هذا الملخص كتبته سنة 2020 بعد مشاهدتي للمسلسل وأنا نادم على إضاعة كل ذلك الوقت في المشاهدة وإن كانت الأحداث والحبكة متقنة بشكل كبير

هناك نوع من الكتب بمجرد ما تنهتي من قراءته تنتابك رغبة جامحة في فتحه من جديد، نفس الشعور راودني حين اقتربت -آنذاك- من انهاء حلقات الموسم الأخير لمسلسل دارك الألماني من إنتاج نيتفليكس، للأسف لا أمتلك وقتا كافيا لفعل ذلك، تكفيني الساعات الطويلة التي قضيتها في متابعة حلقاته الستة والعشرين.

المسلسل يمكن إدراجه ضمن أعمال الخيال العلمي والحركة والجريمة في آن واحد، مخرج السلسلة أخذ كل وقته في الاهتمام بكل التفاصيل، بدءا من الموسيقى التي كانت رائعة، وحتى أغنية الشارة تدمن عليها بسهولة، ولا تبحث عن زر التخطي المعتاد، السلسلة ينصح بمتابعتها عبر سماعات عالية الجودة لعدم تفويت دقائق التفاصيل الصوتية مثل خشخشة الأغصان، ودوران العجلات على الإسفلت الألماني، قوة العمل الفني الكبيرة في القصة والسيناريو أكبر من المؤثرات الخاصة، وحتى نهايتها القوية والمحكمة تبعد فرضية أن الكاتب والمخرج بدآ السلسلة دون علم بنهايتها كما حصل في مسلسلات مثل لعبة العروش والمفقودون، وإن كان المنتج توفق بشكل كبير في تغيير درجات الألوان المناسبة لكل حقبة زمنية، هاته الإستعانة رافقها أحيانا عدم ذكر سنة الأحداث التي يفهمها المشاهد مباشرة من الصورة العامة.

القصة تبدأ بسيطة وتبدو للوهلة الأولى كلاسيكية مكررة : إيقاع بطيء بمدينة ألمانية صغيرة قربها مفاعل نووي، تبدأ أحداث المسلسل مع اختفاء مراهق، نكتشف سريعا أنه كان يتعامل مع مروج للمخدرات، ثم تتسارع الأحداث رويدا رويدا وتتعقد الأمور وتزداد الصعوبات وكأنك في لعبة آر بي جي، الجميل أيضا أنك في كل مرة تظن أنك قادر على توقع الأحداث يفاجئك المسلسل بمنحى جديد مغاير تماما إلى أن تفقد فجأة القدرة على التنبؤ بأي شيء.

المسلسل يُشاهَد بوضع ملء الشاشة، مع تركيز كامل للقدرة على متابعة الأحداث، صحيح أن عدد الشخصيات ليس كبيرا كما هو الأمر في لعبة العروش، فأبطال المسلسل ينتمون إلى أربعة أسر رئيسية فقط، وبضعة أشخاص آخرين، لكن تداخل الأحداث مع بعضها، والانتقال أولا عبر خط الزمن، ثم الانتقال بين عوالم مختلفة يفرض على المشاهد أن يكون حاضرا تماما.

ما يمز المسلسل أيضا هو عدم اعتماده على البطل الواحد أو السوبر هيرو، وإن كان هناك حضور نسبي قوي لبعض الأشخاص في بعض الحلقات، كما أن مفهوم بطل الخير وزعيم الشر صعب تحديده، وهاته الأمور صرنا نتعود عليها في مجموعة من الأعمال الفنية التي صارت تقترب أكثر إلى طبيعة الإنسان التي فيها مزيج من الخير والشر، خليط من القوة والضعف.

تفاصيل بسيطة ممتعة أيضا خلال المسلسل خلال عرض مثلا للتلاميذ عن الثقوب السوداء، والثقوب الدودية، وبعض المفاهيم عن فيزياء الكم، ونسبية الزمكان، كما أن المسلسل نجح بشكل كبير في نقل المشاهد عبر الأزمنة عبر مراعاة كل تفاصيل المرحلة، من قصات الشعر إلى الملابس والسيارات والعادات وبرامج التلفزيون وغيرها. تحفظي الوحيد والكبير على المسلسل، هو عدم ملاءمته للجمهور الناشئ، وإقحام مجموعة من المناظر التي لا تناسب الثقافة العربية والإسلامية، وصار مستحيلا تقريبا أن يخلو عمل فني من تلميحات عن المثلية والمتحولين الجنسيين، هذا الإقحام هو نتيجة ضغوطات مادية ترويجية بالأساس.

مرة أخرى لست خبيرا سينمائيا لكن كأي مشاهد يحق لي أن أقيم أي عمل شاهدته، أعطيه تسعة نقاط من عشرة، المسلسل كان سينال العلامة الكاملة لولا النقطة الأخيرة التي أشرت إليها، طبعا لفهم كل أحداث المسلسل وتفاصيها يجب الاطلاع على مراجعات المختصين إما عبر اليوتيوب، أو عبر مقالات مفصلة عن الشخصيات وخطوط الزمن.