حر أنت في عُزلتك.. لا أحد يستطيع خرق هدوئك ولا مزاحمته بضجة واهية، لا أحد يستطيع الاستهانة بصمتك فهو وحده الذي يؤكد على ثباتك النفسي، أفكارك وأحلامك سيكونان بمعزل عن النوايا المسمومة. حر أنت لأنك اخترت الأكتفاء بعالمك الصغير الذي تملؤه الثقوب..
حر لأنك ما عدت تنتظر شيئاً لا من الواقع ولا من الفضاءات الزرقاء.. حر أنت في عُزلتك لأن ذاتك بعد صراع طويل معها قد أيدت قرارك، قد فهمت أخيراً جدوى فكرتك.. أن تكون مهوسا بالعدم.. ضائعا في الخيال خير من البقاء داخل عوالم افتراضية جُل عملها أنها تلتهم الذات حتى تصير خرقة، حر أنت في عُزلتك لأنك ما عدت تعول على شيء أو أحد سوى نفسك.
الذات التي كانت مقيدة بسلاسل كعبد - خلف صناديق حقيرة - أصبحت الآن حرة.. حرة من كل سخافة ومن كل جدال عقيم ومن أشخاص قد تولوا تقسيم أنفسهم تحت تخصصات تخص الله وحده! حر أنت لأن قلبك ما عاد يتساءل من الذي يحبك ولازال باقيا على عهده ومن الذي أصبح يأنفك؟ لكن للقلب حاسة استثنائية فهو أدرى بأهله دوماً حتى لو لم يكن هناك وصال. حر لأن عقليتك ما عادت تتأثر بالنحيب و"الولولة" على العمر المهدور والأشياء الضائعة .. الأصح أن تنتحب داخلك فلا فائدة من العويل أمام الناس، ولا تعول على ربت الأصحاب، فلن يخففوا من جراحك بل ربما ستزداد عندما يواسيك أحدهم بجمل قد فقدت معناها من كثرة التداول، فهو لا يدري حقا بماذا تشعر، أو ربما يدري لكنه اختار الطريق السهل. سيتخذ آخر مآسيك كذريعة له في نفش ريشه الملائكي ويظل يهرتل لإثبات مواعظه، فتطمس أنت وأحزانك ويظهر هو كالبطل المنقذ من الضلال.. أرأيت أنك كنت ومازلت تعري مشاعرك عبثاً؟!
ثم متابعينك لن ينهالوا عليك بالسؤال عندما تغير صورتك وتضع بدلاً منها سواد أصم، ولن يزيد عددهم عندما يحترف قلمك الكتابة السوداوية.. ستظن بادئ الأمر أنهم يحبون حزنك الرقيق لكن في الأخير سيغادرون وهم يلوكون في سيرتك فأنت في نظرهم مريض بالاكتئاب وربما ستصيبهم بعدوى! أنه فخ مواقع التواصل الاجتماعي الذي يظنه الشخص المتعب راحة له وعلاج جدير كونه يُلقي بكل أحماله على حوائطه، أنا سقطت فيه من قبل لكن صدقا اكتشفت أنه لن يأبه أحد، فالكل متعب وكل شخص مصمم على أن يربت عليه أحدهم دون أن يعطي أو أن يلتفت إلى مآسي غيره وتلك هي المعضلة!
"العزلة ضرورية من وقت لآخر ، لتعيد ترتيب أفكار يبعثرها الأغبياء من حولك. - جيم غاريسون.
هناك فيض من الحنين يود لو أن يتجسد ويحكي معاناته عن اللذين يظنون أنه ولى فاستحال ترابا، الحنين لا يموت فهو باق ومتجذر في قلوب الذين يؤمنون بصيرورته، فبإمكانك أن تنعزل وتعود إلى الماضي كيفما شئت، بإمكانك أن تكتفي بكتبك، بموسيقاك، بجلسة الشرفة العادية وقت الغروب، بتأمل الليل ونجومه على صوت أم كلثوم.. بإمكانك أن تعيش الحياة بسلام وبكل صورها البسيطة كما تريد، فلست مضطرا لأن تكون قطعة دومينو أخرى!
في النهاية هي مسألة إرادة وكل أمرئ حر فيما ترتاح له ذاته، أقول ذلك لأنني تعرضت - وكثير من الناس - لأحكام كثيرة مسبقة إثر الانعزال المتكرر لمواقع التواصل! الحماقات ليس لها حدود، ولكن كما أشرت مسبقا عندما تتحرر الذات من قيد ما فلا شيء بعدها سيحدث فرقا، لكن إياك بعد أن تهنأ ذاتك بمرحلة السلام النفسي أن تعود إلى هُراء الحياة الافتراضية مرة أخرى، لأنك بذلك ستمحي كل الأيام التي قاتلت فيها وحدك من أجل لحظة حنين خادعة.
_ ولاء عطا الله
-
Walaa Atallahكاتبة ومدونة مصرية.