"اتجمعوا العشاق في سجن القلعة
اتجمعوا العشاق في باب الخلق
والشمس غنوة من الزنازن طالعة
ومصر غنوة مفرعة في الحلق
اتجمعوا العشاق في الزنزانة"
في أجواء إحتفالية و تصفيق و صيحات من الجمهور و موسيقى حماسية يتغّنى فريق (إسكندريلا) بتلك الكلمات الحزينة التي تحكي عن تجمّع المناضلين في السجن, و الحقيقة لقد إضطررت لسماع الأغنية أكثر من مرة و قراءة كلماتها حتى أبحث عن موضع الفرحة في القصيدة !! لماذا تحيط كل تلك الأجواء الإحتفالية بأغنية تتحدث عن السجن !! أظن أن تلك الأجواء الثورية تليق أكثر بالفتوحات و الإنتصارات و ليس السجن !
"السجن للجدعان"
"العزلة راحة"
"الإكتئاب تجربة روحية فريدة"
لقد كان لدي دائماً مشكلة مع تلك العبارات التي تجمّل القبيح و تجعله رومانسياً, تلك العبارات التي إنتشرت كالنار في الهشيم على الفيس بوك خاصة بين فئة المراهقين و تأثر بها العديد من الأشخاص حتى أن الكثيرين قد أقدموا على قطع علاقاتهم بالآخرين و إحاطة أنفسهم بالعزلة فقط لأنهم قد قرأوا منشوراً على الفيس بوك يمتدح العزلة و كأنها الجنة التي سيهرب إليها الإنسان من جحيم الدنيا و البشر.
فالسجن في الطبيعي ليس للجدعان حتى نتغنّى به بل هو مكان قبيح يقيّد حرية الإنسان , و الجدعان الطيبين ليس مكانهم الطبيعي في السجن.
و العزلة لا تجلب الراحة, فقد أثبتت دراسة تم إجراؤها بواسطة جامعة بريجهام يونج الأمريكية على 3 ملايين شخص أن تأثير الوحدة على صحة الإنسان يعادل تأثير تدخين 15 سيجارة يوميا و إدمان الكحول , هل تظن أن هذه الأمور تجلب الراحة للإنسان ؟! نعم قد يحتاج الإنسان أن ينعزل بعض الوقت لإتخاذ بعض القرارات الهامة لكن أن يجعل العزلة أسلوب حياة, فهذا هو أقصر طريق للموت.
أما الإكتئاب فلا أعرف كيف يمكن لشخص ما أن يمدح ذلك الوحش اللعين الذي ينتحر 15 % من المصابين به كما جاء في تقرير بموقع (All about depression) المختص بشئون الإكتئاب , فهل هذا المرض الفتّاك يمكن أن نطلق عليه تجربة روحية فريدة ؟!
لقد خلقنا الله كي نحيا, كي نعبده و نعمّر هذا الكون, و حتى يحدث هذا فلابد أن نكون مقبلين على الحياة, أن نسعد و نمتلئ بالسلام الداخلي, و هذه الأمور لا يمكن أن تلتقي مع العزلة و الإكتئاب و المرض و السجن, فأعلم إن كنت تتجّه نحو تلك الأمور القبيحة فأنت حتماً تعطي ظهرك للحياة.
نعم ! إن الحياة مليئة بالصعاب لكن ينبغي علينا أن نساعد بعضنا البعض كي نتغلّب عليها, و أهم خطوة هي أن نسمّي الأمور بسمّياتها و نتوقّف عن مدح تلك الأمور القبيحة التي تتنافى مع كل معاني الحياة .
المصادر :
https://news.byu.edu/news/prescription-living-longer-spend-less-time-alone
http://www.allaboutdepression.com/gen_04.html
-
عمرو يسريمهندس مصري يهتم بقراءة التاريخ وسِيَر القدماء. أرى أن تغيير الحاضر، والانطلاق نحو المستقبل يبدأ من فهم الماضي.
التعليقات
عزفت على الوتر الحساس أستاذ عمرو وأنا والله كانت لدي دائما نفس مشكلتك مع تجميل القبيح..خذ عندك هذا المثل الذي لم تمل أمي من ترديده على مسامعنا:* العين صعيبة تتقتل الكسيبة وتخوي الزريبة في إشارة إلى أن العين تأتي على الأخضر واليابس..وحكايات العين هاته كانت لي دائما معها مشكلة
مقالك رائع،كسر ثقافة الإحباط والمحبطين،ولن تجدنا إلا إلى جوارك
دمت للمنصة أستاذ عمرو
لا تعرف ان طرق رأسك في الجدار
أم لبس ظهرك جذع شجرة.
الكآبة الطاغية و اليأس جعلتنا نتغنى حتى بالوجع و نصفق لأحساسنا بالقدرة على تقبل الفكرة. نحتاج أن نفتح قلوبنا لشمس النهار نحتاج للحرية أن تفرد أجنحتها في عقولنا لندرك ما يسعدنا و ما يبكينا حقاً. شكراٍ جزيلاً على طرحك المتميز للمواضيع.
كل التوفيق واسعد بمتابعة صفحتكم واتشرف ايضا بمتابعتكم لصفحتى مع جزيل الشكر