للأردن رب يحميه!
هيام فؤاد ضمرة..
لا ينفكون يحيكون المؤامرات ويغسلون عقول الشباب لاستخدامهم وقود لعملياتهم الخبيثة وتخريباتهم المعادية، فيحاولون قلب ظهر المجن بأساليب ممجوجة ومستقبحة، تستنكرها النفس الإنسانية وتأباها العقول الفهيمة، بقصد الإمعان بالتخريب والقتل والتدمير وقلب نظام الحكم بالبلاد بالأساليب الشيطانية، فينساق لهم الشباب غير الخبير مستغلين روح الثورة داخلهم واستعدادهم التلقائي لتشرب الأفكار والتضحية بالأرواح، وهو يظن نفسه يقوم بعمل عظيم سيشكره عليه الناس.
ونتيجة للفكر المتطرف تحت غطاء الدين فكم من شباب تتوه في عتمة التطرف الظلامي، وتغرق عقلها في أجندة الإرهاب مستبيحة دماء الأبرياء، ومستنكرة حق الحياة على من يخالفونهم، وتسير عكس التيار الإنساني المسالم ظانة أنها تلتقط بيدها أيقونة سحر التغيير ونشر العدل ومنح الحقوق.. فأي حقوق هذه التي سيحضرها تفجير الأماكن المكتظة بالناس وقتل الأبرياء الآمنين المنهمكين في شؤون عيشهم..؟
إنها لفتنة ليست بالراكدة؛ ولكنها تتخذ ألوان المكان وتحبو بالظلام والزوايا المخفية كالأفاعي وهي تحمل سمها بنابها، لتزيد على الناس ظلاماً وإيلاماً، وعجزاً وإعاقة، وتخطط بعقول شريرة وهي تكبِّر بإسم الواحد الأحد، وتهلل بالتسبيح والتعظيم لتمنح اجرامها وجها مؤدلجا وكأنه من صميم الدين والشرع.
ينوء الوطن الأردني الصغير بحجمه؛ الكبير بقيمته، تحت الكثير من الأحمال؛ والكثير من الأعباء، ويواجه فئات اجرامية تختلف وتتنوع في اعتدائها عليه وعلى مصير حياته ومستقبل أجياله، فلا خزينته من العبث سالمة، ولا أرضه من خبث المخربين بعيدة، والمواطن المسكين وحده وقود نيران الطرفين، كلٌ يوجه إليه سنان حرابه، فهو واقع بين فكين بأنياب وقواطع يقضمان أطرافه من كل جانب، ويحولانه إلى مشروع لممارسة العنف عليه بأشكاله وأصنافه، فإن خربوا بالبلد وسرقوا ميزانيته فالإصابة بقلبه هو، وإن تحركت الفئة الظلامية المخربة فالرصاصة لا تصيب غير صدره العاري بنفس اتجاه قلبه أيضاً، فماذا بيد هذا المواطن المنذور للقهر والموت سواء بسواء، هل يكفيهم أن يغرز برأسه بالتراب لا عين ترى ولا أذن تسمع ولا لسان يلهج؟
وما أكثرهم أصحاب العقول البليدة والأذهان المغلقة التي سرعان ما تسقط في الهوة المظلمة العميقة، فأي روح شريرة هذه التي تعبث بالأرواح وتقتل الإنسان المسالم الغافل، المسترسل في شؤون حياته ومتطلبات أسرته، وأي روح شريرة تلك التي تحاول بكل وسائل لؤمها وكيدها أذيته، دونما سبب ظاهر ولا حتى بالقدرة الغافلة المتظاهرة بالسلام .
فمن ذاك الذي يقف وراء هذه التنظيمات التخريبية..؟ بالتأكيد هي لا تتجمع من تلقاء نفسها، ولا تتخذ خططها التدميرية القاتلة من فراغ جيْب ولا من شُح مال، فهذه المجموعات تتكون بين أيدي مكونيها، وتتشكل بمقاصد واضحة مدعومة مالياً ليس فيها من هدف أوضح من ضرب الوطن بمقتل، وقتل الإنسان بقسوة الحيوان من أجل تغيير العنوان، هكذا تهدأ نفوسهم وترتوي أمراض نفسياتهم،
إنّ الكشف عن جذور التطرف والعنف والإرهاب يحتاج لاهتمام خاص بحجم الدراسات الجادة وتحضيراتها المخابراتية العملية الحريصة فوق العادة، وهو من أشد الموضوعات تهديدا للمجتمعات والحكومات لإفقادها قرارها السياسي، ولاتخاذ مواقف لا يتقبلها العقل ولا المنطق ولا الكرامة، وأشدها تركيزا من جانب أعداء الوطن والأمة للضرب بالصميم بمقتل، فهو الجانب الأضعف للاستغلال من الأعداء، وأوطان العرب والأردن واحد منها يواجه تحديات جمة، وعداوات لا تقف عند حدود الاحتلال للأوطان، لكنها تنتهج منهج كسر العظام لتليين كافة المفاصل واحكام الحلقة للوصول للنتيجة المرجوة.
ولشد ما ابتليت به أمة الاسلام قضية الغلو والتطرف التي راحت تعصف زوابعها بأذهان البسطاء من أمتنا مستغلة جهالتها ورغبتها الخروج من فوهة زجاجة الضائقة المالية والفقر والاضطهاد، وما اسهل افتتان أهل الأهواء وسرعة استجابتهم لاعتناق أراء تخلط السم باللبن فتظنها الصدق وهي أصل بلاء الكذابين، إن ضرب أسفين الفرقة في الفريق الواحد هي عملية استخبارية سهلة على أعداء الوطن والأمة والدين، وليس أسهل من استخدام العاطفة الدينية وتأجيجها وتسهيل الصعب على العقول تقبله، فهي فتنة عمياء تستوجب منا التأمل وتستدعي فينا التفكر والتعمق وإدراك غير المدرك من خلال سلسلة من التساؤلات أهمها على الإطلاق من المستفيد الأول من هذا التخريب وهذه العداوات... فهل ظن المخربون حين زرعوا عبوتهم الناسفة تحت سيارة رجال الأمن الآتين للسهر على راحتهم، وتأمين أمن تجمعهم الثقافي في مدينة الفحيص، أن العشائر التي ستفقد أبنائها بفعل غدرهم ستكون محبة لفعلهم الغادر الخسيس..؟ هل سألوا أنفسهم ما نتيجة قتلهم أبناء وطنهم الساهرين على أمنهم وراحتهم، وما موقف أهلهم ورجال عشيرتهم..؟ والأهم ما موقف الأجهزة الأمنية منهم..؟ هل ظنوا أنهم أحسنوا الاختفاء..؟ وأن القتل وخطف أرواح الشهداء وتكفير الأهل وإظهار عنفهم وإرهابهم سيروعون الناس وتدب فيهم الفوضى وتصيبهم بالعمى والشلل وهم يطلون من علٍ يرسمون ابتسامة النصر بكل بساطة..؟
ليعلموا أن الكشف عن جذور الارهاب ليس بالأمر الصعب على أجهزتنا المستعدة الضرب بيد من حديد على يد كل من تسول لهم أنفسهم خلق صراعات الجنون، وأم العزم على تنظيف الوطن من الفساد والعنف والارهاب هي مهمة كل وطني شريف يعي معنى أهمية تأمين الأمن والتخلص من الخلل الذي يثقل كاهل الأوفياء.
جميعنا يعي ويدرك أن قضية العنف والصراعات الدامية في حياة المجتمعات الإنسانية وتدافعاتها الحضارية ليست حكرا على فئات محددة لكن الأعداء تستغل مواطن الضعف فينا لتخترق حصوننا وتزرع عقول أبنائنا بالفكر المتطرف وبالمغالاة في العقيدة وهو من بقايا فكر العصبية الجاهلية الأولى، فمن يشذ بفكره وينحرف بجهالته وقع بالمحظور واعتراه الوهن العقلي والفكري لتطويه تيارات الغلو والانحراف نحو النشاط الإرهابي ليرتكب أفظع الجرائم تحت مظلة دينية هي بريئة منه ومن عقليته المريضة بالمبالغة.
كما هي الأوطان تعيش اليوم مكابداتها، فإن الإسلام كذلك يكابد وهو يواجه حرباً ضروس تعددت مصادره وتنوعب أشكاله، وأعداء هذه الأمة ينالون مزيداً ومزيداً من الوقت ليحققوا اكتمال خططهم واستنهاض صناعاتهم العسكرية والمخابراتية لزيادة قوتهم وتضخيم قدراتهم، وتحقيق مكاسب جمة على أرض الواقع، فما دام العرب يعيشون حالة الاسترخاء التام حد الشلل، فأعداء الأمة بخير وخططهم مضمونة النجاح، وتفوقهم ما يزال يتزايد باطراد مضمون، فالخوف من المستقبل يتزايد كذلك، ونحن نزداد تراجعا وتقهقراً، فيما أعداء الأمة تزداد تقدماً وتثبتاً، ومع هذا الفارق الكبير والمتزايد في حجمه وفاعليته، فسنظل الجانب الذي يتلقى المفاجآت دون هوادة وبشكل مطرد، وليس بأيدينا غير المعالجة الموضعية في حينه، واتخاذ خطط الحماية الذاتية والدعاء.. نعم الدعاء.. فللأردن رب يحميه!
-
hiyam damraعضو هيئة إدارية في عدد من المنظمات المحلية والدولية