الإعلام.. المسافة المهنية بين الأخلاقيات والفرصة..! - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

الإعلام.. المسافة المهنية بين الأخلاقيات والفرصة..!

يعد الاستثمار في مجال بناء منظومة من المبادئ الأخلاقية التي تستهدف حماية نزاهة الصحفيين هو استثمار متعاظم الأهمية لما يترتب عليه من تشكيل الوجدان الثقافي والمعرفي للمجتمعات، بالإضافة إلى انه يمكن أن يسهم في تحسين صورة الإعلاميين ويساعد على زيادة فرص نجاح الوسائل الإعلامية التي يعملون بها وزيادة احترام الجماهير للعمل الإعلامي..!

  نشر في 30 ديسمبر 2022 .

الإعلام.. المسافة المهنية بين الأخلاقيات والفرصة..!

بقلم/ محمد أحمد فؤاد

حدث كثيراً قبل الثورة السيبرانية أن ترامى إلى مسامعي مصطلح "السبق الصحفي".. كان هذا هو عنوان الإجادة والنبوغ لصحفي أو محرر أو جريدة أو مؤسسة إعلامية، أو هكذا فهمت مع بدايات هيكلة شغفي بالصحافة والإعلام بشكل أكثر تعمقاً.. إرتبط إهتمامي بالإعلام ودقة المحتوى تحديداً مع مرحلة الدراسة الثانوية، وقبل ذلك كان الأمر لا يخرج عن متابعة ما هو مثير أو مغري من الموضوعات المتعددة، وحينها كان التنافس على أشده في إنتقاء أفضل وسيلة لجذب القراء والمتابعين، هذا بالطبع جاء قبل بدايات الطوفان المعلوماتي المواكب للثورة السيبرانية التي أحسبها غيرت العديد من المفاهيم الإنسانية على المستويات كافة، وعلى إثرها حدث صعود مفاجئ وربما دونما استحقاق لبعض الوجوه ممن إحترفوا توظيف تلك الثورة وأدواتها المتعددة لمآرب خاصة أو لصالح جهات معينة تجني أرباح طائلة أو تحقق مكاسب نوعية جراء تلك الحداثة مترامية الأبعاد..!

أبدأ هنا من خانة الأخلاقيات التي أظنها إنحسرت كثيراً كنتيجة حتمية لإستسلام أغلب وسائل الإعلام لخدمة أجندات وتيارات معينة تعمل لمصلحة أفراد أو جهات أو هيئات مؤسسية وليس لصالح الهدف الأسمى للمهنة وهو نقل الحقائق والأخبار بهدف التعريف والتوعية وخدمة المتلقي العادي نظير أجر معلوم وتوفير أعلى مستوى من الحماية والحيادية والأمان للعاملين في هذا المجال..

أخلاقيات المهن الإعلامية ما هي إلا نظام مركب من مجموعة مبادئ ترشد وتوجه العمل الصحفي وقوانين الإعلام وتشريعاته، وهي التي تحدد بالضرورة ما يمكن القيام به في وضع معين، وهي في الأساس مبنية على قيم شخصية ومهنية واجتماعية، ويعد الاستثمار في مجال بناء منظومة من المبادئ الأخلاقية التي تستهدف حماية نزاهة الصحفيين هو استثمار متعاظم الأهمية لما يترتب عليه من تشكيل الوجدان الثقافي والمعرفي للمجتمعات، بالإضافة إلى انه يمكن أن يسهم في تحسين صورة الإعلاميين ويساعد على زيادة فرص نجاح الوسائل الإعلامية التي يعملون بها وزيادة احترام الجماهير للعمل الإعلامي، ومن هذه المبادئ ما يلي:

تجنب القيام بأي عمل يمكن أن يشكل إساءة لسمعة المهنة وكرامتها والعمل على المحافظة المستدامة على تلك السمعة والإسهام في بناء صورة إيجابية للمهنة...

رفض قبول الرشاوي أو الهدايا بالصفة الوظيفية، حيث يُعد هذا الفعل من أخطر الجرائم المهنية، فقبول الصحفيين ورجال الإعلام لأي نوع من الرشاوي أو الهدايا المباشرة وغير المباشرة هو أكثر ما يمكن أن يسئ إلى كرامة المهنة ومصداقيتها، ومن ثم احترام الجمهور لها، ومع ذلك فان هناك الكثير من المؤشرات على تزايد الفساد بين الإعلاميين في كل أنحاء العالم ومن بين أخطر أشكال هذا الفساد قبول الرشاوي المهنية.

الإمتناع عن قبول الهبات والامتيازات أو المعاملة التفضيلية أو الرحلات المجانية وأي شئ ذو قيمة مادية.. فمثل تلك الأشياء بالرغم من أنها قد تسير في أُطر مشروعة، إلا أنها حتماً ما تؤثر على الحيادية الشخصية التي يجب وأن تتوافر لدى العاملين في مجال الصحافة والإعلام.. وهذا في حد ذاته جانب سلوكي يجب الإنتباه له بشكل شخصي، ولا يندرج تحت بند الجرائم التي تستوجب عقوبات قانونية. فليس هناك أسوأ من أن يفقد رجل الصحافة والإعلام إستقلاليته أمام مغريات المادة...

تجنب الإنخراط في صراع المصالح تأكيداً على مبدأ الحيادية والشفافية، هذا وقد تطرقت بعض الأعمال الأكاديمية إلى عددا من الأنشطة التي يمكن أن تؤدي إلى صراع بين عمل الصحفي في الوسيلة الإعلامية وبين أنشطته الخارجية وعلاقاته، وكذا ارتباطاته بأفراد أو جماعات أو مؤسسات أخرى، وهذه القائمة الطويلة تضم الأنشطة السياسية والتجارية والإقتصادية وبعض مجالات العلاقات العامة، وتعد تلك منطقة شديدة الحساسية، حيث يمكن أن تحكم على حركة الصحفي بالشلل كنتيجة لصعوبة الالتزام بها وتطبيقها حرفياً...

عدم استعمال المعلومات للوصول إلى منافع شخصية.. منذ فترة تفجرت أزمة في داخل وسائل الإعلام البريطانية، حيث استخدم بعض الصحفيون ممن يقومون بتغطية الشئون المالية والاقتصادية ما يحصلون عليه من معلومات بعضها سري للغاية للمضاربة في البورصة وشراء الأسهم والسندات وبيعها، وكذلك التجارة في العملات مما مكنهم من تكوين ثروات طائلة، كما يقوم بعض هؤلاء الصحفيون أيضاً باستخدام هذه المعلومات في تحقيق أرباح مادية قبل أن يتم نشرها في الصحف أو إذاعتها من خلال وسائل الإعلام بشكل لا يخلو من الإبتزاز...

حظر تعامل الصحفيين مع أية جهات خارجية أو داخلية خاصة أجهزة الإستخبارات.. ويظهر لهذا المبدأ عدة معضلات أساسية منها تعاون الصحفيين مع مؤسسات السلطة والحكومات والأجهزة الأمنية، فالصحفي بدوره يحصل على كثير من المعلومات من جهات حكومية وأجهزة أمنية، الأمر الذي قد يتطلب صياغة التحقيقات الإخبارية بشكل ما مرتبط بمساعدة هذه الأجهزة على أداء عملها..! لذا هناك اتجاه واسع وقوي يرى أن الصحفيين يجب أن يكونوا صحفيين فقط، وأن وظيفة الصحفي هي كتابة الأخبار بتجرد وحيادية، وليس كتابتها أو صياغتها لتساعد أو تخدم جهات معينة، وأن أية صفقة من هذا القبيل يعقدها الصحفي مع أي جهة رسمية سوف تفقده حتما ثقة مصادره الأخرى، وبالتالي تتقلص مصداقيته وتتراجع الثقة في أنه سيحافظ على وعوده بعدم الكشف عن هواياتهم.. هذا وهناك أوجه أخرى للتعاون مع الحكومات والأجهزة الأمنية تؤدي إلى تراجع ثقة الجمهور في وسائل الإعلام، منها نشر كل ما تريده الأجهزة الأمنية بكثافة ودونما تدقيق، وايضاً بدون وضع أية رؤى نقدية أو عرض للرأي الآخر، أوالامتناع عن نشر أخبار الذين يتم اعتقالهم أو إصدار أحكام بالإدانة تجاههم في ظروف معينة وطمس معالم أي دفاع مشروع عن هؤلاء أو مجرد عرض وجهة نظرهم...

الأخطر من كل ذلك هو أن أجهزة الإستخبارات في كثير من الدول تقوم بتجنيد الصحفيين للقيام بأعمال تجسس تحت ستار واجباتهم المهنية، ويعد هذا تصرف إجرامي لا يقل في خطورته عن الجاسوسية، ولابد من إدانته لأنه يقوض مبادئ نزاهة المهنة ويحولها إلى مجرد ستار يخفي أغراض لا أنسانية، كما يمكن أن يعرض الصحفيين الآخرين للشكوك والإيذاء البدني وربما التصفية الجسدية تماماً كما حدث مع الصحفي السعودي جمال خاشقجي.. وقد أهابت لجنة ماكبرايد في تقريرها لليونيسكو عام 1981 بالصحفيين أن يحذروا من هذه المحاولات ، كما دعت الحكومات إلى الامتناع عن استخدام الصحفيين لأغراض التجسس، إذ يعتبر هذا السلوك من أخطر ما يؤثر على استقلال وسائل الإعلام و الإعلاميين، وأن كل الإعلاميين وكل الوسائل الإعلامية لابد أن تدين هذا السلوك كما يحق للوسيلة الإعلامية فصل الصحفي الذي يثبت أنه غير مستقل بدون تعويض أو التزام بشروط التعاقد بالإضافة إلى عدد من العقوبات المهنية الأخرى...

هذا ومما تقدم، فوجوب الحيادية والشفافية في العمل الصحفي والإعلامي هو أمر يخضع بشكل كامل لضمير الشخص وإختياره.. وإذا ما كان هذا الإختيار ينطوي على غرض شخصي أو توجه للإنتفاع بأي شكل، فهذا يسقط تماماً أي إستحقاق لهذا الشخص من الأهلية المهنية ويضعه في خانة المرتزقة حيث قد تخدمه الفرصة مرة، لكنه سيتعرض للسقوط المستمر مرات ومرات..!



  • mohamed A. Fouad
    محمد أحمد فؤاد.. كاتب حر مؤمن بحرية الفكر والمعتقد والتوجه دون أدنى إنتماء حزبي أو سياسي.. مهتم بشأن الإنسان المصري أولاً..!
   نشر في 30 ديسمبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا