" التحليل النفسي لمدمن العادة السرية العربي "
نشر في 27 يونيو 2016 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
يبدو أن أشهر علماء النفس المعاصرين على الإطلاق هو رجل نمساوي لبيب وقع عليه اسم " سيغنوند فرويد " ( 1856-1939 ) ، تخصص في طب الأعصاب و استهواه البحث السايكولوجي فقرر خوض المغامرة العلمية ، فكانت البداية سنة 1880 مع صديقه الفرنسي " جوسيف بروير " حيث كان طبيبا ناجحا استطاع تطوير عدة طرق علاجية للهيستيرية ، فلحقه تجربة مع أشهر السايكولوجيين يومها و هو " شاركو " الذي كان يستخدم " التنويم الميغناطيسي " لعلاج المرضى الهستيريين ، و بين ثنايا هذه التجربة في فرنسا بدأ نسج خيوط نظرية جديدة ستغير نظرة الإنسان لنفسه بالكلية ، حيث سمع فرويد ذات مساء أستاذه "شاركو" يهمم مفكرا ، ما سبب عقدة و اظطراب الإنسان نفسيا ؟ فدخل فرويد معه دهاليز الروح بحثا عن الجواب ، فخطرت له فكرة بعد أن علم أن أحد مرضى شاركو مهووس " بالجنس " حيث كانوا يجدوه دائما إما محتلما ليلا أو ساع للإستمناء نهارا ، فتبن له أن سبب عقدة هذا المريض " عقدة جنسية " ، و لقد اعتبر هذه الملاحظة خبرة مهمة و منذ ذلك الحين عمد إلى الإلتفات إلى إمكانية أن تكون المشكلات الجنسية هي مصدر الإظطرابات النفسية و العقلية .
مع الدراسة و البحث الحثيت توصل فرويد إلى أن الشخصية السايكولوجية للإنسان تتكون من 3 مركبات للشخصية النفسية عند البشر هي " الهو - الأنا - و الأنا الأعلى " بدل " الشعور - ما قبل الشعور - ثم اللاشعور " ، حيث يمثل * "الأنا" الجزء الأكبر من الوعي و هو "الجهاز التنفيذي لمركبات الشخصية النفسية" و عليه هو المسؤول عن ممارسات *الكبت* و دمج النزعات و الميول المختلفة و تعزيزها قبل ترجمتها إلى أفعال و سلوكات .
* أما "الهو" فهو الجزء اللاشعوري من النفس ، و موقع أثر الذكريات المكبوتة , المجهولة من الطفولة ( الهو = مبدأ اللذة ).
* "الأنا الأعلى " : و هو مرشد النفس و الضمير أي القانون الأخلاقي للإنسان نفسانيا حيث يحتفظ بالمحظورات التي يجب الإلتزام بها و المثل التي يجب السعي إلى تحقيقها .
و عليه أبرز فرويد دور و قيمة الغرائز الجنسية و جعله المؤشر الأول المؤثر على السلوك الإنساني و أطلق عليه مصطلح " الليبدو " , و تبسيط ذلك أن هناك أوامر تأتي للجهاز التنفيذي ( الأنا ) من طرف "الهو" الذي يرسل أوامر تترجم إلى سلوك " شاذ " غير لائق أخلاقيا و عمليا و لكنه يحقق اللذة و النشوة و الإستمتاع لكن لحظيا ليس لوقت طويل أي لا يحقق الإشباع الأبدي ، و كمثال للأوامر السافلة التي يرسلها ' الهو ' و تترجم لسلوكات شاذة في معتقد معظم العوام و هو *"( العادة السرية)"* التي يبتلى بها الإنسان في مرحلة من عمره تسمى في علم النفس " مرحلة العمليات التركيبية stade des opérations formelles من 12 عام فما فوق " ، و المعلوم أن من يمارس العادة السرية لا يحقق الإشباع لأن النشوة الجنسية قصيرة المدة الزمنية ، فمثلا عن الرجل تدوم من 8 إلى 10 ثواني و عند المرأة من 16 إلى 20 ثانية و عليه الظاهر أن مدة النشوة الجنسية لا تدوم طويلا وفق رغبة هذا المظطرب و ذلك يتسبب له في أن يعيدها اليوم و غدا و بعد غد إلى أن يحقق الإشباع فيكره ما كان يقوم به من قبل من تصرف , كان ضحية لإستسلام جهازه التنفيذي الأنا لأوامر الهو الخسيسة ، لذلك المدمن عن العادة السرية يعتبر غير قادر على تحقيق التوازن بين مركبات شخصيته النفسية , لذلك بعض الحالات مثلا في البلدان العربية يعرضون على متخصصين نفساني لتوجيههم للإقلاع عن هذا السلوك الذي يخلف أثرا سلبيا على الصحة النفسية خصوصا عند الأفراد الذين يعيشون في مجتمعات منغلقة التقافة محدودة الإختلاف التي تحرم أو تجرم هذا التصرف و تعتبره غير أخلاقي ، فهذا يخلق للأسف صراع نفسي خطير من نوع آخر عندهم ، فلا يدرون أ يستجيبون إلى غرائزهم ، أم يرضخون إلى القوانين الميتافيزيقية لرجال الأديان و إلى عرف و قوانين المجتمع الثقافية ، فالأفرد الذين يكبتون غرازهم و يختارون الإختيار الأخير ، يتورطون في جرائم مثل اغتصاب القاصرين خصوصا . و هذا يكثر في المجتمعات الإسلامية التي تحرم و تنظر بازدراء لهذا السلوك الموجود فطرة في الإنسان ، فلماذا الحرج و الإحرج إذن ؟ و كمظهر آخر لاظطراب هذا المدمن هو أنه دائما ما يحاول تبرير سلوكه هذا و لسان حاله يقول لو كان عربيا مثلا " أنه لا يجد سبيلا لتفريغ هواجسه الجنسية لأن المجتمع محافظ و النساء مكسوات بالحجاب و النقاب و البرقع " ، الحقيقة أن هذه ذريعة لها دور في المشكل أيضا و لكن سنعلقها لمقال آخر لشرح دورها بإسهاب ... المهم نعود لصاحبنا من يبرر سلوكه الطبيعي بهذه الحقيقة الإجتماعية ( الحجاب تغليف المرأة بالسواد ، مجتمع محافظ ... ) كما يسميها علماء الإجتماع ، لنقول له أنه يتمسك بحبل قصير سرعان ما سيقطعه مقص الواقع ، فالتبرير هذا الذي يقدمه هذا المدمن العربي مثلا , من ناحية أخرى سايكولوجيا هو وسيلة من ميكانيزمات دفاع " الأنا " و هو "محاولة إيجاد سبب منطقي للسلوكات أو الدوافع عن طريق إعطاءها مبررات أو أسباب" ، و هذا ما يخفف وطأت تبعات هذا التصرف لحظيا و آنيا و سرعان ما يعود تأنيب و عذاب الضمير و هو ما يرهق هذ المدمن و يجعله ينحرف سلوكيا , في إشارة إلى أنه يعيش باستمرر مع شيزوفرينية ملازمة له ، و التي ملكته له ثقافة المجتمع الرجعية اللاإنسانية , لذلك العقاب الإجتماعي الذي يمارس على هذا المدمن هو الذي يتسبب في مختلف الإظطرابات النفسية عنده ، أكثر مما تتسبب فيه الواقعة نفسها التي ينظر إليها المتخصصون على أنها ممارسة طبيعية جدا .
أخيرا أقول يجب أن نحترم هذا السلوك في الإنسان ، و أن لا نفضح صاحبه أمام الناس ، خصوصا من طرف الآباء ، علينا أن نقتنع بأنه هاجس يسري في نفسيتنا و وجداننا و هو " الجنس " .. من جانب النصائح الطبية النفسية المقترحة هو ممارسة الرياضة و الإستماع للموسيقى ، و عدم استهلاك البورنوغرافي ، كما ينصح بالإنشغال بالمطالعة و البحث الإبداعي الفني ، فكل هذا ينسي الإنسان رغبته الجنسية لفترات ممتدة في اليوم . فكل هذه الخطوات تقلل فقط من عدد الممارسات لا تحدها و لا تنهيها . أما سيكولوجيا على قارئ هذه السطور أن يقوي ( أناه) و يرشد نوازع ( هواه ) و أن يستجيب لقانون أخلاقه و ضميره العليائي ( أناه الأعلى ) .