ستقول لي على مضض،أنّ القصة ذاتها تتكرر :
بين دفتين ، يضيعُ فتى ،
يُشغفُ حبّاً بما يتكشف له من عوالمَ لا يدري من أين تنبثقُ له،
ويكأنها انبثقت على حين غرّة من ثقْبٍ أسودٍ عابث مُتطلعٍ للحياة،
يداعب تلابيب عقل الفتى ، فيملأها بالحيوات بشغف.
أجل القصة ذاتها تتكرر و ستتكرر دوماً ، كلُّ من (يختار) أن يُمسكَ كتاباً
و يفتح دفتيه سيغرق لا محالة ، في بحرٍ لؤلؤيّ القِوام .
ذلك -و إن كنتُ لا أملك أن أقيمَ دليلاً-،إلا أنني أؤمن أنّ للكتبِ أرواحاً ،أو سرّاً كونيّاً عجيباً أودعها الله بها ، فاستحقت الأمرَّ السماوي الأول "اقرأ".
بيدَ أنّ ذلك لم يثبت –أقصد أمر الروح-،
قال ابن الأعرابي واصفاً كتبه:
هم جلساءٌ ما تملُّ حديثــــهم أمينون مأمونونَ غيباً و مشهداً
فإن قلت أمواتاً فلست بكاذبٍ وإن قلـــــتَ أحياء فلستُ مُفنّدا
نعم ليست للكتب أيدٍ أو أرجل، تسير بها بين الخلائق وتخبرهم أنها تحبهم حبّاً جماً،لكن من ذا الذي يُفندُ أنَّ الكتبَ حيّة في خُلدِ من يقرأها ، فها هو قارئ بيجوفيتش يرقب أفكاره تنمو بداخله فتزداد طولاً ووزناً و عمقاً مع الأيام، و قارئ غوستلاف لوبون يشعرُ بأفكاره تتقافزُ كأطفال الحي في دواخله كلما رأى جمعاً من الجماهير،وها هي أقاصيص الرافعي تذابُ و تدمغُ في خلايا قارئه ، فيصبح الأخيرُ رقيقاً هائماً في الوجود.
و في معرض ذكر ابن الأعرابي ، أوردُ هنا لطيفةً له ،
يقال أن أحد الخلفاء استدعاه ليسامره ، فلما جاءه الخادم وجده جالساً يقرأ في كتبه ، فأخبره أنَّ أمير المؤمنين يستدعيك،فقال له:
عندي قومٌ من الحكماء أحادثهم –يقصد كتبه-، فإذا فرغتُ منهم حضرت 1
أنتَ حيٌ بالقراءة ، لا أدري كنهَ هذه الحياة –تماماً- ،ولكني أعرفُ أنها بين الدفتين –تماماً-.
______________________________________
المراجع:
1 القصة واردة في كتاب من روائع حضارتنا