الحاشية على دين الحكام - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

الحاشية على دين الحكام

الحاشية على دين الحكام

  نشر في 16 شتنبر 2023 .

في دول العالم الثالث ؛ يلعب الحاكم دورا مركزيا في ادارة شؤون الدولة , الا ما شذ وندر , فلا قول الا قوله ولا رأي الا رأيه ؛ ولعل مقولة : (( اذا قال صدام : قال العراق )) تجسد هذه الظاهرة السياسية السلبية , وقيل ايضا : (( الوحدة بآمرها )) وهذه المقولات الصدامية البعثية لا زالت سارية المفعول الى الان ؛ اذ نرى الوزارة تعكس توجهات وزيرها الطائفية والقومية والحزبية والمناطقية ... ؛ وكذلك الدائرة بمديرها , والحكومة بحاكمها , والكتلة السياسية بزعيمها ... الخ .

وهذه الظاهرة تكشف لنا حقيقة علاقة الحاكم بالمحكوم والمسؤول بالمواطن ؛ فهي علاقة الى حد ما تشبه علاقة الغالب بالمغلوب , والسيد بالعبد , والامر بالمأمور ... الخ , وفي هذا الإطار، القضية المحورية التي يمكن أن نضع فيها كل تلك المقولات، على اختلافها ؛ هي : "التبعية العمياء " ؛ وهي تذكرنا بالمبدأ البعثي والطائفي الهجين الهدام : (( نفذ ولا تناقش )) والذي يشجع الحكام على الدكتاتورية والجور والظلم والاستبداد والقهر والتفرد بالقرار ... ؛ فهي ليست علاقة مبنية على الاحترام المتبادل بين المسؤول والمواطن باعتبار ان كليهما من ابناء الوطن الواحد ؛ وهما يعملان بروح الفريق الواحد , وكلا من موقعه وحسب وظيفته ؛ فلا تعالي في البين ولا استغلال ولا اخلال بالمسؤولية العامة كما هو الحال في بعض الدول المتحضرة .

الناس في مجتمعنا بطبيعتهم يميلون إلى تقليد الحكام , واتباع خطوات السلاطين , ومراقبة اقوالهم وافعالهم والعمل وفقا لما يروه منهم ؛ فأن كان الحاكم فاسدا او ظالما او متساهلا ومتسامحا مع الفاسدين والظالمين ؛ رأيت حاشيته والموظفين ؛ فاسدين وظالمين ومتساهلين مع قضايا الفساد والمظالم ولا يأبهون بها .

بل ان سلوكيات رجال الحكومة وتصرفات موظفي الدولة السلبية ؛ تنعكس سلبا على افكار المجتمع , بالإضافة الى تأثيرها السلبي على الرأي العام ومزاج الجماهير , مما يصير هذه الظاهرة السلبية ظاهرة طبيعية واعتيادية بنظرهم .

وهذه المقولة هي استنساخ وتكرار للمقولة التاريخية المعروفة : (( الناس على دين ملوكهم )) و التي تؤول تسويغا للاستبداد ومركزية السلطة وتهميش دور الشعوب وإرادتها , والجماهير وفاعليتها في صنع القرار الوطني ؛ وهي تمثّل حالة جبرية أو ظاهرة حتمية وفقا للثقافة المنكوسة ؛ اذ يراد منها استغفال الجماهير والضحك عليهم , وتعطيل طاقاتهم وشل اراداتهم ؛ ولعل اغلب مشاكل مجتمعنا بسبب هذه المقولات الباطلة والروايات التاريخية المنكوسة او التي فسرت بطريقة مغلوطة .

وقد ذكر أحد المؤلفين السينمائيين موقفا تعرض له في بداية مشواره المهني ؛ عندما اتفق مع أحد المخرجين لتصوير مسلسل من تأليفه , و قاموا بتصوير أول حلقة و عرضها على جهة الإنتاج , و كان رد المنتج بعد رؤية الحلقة : أن الإضاءة سيئة و الأداء باهت و النص غير مترابط و يوجد عيوب بالمونتاج , فقال المخرج : ( المهم أنه لم ينتقد الإخراج ) ... ؛غريب أمر هذا المخرج , كيف يظن أن أداءه الإخراجي ممتاز رغم أن جميع عناصر المسلسل ( التي يتحكم هو بها ) سيئة ؟!

يذكّرني هذا الموقف بما يدور في وزارات ودوائر ومؤسسات الدولة العراقية بل ومكاتب الاحزاب والجماعات الدينية ... ؛ حيث تجد العديد من أفراد امتنا العراقية المنقادين خلف الحكّام ينتقدون حاشية الحاكم والزعيم والمسؤول و يتهمونها بالفساد و أنهم سبب خراب البلد ودمار الوطن , و في نفس الوقت ينزّهون الحاكم والزعيم والمسؤول عن هذا الفساد ؛ متعللين بأنه صالح لكن من حوله هم الفاسدون !

يخطئ من يظن أنه يمكن فصل فساد الحاكم عن فساد الحاشية , فالحاكم قبل أن يصبح حاكما كان فردا في حاشية الحاكم الذي سبقه ؛ والحزب والكتلة التي كانت تصوّر له أن البلاد ستضيع بدونه و أن الله قد ساقه في هذا التوقيت لإنقاذها من الخراب ؛ و هم يعلمون أنهم كاذبون لأنهم هم من صنعوا هذا الخراب حتى يسيطروا على الشعب من خلال إيهامه طوال الوقت أنه تحت التهديد , و عند رحيل الحاكم السابق ؛ يتم تصعيد هذا الفرد ليحل محله , فهو إذا على دراية تامة بكذب و فساد الحاشية والحزب والكتلة , فكيف يدّعي البعض أنه لا يعرف شيئا عن فساد الحاشية والكتلة ( التي كان فردا منها ) ؟!

و نرى بعض الناس يحاولون تبرئة ساحة الحاكم والزعيم من هذا الفساد بدعوى أن الحاشية والكتلة قوية ؛ و أنه لا يستطيع القضاء عليها , و هم لا يدرون أنهم بقولهم هذا يهينون الحاكم والزعيم ؛ حيث يظهرونه بمظهر الشخص الضعيف الذي لا يقوى على إزالة الفساد , كما أنهم يناقضون أنفسهم : فكيف يكون الحاكم الشجاع المقاوم الواقف في وجه أعداء العراق والاسلام والمذهب والطائفة والقومية و الأمة العربية ... ( على حد زعمهم ) غير قادر على إزالة الفساد ؟!

إن الخطأ الذي دائما ما يقع فيه الثوار في أي زمان و مكان هو الفصل بين فساد الحاكم و فساد حاشيته فنراهم يثورون على الحاكم ثم يتركون الحكم لأحد أفراد حاشيته , و بعد ذلك يتعجّبون : لقد رحل الحاكم فلماذا لم يرحل الفساد ؟! ؛ وكيف يرحل الفساد والظلم ودوائر الدولة مليئة بالبعثيين والطائفيين والانفصاليين والخونة والمنكوسين ؛ بل ان مساحتهم في الحكومة اكبر من تواجد ابناء الشهداء والسجناء وضحايا النظام البائد ؟! (1)

ولعل سلوك الامام علي مع ولاة الامر السابقين ومنهم معاوية ؛ من الادلة الدامغة على ضرورة معرفة الحاكم بنوع الحاشية التي تحيط به , وتطهير جهازه الاداري من الفاسدين والظالمين ؛ اذ كان باستطاعة الامام علي تجنب الحرب ؛ بمجرد ابقاء ولاة الامر في مناصبهم وعدم التعرض لامتيازاتهم السابقة , الا انه لم يفعل ذلك ؛ لعلمه بحقيقة هؤلاء , ولم يداهن على حساب الحق والعدل والمساواة بين المسلمين والمواطنين كافة .

..........................................................................

1- فلماذا لم يرحل الفساد ! .. الحاكم والحاشية / عمرو يسري / بتصرف . 



  • رياض سعد
    كاتب وباحث مهتم في شؤون الامة العراقية ومعني بالدفاع عن الاغلبية العراقية وحقوق الانسان
   نشر في 16 شتنبر 2023 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا