسان واللفظ، عاق لوالديه، غاش في بيعه، لا يراقب الله في خلواته... إلخ. وسيناجي ربه؛ ليمد في عمره ولو للحظات كي يعوض التقصير في حق الله تعالى.

لو طلبنا منه ـ أيضاً ـ أن يتخيل أحبابه كل واحد منهم سيزوره ويدخل عليه على انفراد. ماذا سيقول لكل واحد منهم؟ سنجده يوصيهم وصية مودع، ويكشف لهم عن مكنونات حبه وعطفه عليهم، وحقيقة مشاعره الفياضة تجاههم. ولطلب منهم الاعتذار والصفح والسماح عن كل لحظة تقصير في جنبهم. ولتمنَ مزيداً من الوقت حتى يجلس معهم ويعوضهم عن تقصيره بحقهم، وسيغمرهم بحبه وعطفه وحنانه.

إن خضت تجربة الاحتضار بحق، بكل مشاعرك وجوارحك، وتفكيرك، ستخلق منك إنساناً آخر، ستنظر إلى الحياة بعين جديدة، وستقيّم علاقاتك مع الآخرين وفق معايير جديدة غير التي كنت تقيم بها الناس من قبل.

هذه التجربة ستبقى تاركة آثارها على سلوكك وتفكيرك إلى حين من الزمن. وإن عادت مشاغل الدنيا تسحبك إليها، حاول أن تكرر التجربة ثانية، وستعيدك إلى جادة الصواب مرة أخرى.

إن خوض التجربة ستكون آثارها إيجابية عليك من كافة النواحي: الإيمانية، والنفسية، والاجتماعية، والأسرية.

أكرر قد يعتبر البعض الفكرة طائشة، أو غريبة. لكن جرب وستجني الفوائد العظيمة.

ختاماً، أسأل الله تعالى حسن الخاتمة لنا، ولكل قارئ لهذه المقالة، ولأمة محمد أجمعين.


  • 6

  • د. بسام أبو عليان
    محاضر في قسم علم الاجتماع ـ جامعة الأقصى. محاضر سابق في جامعات: (الأزهر، والقدس المفتوحة، والأمة للتعليم المفتوح، وكلية المجتمع). مدرب في مجال التنمية البشرية.
   نشر في 27 ديسمبر 2015  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

التعليقات

مریم كاظم منذ 8 سنة
ورد في الحديث الشريف : ((موتوا قبل أن تموتوا...))؛ أجل لو كان كل منا يتذكر الموت في كل يوم لسارت الدنيا بخير...شكرا على المقال..شكرا على تذكيرنا بالفناء..((كل من عليها فان ويبقى وجه ربك
ذو الجلال والاكرام))
0
د. بسام أبو عليان
شكراً على مروك الطيب.
بالنسبة لقول (موتوا قبل أن تموتوا) ليس بحديث بل قول منسوب للصوفية.. ومنهم من قال قول غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
http://www.dorar.net/hadith?skeys=%D9%85%D9%88%D8%AA%D9%88%D8%A7+%D9%82%D8%A8%D9%84+%D8%A3%D9%86+%D8%AA%D9%85%D9%88%D8%AA%D9%88%D8%A7&st=a&xclude=

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا