مصطلح التكنوقراط مصطلح جديد تماما على معظم المصريين (الذين يعرفونه أساسا) وأنا منهم، وهو مصطلح انتشر بعد الثورة مباشرة بسبب مناداة البعض بتشكيل حكومة تكنوقراط لإدارة شئون الدولة لحين إجراء انتخابات.
والتكنوقراط يعنى ببساطة شخص مهني محترف فى مجاله غير مؤدلج ولا ينتمي لتيار سياسي معين؛ يعنى باختصار هو شخص محايد يؤدي وظيفته بحرفية ومهنية مطلقة بغض النظر عن صراعات النظم والتيارات السياسية.
والتكنوقراط ليس شرطا أن يكون على مستوى الطبقة الحاكمة فقط، وإنما قد يكون فى مستويات أقل من ذلك بكثير؛ كالوظائف العامة والخدمية، مثل المستشفيات والجهاز الإدارى للدولة والمطارات ومحطات القطار ومحطات الكهرباء والمياه وغيرها من الأماكن الحيوية التى تسير حياة المواطنين يوما بيوم ولا غنى عنها على الإطلاق.
فعلى سبيل المثال، لا يمكن لعمال المطارات ربط أعمالهم بنظام سياسي معين، فيحسنوا إدارة المطار وصيانة وتوجيه الطائرات ضمن نظام سياسي ما، فإذا تغير النظام بنظام آخر أساؤوا الإدارة وتركوا الطائرات بلا صيانة أو توجيه أو قصروا فى صيانتها وتوجيهها.
كما لا يمكن لأى نظام سياسي ربط مهام التكنوقراط به، فلا يصح مثلا أن يأتي نظام سياسي جديد فيقوم بإقالة هؤلاء التكنوقراط بزعم أنهم موالين للنظام القديم واستبدالهم بآخرين موالين له.
ولكن كل أنظمة الحكم فى كفة ونظام مشمش (الذى يحكم الوطن المشمش) فى كفة أخرى!!
حدث فى مطار القاهرة أن انقطعت الكهرباء بشكل فجائى وكارثى، فحدث استنفار فني لكل مهندسي الكهرباء العاملين بالمطار وظلوا يعملون مجتمعين لأكثر من ساعة حتى تمكنوا من إعادة تشغيل التيار الكهربائي مرة أخرى. ثم على الفور تشكلت لجنة فنية للتحقيق فى أسباب الحادث وبيان هل هو متعمد أم ناتج عن إهمال فى التشغيل أم إهمال فى أعمال التجديد والإحلال الدورية.
ولكن نظام مشمش، الذى لا يحتاج لكل تلك الإجراءات البيروقراطية العتيقة ولجان التحقيق وخلافه، والذى خشي أن تثبت لجان التحقيق أن هناك فساد فى أعمال الإحلال والتجديد لشبكة الكهرباء، وأن ميزانية الإحلال والتجديد لا تذهب حقا إلى الإحلال والتجديد، نظام مشمش ذاك قرر فى لحظة واحدة أن سبب الحادث هم الإخوان، وأن الإخوان قاموا بالحادث لضرب الوطن عن طريق عملائهم مهندسي الكهرباء فى المطار!!
وكعادة قوات أمن المشمش فى التعامل مع هكذا تهديدات إرهابية، قامت باعتقال مهندسي الكهرباء في المطار، ومنعت عنهم الزيارات، ومنعت عنهم المحامين، ووجهت لهم تهم الانتماء لجماعة إرهابية والإضرار بالأمن القومي!!
تلك الحادثة المأساوية، وأعنى بالحادثة هنا اعتقال المهندسين وليس انقطاع الكهرباء، تقول لنا بوضوح شديد أنه فى ظل نظام المشمش لا يوجد تكنوقراط، وأن خيار الحياد يذهب بعيدا إلى غير رجعة رغما عن الجميع.
فالجهاز الخدمي والإداري في زمن المشمش لا يكون ملكا للدولة وإنما ملك للنظام، وكل من يعمل فيه من حرفيين ومهنيين وإداريين يعملون عند النظام ومحسوبين عليه، سواء رضوا عن ذلك أم لم يرضوا، أقروا به أم لم يقروا.
ولا يكون أمام التكنوقراط لكي يظل تكنوقراط إلا أن يترك عمله ويبحث لنفسه عن عمل آخر إما فى الداخل أو الخارج. أما البقاء فى وظيفته بحجة أنه تكنوقراط يمارس أعماله لخدمة المواطنين لا النظام فهو وهم كاذب يخدع به الرجل نفسه ليتهرب من ترك وظيفته - التي قد تكون تدر عليه دخلا كبيرا أو معقولا - ومواجهة شبح البطالة، أو الالتحاق بعمل أقل فى المستوى المادي والمعنوي.
فمن أراد أن يستمر فى مكانه فله ذلك، ولكن ليعلم أنه أصبح فرد في النظام وليس محايدا، وأن النظام يستخدمه إما ليستقوي به، وإما ليفرغ آخرين ليستقوى بهم، وإما ليمسح فيه قاذوراته بين الحين والآخر، ولكم فى مهندسي كهرباء مطار القاهرة مثل وعبرة!!