كهرمانة .. حكاية مجتمع - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

كهرمانة .. حكاية مجتمع

  نشر في 07 أبريل 2018 .

كهرمانة محمد عمر، 12 سنه بنت تربت وسط المقابر بطريق مصر إسماعيلية، بعدما جاء أهلها من أحد نجوع مصر الوسطى طلباً للقمة العيش حيث أنها وحيده أبويها اللذان يحبان بعضهما البعض، ويقدران مشاعر وإحترام بعضهم رغم تعليمهم المتوسط.

تعيش كهرمانة فتره صيف بعد إجتيازها الصف الخامس من التعليم الأساسى وحصولها على المركز التانى فى نتيجة الإمتحان، لون بشرتها أبيض وشعرها أسود مسترسل، وعلى عكس العادة تعودت أن تتكلم كالكبار ، عندما تأتى جنازة إلى المقابر من جنازات أولاد الزاوت كما يسمونها فى مصر.

كانت تنظر إلى الصغار أولاد أصحاب السلطه والنفوذ بعين الأمنية وتحلم أن تكون مثلهم رغم أن أهلها بسطاء يعيشون على مرتبات بسيطة تأتيهم جراء حراسة المقابر لأصحاب العائلات، وكانت تبيع لزوار المقابر فى الجنازات والمواسم السجائر، وبرغم أنها بائعة إلا أن الأناس جميعهم كانوا يعاملونها بقدر من الإحترام، ليس لأننا عالم مثالى، ولكن لأنها كانت أية فى الجمال وترتدى لباسً نظيفً منمقً، حيث كان يبلغ طولها حوالى مائة سنتميتر، وزنها 35 كجم، وتتمتع بصحة جيدة، وليس لها أى معتقد سياسى، كل ما تعرفه أنها خارج نطاق حسابات العالم الخارجى، الذى تسعى جاهدة لدخوله فى المستقبل القريب، والتميز فيه بفضل طموحها، وكثيراً ما كانت تستمع إلى أغانى الأندرجروند تلك الأغانى التى فيها إيحاءات بالأمل والتفائل.

شخصيه عنيدة تحب الحاضر وتثنى على الماضى، إن كان سعيدً، وتشفق على أطراف مواقِفِهِ إذا كان أليمً

، وأكبر مخاوفها فى الحياة هى العيش طول عمرها بالمقابر مثل أهلها رغم رضاها النفسى نظراً لحالة أهلها الإجتماعية، تريد أن تبرهن للجميع أن الحالة المادية لأى أحد ليست عائقً فى مشوار نجاحه، ورغم بعض السقطات التى حدثت بحياتها بعد معرفة الأخريين أنها تسكن المقابر بعدما كانوا يكنون لها كل إحترام، تحدث بعض المفارقات فى حياتها، والتى تحولت بعد حصولها على الشهادة الجامعية، من كلية الأداب قسم صحافة، وعملها بالإعلام كمقدمة برامج إذاعية وإكتتشافها الفرق بين الدراسة فى الجامعة والعمل، وتيقنها بأن الحقيقة يمكن أن تقال فى أكثر من شكل لإرضاء أخريين، وبالفعل يتجه فكرها العملى إلى هذا المسار حيث تسير مع من صاروا قبلها.

فى هذه الأثناء تذكرت موقف لها، وذلك بعد إجتيازها الصف الخامس بنجاح باهر، وتقرر إدارة المدرسة عمل زيارة لها فى مسكنها، ويتفاجئوا بها بين مقابر ولاد الزوات، وفجأة يتحول أغلب من أتى لتهنئتها مائة وثمانون درجة من إحترامها وتحفيزها إلى مقتها وإبغاضها ومغادرة المكان مع قليل من الكلام الذى يوحى بإنكارها إجتماعياً، إلا "بثينة" تلك البنت التى كانت دائماً تكن لها كل إحترام وتعتبر هى الوحيدة التى كانت تعلم أنها تسكن بالمقابر، بل وتبيع السجائر لكل من يرتادها، وتعتبر"بثينة" أبنة لعائلة أرستقراطية غنية.

قبيل بداية العلاقة بين "كهرمانة"و"بثينة" كانت جدة الثانية تَوَفَت، وقادت الصدفة الأحداث عندما ذهبت "بثينة" للمقابر لإلقاء النظرة الأخيرة على الجدة، أثناء مراسم الدفن، وهنا وقعت عين "بثينة" على "كهرمانة" وهى تبيع السجائر لبعض أقاربها، وهنا بدء العلاقة بينهما.

فى اليوم الثانى، فى المدرسة تقابلا الإثنان فى فترة الراحة بفناء المدرسة، وأخبرت "بثينة" زميلتها "كهرمانة" بأنها رأتها بالمقابر وهى تبيع السجائر لأحد أقارب عائلتها فى مراسم دفن جدتها، ودُهِشت بثينة من أسلوب"كهرمانة"، فهى لاتحاول الإفلات من السؤال أو الإنكار كما توقعت، فأجابتها بأنها أيضاً تسكن بهذه المقابر، وهنا فقط قررت الإثنتان إبرام عقد صداقتهما.

دامت صداقتهم لسنين حتى وصلت الإثنتان للمرحلة الجامعية، ومازالوا محافظين على عقد صداقتهما، وفى أخر سنة تقدمت"كهرمانة" لتدريب بأحد محطات الراديو المعروفة فى مصر، والتى قلما تقيم تدريب يتخلله فرص للمواهب الإعلامية الشابة، وعرضت على"بثينة" التقديم معها إلا أنها تمنّعت وتمنت لصديقتها التوفيق كالمعتاد، وكانت الفاجعة الكبرى للإثنتان.

كانت فاجعة لـ"بثينة" عندما علمت بأن "كهرمانة"إجتازت التدريب، بل ووقع عليها الإختيار بأن تقدم برنامج بالراديو، وبلا منافس فهى فعلاً موهبة إعلامية فذة، وذلك بناءً على محصلة تقديراتها بكل تدريب وإختبار إجتازته بجدارة.

أما عن الفاجعة الأخرى فكانت لـ"كهرمانة"، عندما لاحظت غضب "بثينة" ومقتها لها وثورانها عليها، فقد كانت تختزن بداخلها طاقة شريرة لا تعقل، أهى مجرد غيرة منها أم ماذا؟

نفذت مدة العقد المبرم..

وتحولت الصديقتان إلى أعداء لم تعرف "كهرمانة" لماذا؟، ولكن صديقتها، أقصد من كانت صديقتها، كانت تعرف، فـ"بثينة" كانت تكن لها الود والإحترام من يوم عرفتها من باب الشفقة عليها، لا الإحترام القائم على الفكر، وكانت دائما تساندها معنوياً، مُصورة لها أنها الملاك الحارث لها فى أزماتها، وذلك من وجهة نظرها ولكن الحقيقة أن "بثينة" من صغرها كانت تعانى من مسبب نفسى يجعلها تشعر بالشفقة على الفقراء، ومردود ذلك أن أبويها كانوا يتركوها لفترات طويلة تجلس مع "رتيبة"الشغالة، وزوجها وأولادها، وأحياناً "عبدالسميع" المكوجى، ويصح القول أن نقول أنها تربت فى ذلك الوسط، وعندما يتجمع ذلك الشمل من الطبقة المعدمة فى المجتمع، تبدأ سيمفونيات الشكاوى من الحياة وضيق الحيلة وقلة المال، تتوالى كقذائف نارية لا تخمد كالبركان.

لهذا السبب ترسخ داخلها شعور الشفقة لكل من ينتمى لهذه الطبقة، ولكن عندما يريد أحدهم أن يعلو برأسه ليصبح ما يتمناه، تشعر تجاهه نفس شعورها تجاه من كانت صديقتها.

تُرى هل هذا مسبب نفسى لمرض فعلاً؟ أم أنه الواقع؟ أم أننى مريض بمبدأ "المدينة الفاضلة" لإبن خلدون الذى يرسخ لفكرة السمو والحياة الأفضل لجميع البشر؟.



   نشر في 07 أبريل 2018 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا