لأنها أنستازيا - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

لأنها أنستازيا

قصة قصيرة

  نشر في 22 نونبر 2019  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

في يوم عاصف من أيام "فبراير" حصل بين السيد "ماسون" وابنته "أنستازيا" مشادة حادة وحوار عاصف:

."ماسون": قلت لكِ لا يا "أنستازيا"

"أنستازيا": ولكني أحبه يا أبي وسأحارب العالم لأجله، لمَ لا تحترم حبي، وما ذنبه إذا كان يعيش في عالم مختلف عنا.

"ماسون": لم لا تفهمين! أنا لا أرفضه لأنه فقير بل أرفضه لأنه شخصاً وصولي وأناني لا يحب إلا نفسه، أعرفه منذ خمسة أعوام أنه مليء بالصفات السيئة، كما أنكِ ما زلتِ صغيرة لم تنتهي بعد من السنة الأولى في الجامعة.

"أنستازيا": "فرناندو" لا يستغلني، فأنا أكثر امرأة يليق بها الحب في "كندا"، وطالما هو بهذا السوء لما سمحت له بالعمل لدينا سائق للقصر طيلة الخمس أعوام الماضية.

"ماسون": صبرت عليه من أجل أمه المريضة فقط.

"أنستازيا": ولكن كل هذا هراء يا أبي، لم يمنعني عن "فرناندو" سوى الموت.

"ماسون": إنك تتحدثين مع والدك، ما هذا الاحترام!، حقا الروايات وقصص الحب أفسدت عقلك الصغير هذا.

بعد أسابيع قليلة تزوجت "أنستازيا" من سائق القصر "فرناندو" دون رضا والدها، وذهبت للعيش معه في مدينة "سمرسيد".

مرت الشهور الأولى من الزواج كالحلم، بل كالروايات الباريسية.

جاء "نيسان".. وقد ملأ الشوق قلب "أنستازيا" لرؤية والدها ولكنه لا يجيب على مكالماتها ولا يسمح لها بزيارته.

دخل "فرناندو" البيت في المساء وقد وجد زوجته "أنستازيا" جالسة على الأريكة لامعة عينيها بالدموع، متجمدة الكلمات في فمها، اقترب منها وقال لها: اهدئي، الوقت كفيل بإعادة كل شيء على ما يرام، وستعود علاقتك بأبيك جيدة.

ردت عليه "أنستازيا" بكبرياء قائلة: ولكني جرحت قلبه لن أستطيع نسيان الحرقة التي كانت في عينيه في اليوم الذي رحلت فيه من القصر.

اقترب منها "فرناندو" أكثر ثم وضع رأسها على كتفه لكي تهدأ، وخلال هذه اللحظات اشتمت "أنستازيا" رائحة عطر نسائي على قميصه، أزاحت رأسها وقالت له: ما هذا العطر النسائي ثم انهالت عليه بالصراخ. قال لها: توقفي ولا تجعلي من نفسك محط للسخرية، ردت عليه قائلة: حقاً أظن أن لدي كل الأسباب لأفقد أعصابي، قال لها: أنه عطر "كلارا" ابنة أخي، فقد ذهبت لزيارتهم قبل مجيئي إلى البيت.

ردت عليه "أنستازيا" بسخرية قائلة: حقاً وهل تملك "كلارا" ثمن علبة العطر من "شانيل جاردينيا جراند".

قال لها: لا أسمح لك بالسخرية من عائلتي، كما أنه عطر مقلد وكفي عن التحقيق.

كانت سذاجة "أنستازيا" دائماً ما تنقذ "فرناندو"، كما كان كلامه المخادع دائما يؤدي إلى النتيجة المطلوبة.

مر شهر كامل على "أنستازيا" محاولة به طرد جميع الأفكار السلبية والسوداء المتعلقة بفرناندو، ودائما ما كانت تشعر أنها علقت في دائرة زمنية مغلقة، وذلك بسبب تصرفات زوجها المثيرة للشك.

جاء "أيار"....

في أول صباح من شهر "أيار" شعرت "أنستازيا" بدوار وتعب مفاجئ، كما أصبحت خطواتها ثقيلة بعض الشيء، شكت بوجود جنين في أحشائها ثم ارتدت ملابسها وخرجت من المنزل كي تذهب وتتأكد من الطبيب.

خلال الطريق تعرضت "أنستازيا" لحادث مفجع، حيث انقلبت بها السيارة أكثر من مرة .. وخلال هذه اللحظات شعرت بفراغ مظلم ومميت لم تعلم من أين مصدره.

جاء "فرناندو" إلى المشفى مسرعاً بعد مشاهدة الحادث على مواقع التواصل الاجتماعي.

دخل غرفة "أنستازيا" وسأل الطبيب عن حال زوجته، أجابه الطبيب بحزن قائلا: هذه الفتاة المسكينة فقدت جنينها أثر هذا الحادث الأليم، كما تعرض جسدها لجرح عميق، حيث فقدت إحدى كليتيها بشكل كامل والكلية الأخرى أصابها ضرر كبير، لهذا نريد الآن متبرع بكلية بأقصى سرعة لكي نحافظ على حياتها.

رفع "فرناندو" حاجبيه من الدهشة بعد سماعه لهذا الكلام، كما تجمدت نظراته بعض الشيء، ثم ابتلع أنفاسه ورحل من المشفى.

قامت الممرضة بمناداته بأعلى صوتها ولكنه لم يستجب لأحد.

بعد لحظات جاء السيد "ماسون" مسرعاً إلى المشفى بعد سماعه الخبر وقد شرح له الطبيب حالة "أنستازيا" الصحية كما أخبره أيضا بهروب زوجها بعد معرفة وضعها الصحي.

كل هذه الكلمات انهالت كالصاعقة على قلب "ماسون"، شعر حينها بمرارة الوداع، كما شعر بالندم على إضاعة الكثير من الوقت بإبعادها عنه، ثم بدأ يصرخ قائلاً: هل هناك مسكن للندم ثم انهالت الدموع من عينيه كالشلال، وقام على الفور لإجراء فحص لكليتيه كي يتبرع بأحدهم وينقذ حياة "أنستازيا".

بعد إجراء عدة فحوصات قال الطبيب للسيد "ماسون" كليتك سليمة ومطابقة لكلية ابنتك ولكن هذه العملية خطرة جدا لك لأنك رجل مريض، لن تستطيع تحمل العملية، قد يصيبك هبوط حاد في الضغط أثناء العملية وتفقد حياتك!.

قال له "ماسون" بصوت مخنوق: أنا أتحمل جميع المسؤولية وستقومون بإجراء هذه العملية في أسرع وقت شئتم أم أبيتم.

سأله الطبيب متعجب لما تعرض حياتك للخطر.

رد عليه السيد " ماسون" بكلمتين قائلا : (لأنها أنستازيا).

استيقظت "أنستازيا" من العملية بصحة جيدة كما استعادت وعيها بالكامل وعندما فتحت عيناها قال لها الطبيب: تم نقل الكلية لك بنجاح أنتِ الآن بصحة جيدة.

قالت للطبيب مبتسمة: هل استيقظ زوجي من العملية.

رد عليها الطبيب قائلاً : ماذا... ليس هو الذي تبرع لكِ بل أنه أختفى قبل أن تجف دمائك.

قالت له "أنستازيا" بتعجب: ماذا تقول ! ومن تبرع لي بكليته إذاً.

قال لها: تعالي معي لتري من هذا المتبرع.

ذهبت "أنستازيا" بخطوات بطيئة جداً إلى الغرفة الأخرى، كانت تبدو من الخارج هادئة

ثم توقفت قليلا لتهدأ نبضات قلبها المتسارعة، ثم أكملت المسير.

دخلت مع الطبيب إلى غرفة المتبرع، رأت شخصاً مغطى بالكامل بغطاء السرير ثم أدركت بوفاة هذا المتبرع بعد العملية.

رفت جفونها قليلا ثم رفعت الغطاء وإذ بها تجد أباها، ترطبت رموشها الحريرية بدموع الندم والشوق.

بعد لحظات جاءت إليها الممرضة برسالة من والدها وقد كتبها قبل دخوله غرفة العمليات ووصى الممرضة في حال حدوث له أي مكروه أن توصل هذه الرسالة إلى ابنته.

فتحت "أنستازيا" الرسالة بيدين مرتجفتين:

عمتي مساءً........

إذا وصلت هذه الكلمات إلى يديكِ الصغيرتين يا ابنتي فحينها سأكون في العالم الآخر برفقة والدتك.

أرجوكِ لا تحزني فقد سامحتك من أعماق قلبي، أنتِ هي ابنتي الوحيدة وكل ذاك الصراع كان بسبب خوفي عليك وللأسف خوفي عليك كان في مكانه

ولكني لم أتقن ثقافة الاحتواء لهذا سامحيني، وصيتي لكِ أن تذهبي للعيش مع جدك في مدينة "نيويورك" فجدك هو الوحيد الذي سيمنحك محبة تشابه محبتي، وسيعالج قلبك الحزين هذا.

وآخر جمله سأقولها لك أن العالم ليس كما تراه عيناكِ... وداعاً.

بعد مرور عدة شهور حزينة ذهبت "أنستازيا" إلى "نيويورك" للعيش مع جدها الذي استقبلها بكل حب وحنان.

في ذات ليلة ربيعية دافئة صعدت "أنستازيا" إلى العلية لتجلب ما كان في بالها....ثم لفت نظرها حجر متوسط الحجم يحتوي على مخطوطات بلغة غريبة لم تستطع فهمها.

نزلت من العلية وذهبت إلى الحديقة لتسأل جدها عنه.

قال لها الجد: نعم هذا حجر "الماتون" فقد خبئه عندي السيد "سميث" صديقي وصاحب المكتبة القريبة من منزلنا، أنه ليس حجر عادي بل أنه أثار وتاريخ تقدر الحكومة قيمته بالمليارات.

قالت له "أنستازيا" بتعجب : ولكن لماذا تخبئونه.

رد عليها الجد قائلاً: لأنه بالنسبة لنا لا يقدر بثمن، حسناً اجلسي لأخبرك عنه أكثر.

. وضعت "أنستازيا" رأسها على كتف جدها لتستمع إلى أحاديثه

إن هذا الحجر يا "أنستازيا" له روايتان:

الرواية الأولى تخمن أنه يعود إلى العهد الثاني من البشرية، أما الرواية الثانية أنه مأخوذ من جزيرة "مايدا" الضائعة والمحذوفة من الخرائط.

رفعت "أنستازيا" رأسها من كتف جدها ثم قالت له: أخبرني عن هذا العهد يا جدي وما هي هذه الجزيرة لم أسمع بها من قبل.

قال لها: العهد الثاني من البشرية بدأ بعد الطوفان الكبير الذي حل بالأرض في عهد النبي "نوح" عليه السلام، وكانت البشر في ذاك الوقت من ذرية أولاد النبي "نوح" وهما "سام" "حام" و"يافث".

أما "سام" كان فيه بياضاً وقيل أنه أجمل أخوته، وقد جاء من نسله العرب والفرس والروم.

أما "حام" كان في بشرته سواداً، وقد جاء من نسله الأرض الأفريقية والقبط والسود.

أما "يافث" كان فيه شقارا وحمارا وقد جاء من نسله الترك والصقالية وقوم مأجوج.

أي أننا من نسل "سام".

أما جزيرة "مايدا" هي من الأراضي القريبة من أوروبا في قلب المحيط الأطلسي من ناحية القطب الشمالي، ومن المثير للدهشة أن هذه المدينة تظهر في أوقات محددة من السنة وفي وقت مجهول، وقد سميت بأرض الكنز والوحوش، حيث روى سكانها أنهم كانوا يرون في الجزيرة حيوانات غريبة الشكل، وقالت الأسطورة القديمة أن هذه الحيوانات كانت موجودة لحماية الكنوز، وقد ظهرت هذه الجزيرة أول مرة على الخرائط في القرن الرابع عشر، وقد بقي اسمها حقيقياً على الخرائط لمدة خمس مئة عام حتى بداية القرن العشرين، ثم حذفت من الخرائط واعتبروها الباحثون أنها مجرد قصة خيالية من قصص البحارة.

ولكنها ليست بالأسطورة يا "أنستازيا" فقد ذكر الباحث "ويليام بابكوك" عام 1915 في كتابه (جزر الأطلسي بخرائط القرون الوسطى) أن جزيرة "مايدا" أسطورة الذهب والوحوش ليست بالأسطورة فكيف لأسطورة أن ترسم على الخرائط الثمانية لأشهر ملاحين العالم، كما أنه في قرننا هذا تم إثبات الأمر علميا أن هناك جزر تظهر وتختفي في البحار.

بعد انتهاء الجد من حديثه نظر إلى "أنستازيا" إذ بها تنظر إلى السماء، فقال لها: ما سبب هذه النظرات الحالمة يا عزيزتي.

ردت عليه قائلة: تذكرت مقولة أبي عندما قال لي: إن الدنيا ليست كما تراها عيناكِ، ثم دمعت عيناها وقالت: لم تصدق ما كنت أشعر به يا جدي كنت أتمنى الموت كل دقيقة، تخلي "فرناندو" عني قد صدمني ربما لأني شعرت اتجاهه بمشاعر غير محدودة، فقد جعلتني تلك الأحاسيس عمياء، لم أكن قادرة على رؤية الحقد والسواد المظلم والمميت في قلبه، وقد كان أبي يرى كل ذلك، ليتني استمعت إلى كلامه، ولكن لن أدع الحزن يفتك بي أكثر، كل إنسان يملك الحرية المطلقة باختياره كيفية التغلب على أحزانه، ثم وضعت رأسها على يد جدها وقالت سأكمل دراستي بتخصص الطب وأحقق حلم والدي.

فرح الجد بهذا الكلام وعقب عليه بقوله: الدراسة ستساعدك بنسيان تفاصيل الماضي والشهادة لن تتخلى عنك.

مرت العديد من الأعوام وقد أصبحت "أنستازيا" أشهر طبيبة في الولايات المتحدة الأمريكية كما تبرعت بجزء كبير من ثروتها التي ورثتها عن والدها وجدها وأقامت بها سلسلة من المستشفيات المتخصصة بأمراض الكلى وقد أطلقت عليها أسم "ماسون" حيث بهذا تستطيع تخليد ذكرى والدها، كما تزوجت بحفيد السيد "سميث" صاحب المكتبة، وانجبت منه طفلان ومن الجدير بالذكر أنها احتفظت بحجر "الماتون" في منزلها بعد وفاة جدها.

في يوم من أيام الربيع لفت نظر "أنستازيا" خبر يأخذ حيزاً كبيرا في الصفحة الأولى من الجريدة وكان محتوى الخبر(القبض على شبكة نصب كبيرة في كندا والحكم عليهم بالسجن عشرة سنوات مع الأشغال الشاقة) وأثناء قراءتها لهذا الخبر لفت نظرها أسم "فرناندو" من بينهم، ابتسمت ابتسامة مبهمة ثم نظرت إلى زوجها وقد كان بهذه الأثناء يقرأ كتابا ويحتسى الشاي بهدوء، ثم نظرت إلى النافذة قائلة في ذاتها: جميع أفعالك يا "فرناندو" جعلتني أتأكد أني لم أكن لك شيئاً، وأن أبي كان على حق بكل كلمة.

بقلم سهام السايح


  • 5

   نشر في 22 نونبر 2019  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات

هدوء الليل منذ 4 سنة
قصة رائعة .. أبدعتي كــ العاده عزيزتي . استمري
1
سهام السايح
شكرا جزيلا

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا