( الصبي الغريق و مجلس الأمن للكواليس)

ا

مرت أكثر من ثلاثة أسابيع على حادثة الصبي الغريق (إيلان) و لا يزال التفاعل معها يأخذ منحىً تصاعديا منقطع النظير .. إلافتراضيّا و ليس رجما بالغيب و في خطوة غير مسبوقة من مجلس الأمن للأمم المتحدة وبعد أن وافق على جلسة طارئة غير معلنة .. بل و لأول مرّة في تاريخه يعقد جلسة في الكواليس وذلك بسبب ظهور جثة الصبي السوري مرميةً على أحد سواحل تركيا .. حيث طالب المجلس المذكور أنقرة بتسليمها الجثة لتوقيع أقصى العقوبة في حقّها .. بل وطالب أنقرة بمتابعة كلّ من قام بتصوير جثّة الصبي الهارب .. وحيث أنّها و بظهورها السّافر هكذا ملقاةً عند مصب البحر من شأنه أن يكشف خيوط اللعبة الأمميّة في سوريا .. و حيث و أمام تدعيات ظهور هذه الجثة فأن مبعوث الرحمة السيد (ديميستورا ) ليس في أحسن حالاته معنويّا .. فهو من جهته لا يدّخر أيّ جهد في ترميم و تجميل مصالح دول القرار الدولي حول سوريا و حيث أنّ عبقريته تفتّقتْ عن حلّ سحري وهو إبقاء (بشار الضبع) و فق بروتوكول محدود الصلاحيات كجزء من الحل ، ومن أجل الوصول إلى هذا الهدف المنشود أُعطي الضوء الأخضر للحرس الجمهوري الإيراني ومن معه من الوكلاء لتنفيذ عمليات الأرض المحروقة التي لا تبقي شجراً و لا تذر بشراً حتى تذعن الأطراف الأخرى للقبول بورقة مبعوث الرحمة السيد (ديميستورا) حول البروتوكول المطبوخ سلفاً بين روسيا و أمريكا .. و حيث أن مسلسل الهروب الجماعي للشعب السوري عبر البحار من شأنه أن يزيد الطين بلّة و خصوصا أن شراء صمت (أوروبا) وغض طرفها عمّا يجري داخل سوريا من شأنه أن يدفعها للتراجع عن مخطّط لعبة الكبار .. وحيث أنّ اللعبة الأمميّة منذ دخولها على أزمة سوريا كانت من أولوياتها المقدّسة هو العمل على تنفيذ رغبة (إسرائيل) حول بقاء نظام (بشار الضبع) بأي ثمن و بدون قيدٍ أو شرط ، و هي رغبة استراتيجيّة ليست وليدة اليوم بل تأصّلت و ترسّخت من أيام المقبور (حافظ الأسد) .. وحيث أن الأمم المتحدة تتفهّم دوافع (إسرائيل) سواء من حيث أمنها القومي أو من حيث بقائها القوّة المطلقة بالمنطقة .. فإنّ مجلس الأمن وعن طريق مبعوثه السيد (ديميستورا) يطلب و بكل إلحاح من الحرس الجمهوري الإيراني و من كلّ وكلائه داخل سوريا بأن يضاعفوا من كثافة الأرض المحروقة حتىّ لا يتركوا المجال لأطفال سوريا يهربون عبر ركوب قوارب البحار .. فحرقهم سواء بالراميل المتفجّرة أو خنقهم بالغازات السامّة هو المصير الأمثل حيث يبدو أن الرأي العالمي عموما و العربي خصوصاً بات عنده من المألوف أن يرى مئات الصور والفيديوهات و لا يحرك ساكناً بل و لم تعدْ هذه الصور ثثير غضبه أو استياءه كثيراً .. لكن و حيث أنّ الجثة الأخيرة للصبي المجرم الهارب تركتْ انطباعا عالميا و تعاطفاً منقطع النظير من شأنه أن يعرّض مصالح الدول العظمى للخطر و بالتالي من شأنه أن يفوّت على السيد (ديميستورا) خطّته العبقرية حول حلّ الأزمة السورية .. من أجل ذلك و بمقتضاه و بإجماع كافة أعضاء مجلس الكواليس تقرّر ما يلي :

1 مطالبة أنقرة بتسليم جثة الصبي للقصاص منها و متابعة كل من انتشلها أو قام بتصويرها

2 حرق الأطفال أوْلى بل و مقدّمٌ على غرقهم .. المثال على ذلك : عندما أُحرق الرضيع علي دوابشة لم تتعاطف معه شعوب الأرض كما تعاطفتْ مع جثة الصبي الغريق الهارب .

3 تطويق و محاصرة الإعلام بكل أنواعه عن متابعة الأماكن التي تُنفّذ فيها سياسة الأرض المحروقة إلى حين إذعان المعارضة للأمر الواقع .

4 على السيد مبعوث الرحمة (ديميستورا) أن لا يتخذ أيّ جديد بخصوص ورقة البروتوكول الأخيرة إلا بعد مشاورات مكوكيّة مع ( تل أبيب ) سريّاً .

نعم .. كانت هذه قراءة سياسية لما يكون قد راج في مجلس الكواليس للأمم المتحدة حول تداعيات غرق الصبي السوري و نقول بكل ألم و حسرة : أيها التاريخ سجّلْ في جوْف صندوقك الأسود أنّ الإنسانية اليوم لا يمكن أن تجد تفسيراً لها في قاموس المصطلحات إلاّ مصطلح العار .

بقلم : تاجموعتي نورالدين .