هل ماتت الدراما الكلاسيكية حقاً ؟! - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

هل ماتت الدراما الكلاسيكية حقاً ؟!

Avengers : Endgame

  نشر في 29 أبريل 2019  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

أولاً وقبل أي شيء أود التأكيد على إحترامي الكامل لكافة الآراء والأذواق الفنية على إختلافها وتبايبنها واعتقادي التام بعدم أحقية أيِ أحدٍ في أن يَحْجِر على رأي شخص آخر يجد سبيل متعته في نوعٍ معين من الأفلام .. لذا فالسطور القادمة تعبر عن وجهة نظر كاتبها فقط ليس إلا ..

الأفلام التُجارية ليست وليدة الألفية الجديدة بل تأتي جذورها قديماً منذ العقود الأولى لوجود السينما ..

فيلم Avengers : End game أحد تلك الأفلام التي حققت أرباحاً خيالية في الأيام الماضية لكن يبدو أن ردة الفعل عليها غدت متباينة أو على الأقل ظهر من ينتقد نوعية تلك الأفلام ويُسخِّف من عقلية محبيها .. !

لكن لما بدا الضجر واضحاً هذه المرة ؟ ربّما بسبب النجاح الهائل الذي حققه الفيلم في أيام صدوره الأولى واعتلائه مقدمة الأفلام على موقع Imdb متفوقاً على تُحف سينمائية ضمّت في داخلها معانٍ وأفكاراً أكثر قيمةً .. لذا تحوّلت صُحف الإنترنت إلى حلباتٍ يبدي فيها كلا الفريقين دعائم تُثبت آراءهم الخاصة تجاه الفيلم .. منهم من يُبالغ في تقديره إلى الحد الذي جعل أحد أصدقائي يُقارن العمل - من حيث المضمون - بأعمال روبيرتو بينيني وفرانسيس كوبولا بل وأصبح حتى يُضفي معانٍ أخلاقية وفلسفاتٍ عميقة لأفعال الشخصيات نعلم جيداً أن كُتاب الفيلم لم يقصدوها البتة .. وعلى الجانب الآخر أجد فصيلاً ينعت محبي السلسلة بالأطفال ومنزوعي العقل وبالتأكيد الرأيان ينمان عن تمسك جامد وتفكير نخبوي حاد وحيادية لا وجود لها من الأساس ..

قديماً اكتسبت الدراما محركاتِها من صراع حي لشخوصٍ من لحمٍ ودم .. وكلما توغل الصراع ولامس مناطق أعمق في شعورنا كلما حقق العمل نجاحه المطلوب .. فكيف يتحقق الفيلم - على الأقل من الناحية النقدية - دون صراع يحاكي القلق الإنساني يتأثر به المشاهد ويترقب نتيجته بل وربّما يدفع بالتوقعات التي تنتصر فيها إرادته ؟ .. وسواء انتصر الخير أو لم ينتصر وتركنا الفيلم في بؤرة من الألم والإنكسار فإننا نعترف بحبنا للفيلم لأنه إما أرضي رغباتنا الغريزية أو قام بتعرية جانب من الحياة أكثر سوداوية مما ظننا ..

لكن الآن الأفلام التي تُسيطر على السوق السينمائي - وأعنى هنا سوق المشاهدة الجماهيرية بخلاف المهرجانات الفنية - أفلام تفتقد إلى هذا المعنى .. بالتأكيد هي أعمال جيدة الصنع وأكثر امتاعاً وكذلك كُتبت على جانب جيد من الدراما المصقولة بعنايةٍ جعلت كثيراً من مشاهدي الفيلم يبكون في قاعة السينما .. لكن علينا الإعتراف أن ذلك الإنحراف في الذوق الجماهيري يُحبط بعض صناع السينما الذين شغلتهم كينونة الإنسان ومآلاتِها النفسية .. هؤلاء الذين بمقدورهم قضاء فترة طويلة في ضوء النهار لتصوير مشهد يعبر مثلاً عن كلل عجوزٍ بصدد قضاء مهمةٍ ما في يومٍ قد ضربته الشمس والزمن والحياة معاً .. ذلك لا يُقارن بأعمال تُنتج بأكملها في استوديوهاتٍ مكيّفة ببرامج كومبيوتر حديثة تكاد أن تَسْخر من كواليس تصميم مشاهدها وتجميعها في فيلم واحد لا غرض له سوى التسلية والترفيه ..

لا أقول أبداً بضرورة التوقف عن إنتاج تلك الأعمال بل على النقيض تماماً أنا داعم لهذه الأعمال لأهميتها الفردية المتمثلة في هدم الأعباء الشخصية وقضاء وقتٍ ممتع وكذلك لها منافعها العامة بتلك الإيرادات التي تُساعد في دوران عجلة الصناعة الفنية بكافةِ أنواعها وكذلك لأنها تعتبر مصدر الدخل الرئيسي لفنيين وعُمال ينتمون إلى الطبقة المتوسطة .. الأمر كله أَختزِله في ردود الأفعال المُبالغة في تقدير تلك الأفلام بشكلٍ يتافي تماماً مع الغرض من صناعتها ويُحَمّلها فوق ما ينبغي بل وربما تصبح الدراما الواقعية المستمدة من دواخل الإنسان أكثر مللاً وأقل جدية في يوم من الأيام ! افتقاد السينما الأمريكية لأيةِ أفكارٍ ثورية أو طليعية والإهتمام فقط بالجانب التقني والإبهار البصري لا أجد توصيفاً له سوي أنه متعةٌ بالفعل لكنها تنقطع يوماً مخلفةً وراءها احباطاتٍ لآخرين من المُبدعين الذين لا يجدون من الجمهور ما يستمع لقصصهم وأفكارهم ويتفاعل معها مثلما يفعل مع أفلام هوليوود أو حتى من سُبل الإنتاج بعد أن ضُخَّت بأكملها لصالح تلك الاعمال بسبب ضمان عائدها التُجاري .. فتظل أعمالهم - إن خرجت للنور - حبيسة بين فئةٍ قليلة من الناس وبضع سطورِ ثناءٍ في أحد المحافل الفنية !

في الخمسينات وقف أحد المخرجين في مؤتمر عُقِد في مدينة بارما بإيطاليا وأعلن موت الواقعية الإيطالية بكل صراحة وصرامة في آنٍ بعد الركود الفني الذي شهدته أفلام تلك الموجة .. فتَحَوُل جمهور السينما وعزوفه عن نوع معين من الفن أمرٌ طبيعي .. وما يحدث حالياً ربّما يفسره بعض الغيورين على مستقبل الإنتاج السينمائي بنذائر لتمكين الأعمال الرقمية التجارية في الفن .. نذائر بموت الصراعات التي تشغل النفس الإنسانية وصعود صراعات أخرى تشتت وتُنسي الأعباء ولا تُثري مُشاهدها بأية أفكار أو مشاعر حقيقية تنمو بداخله .. نذائر - ربّما يسعنا القول - لموت الدراما !


لقراءة مقالات سينمائية ونقدية تابع على :

https://www.facebook.com/Cinematic-light-%D8%B3%D9%8A%D9%86%D9%85%D8%A7%D8%A6%D9%8A-289948351572071/



  • 1

   نشر في 29 أبريل 2019  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا