مهارات الكتابة الأدبية الابداعية..

هيام ضمرة..

هل مهارة التأليف والإبداع الأدبي ملكة مكتسبة بالوراثة؟ أم طفرة تُخلَقُ تحت ظروف خاصة ومقوِّمات ذاتية خاصة؟ أم مهارة ممكن أن يتم صناعتها وتطويرها بالتدريب والدعم والاشتغال على الذات..؟ وما دور اللغة بها وفخامة مصطلحاتها والقدرة على ايراد الصور الابداعية المعتمدة على قوة الخيال، وتحليقات الإبداع، وتحديد تشكيل الكلمات وفق جمالية خاصة وتركيبة فنية غير تقليدية..؟

بناء اللغة هو أهم عنصر في اكتساب لغة الأدب يأتي بعدها القدرة على السرد المشوق ولغة الحوار الفني ودقة المعاني والقدرة على التصوير الايحائي المفعِّل لعقل المتلقي ليتفاعل مع الصورة ايجابا، فالكتابة الإبداعية تعتمد قوة الخيال وقوة التحكم بالعاطفة والقدرة على توجيه ذهن المتلقي داخل الصورة دون مبالغة ولا تهويل ولا تكلف، فاللغة الابداعية هي قوالب تحريرية حريرية الملمس الى درجة تحريك كامل الحواس والأحاسيس، ولأن للأدب ألوانه وفنونه المتعددة فلكل منها مقومات نجاح وقواعد اتقان.

وفنيات كتابة سيناريو القصة والرواية وتضمينها بالحوار تعتمد أسس شتى، لكنها تجتمع كلها في بوتقة التناغم الفني والتحريري، وتتناسق بتوليفة مكوناتها المتنوعة، من بساطة في الحوار، والتسلسل الزمني بحرفية، والتجديد بالمضمون والتعبيرات، وامتلاك الحس الفني بالكتابة.. إن خلق قالب عام يُسكب فيه الموضوع الأدبي الخاص، يحتاج لإلمام كامل بأسلوب التنقل بين صورة وصورة، وبين فكرة وأخرى، وترابط الصور ببعضها لتكون في مستوى الاستيعاب، حيث تتبدى القدرة على المحاكاة وتأليف وتوليف الصور المتخيلة، وهذه الخاصية تبدأ منذ مراحل الطفولة المبكرة، ربما لاحقا لعمر العامين، وتكبر مع الطفل بصورة مطردة تبعا لأشكال الدعم، أو امتلاك فرص التطور، من خلال دعم الأهل والمدرسين، أو تنمية اللغة من خلال المواظبة على الحوار الجاد، وعلى القراءة واكتساب الرصيد اللغوي، وتطوير استخداماتها، واستخدام محسناتها وقواعدها الصحيحة.. والمعروف أنّ الطفل حتى سن السابعة تعد هذه الفترة مرحلة التطور في شخصية الطفل، واكتسابة اللغة بالصورة الكاملة، وحفظ أكبر عدد من مصطلحاتها ومعانيها، والقدرة على التعبير  بها قولا وكتابة، بعد ذلك تنمو شخصيته على ما نهل وتعلم بهذه المرحلة، فتكون أساس تكوّن شخصيته وقاعدة بنائها

التمكن من التعبير الواضح كتابيا، وشفويا، وإملاءاً، ونحوا وصرفا، مع استخدام علامات الترقيم المناسبة في مواقعها الصحيحة، والبناء اللغوي في الجملة، فعلى الكاتب امتلاك ناصية اللغة والقدرة على التعبير الواضح والإبداعي في آن معاً، وامتلاك عنصر التشويق، من خلال لغة متمكن منها جيدًا، وامتلاك تعابير مختلفة، ومصطلحات متعددة تعبر عن ذات المعنى الواحد، فالمخزون اللغوي هو أهم مكونات امتلاك القدرة على الكتابة الجيدة والمحكمة

تنظيم الأفكار، ومهارة ترتيب الجمل، والمعاني داخل المقطع الواحد في ضوء المعنى المطلوب، حيث وضوح الرؤيا والهدف من أساسيات الكتابة الأدبية السليمة، تقود إلى حالة الانسجام ما بين الكاتب والمتلقي، وتجعل للفكرة منفذاً سلساً إلى العقول بالقبول، وتشد القارئ للمادة ونصوصها المشوقة، فتعد عملية تنظيم الأفكار، ومهارة ترتيب التعبير الفني عنها، وسكبها في قالب جميل لا تخلو من المحسنات البديعة، والأفكار العميقة، والرؤية المنفتحة على ثقافة واسعة، لتحاكي أوسع شريحة من المتلقين، وتصل إلى عقولهم دون مُعاندة تُذكر

مهارة استخدام أدوات الربط بين الجمل والمعاني، بحيث يمكن أن تكون سلسة سليمة ومترابطة بقوة، وتلعب أدوات الترقيم دوراً كبيراً في توضيح الفكرة، والتمييز بين مكوناتها، كما تجعل الفكرة المطروحة أكثر وضوحاً، والجملة أكثر تحديداً للاتجاه المراد قوله أو بيانه، فأدوات الترقيم هي مُحدِّدات للتوضيح والوصول للفهم الصحيح، ولا يمكن لدورها أنْ يكون هامشيا، فهي أساسية في فن الكتابة وعلى الكاتب أن يتقن استخداماتها، فالفاصلة والنقطة وعلامة الشرط وعلامة السؤال تعد أهم علامات الترقيم في الاستخدام

اكتساب مهارة القراءة المفيدة والصحيحة في مستوياتها السليمة، واستخدام مهارة النطق بها بمهارة وحرفية، باستخدام طبقات الصوت وتعبيراته، القدرة على التعبير الصوتي يساعد في عملية الكتابة بشكل ايجابي، لأنها تتيح للتصور رسم صورة أوضح لاستقدام الجمل المناسبة، وتوضيح لتفاصيل الصورة وتعبيراتها، وشكل الحوار وقدرته على جذب المتلقي

استخدام التصوير، والتعليل، والوصف، والاستعانة بعلوم البلاغة، وبيان اللغة لاختراق ذهنية المتلقي وذاكرته الحاضرة، وإدراكه، واستنهاض جماليات ذائقته، والاستئثار بانتباهِهِ، واستخراج دهشتِهِ وهي الاضاءة المُنيرة التي تبعث لبّ القضية أو الفكرة، فاستخدام فنيات اللغة وفنيات التشويق، ووسائل التعبير تعد من أساسيات الأدب الناجح

استخدام فنيات المُراوحة بين الجملة الاسمية والفعلية، وبين ضمير الحاضر والغائب، وبين الصورة واختراق العمق الإنساني فيها، بمعنى القدرة على تطويع كل الفنيات، وتقديم عمل متكامل سليم فيه كل عناصر التقارب بين المؤلف والمتلقي، للتأثير عليه، وإيقاعه بسحر التأثير بمقومات الجودة، وفنيات الإبداع، فعلى الكاتب أنْ يكون مُلماً ذهنياً وعاطفياً ولغوياً بالطرق التي تُثير القارئ وتجذب اهتمامه.

المؤثرات الوجدانية؛ وطريقة استخدامها بشكل صحيح، وبأسلوب تشويقي مثير، وبمعاني رائدة، وتصوير غير مسبوق، وتحليل ذكي متوائم والفكرة، ومناصرة للتعبير الأدبي الجميل، كون اختراق النفس البشرية والدخول إلى أعماقها يعد من ركائز النص الأدبي المتعمق، والفكر الايجابي الواضح، فالإنسان الطبيعي خُلق ليَحس ويشعر ويتفاعل مع المُؤثرات الحِسية والوجدانية، تتحكم به الحالة الوجدانية، ولهذا على الكاتب امتلاك ميزة إلباس شخصياته ثوب الإحساس

الحاجة ملحة إلى التعزيز الذاتي، وامتلاك شعور الثقة بالنفس، وبالقدرات الابداعية التي يمتلكها الكاتب، والقدرة على التعبير عن الفكرة والصورة، ومن ثم القدرة على ايصالها للمتلقي بالصورة واللغة المناسبة، لا بأس من عرض الإبداع على المتذوقين وعلى الخبراء العارفين للحصول على الدعم النفسي الايجابي، والتعرف إلى مكامن الضعف والقوة، وتصحيح ما يحتاج للتعديل، واكتساب خبرة مضافة

ربط القص بالحدث التاريخي المرتبط بزمن القصة، وهي ميزة هامة لاعطاء الأحداث شيء من التناسق التاريخي والتسلسل الزمني، وتقريب الصورة من الحدث العام، لاعطاء السرد شكلا من أشكال الدعم بالمعلومة، ولاشراك ذهن المتلقي بالزمن ومحددات وجوده، فاشراك العمل الأدبي بزمن محدد، يُظهر قدرة الكاتب على تمثل الأزمان بظروفها الحضارية، وأحداثها التاريخية، ومقوِّمات تفاصيلها المتراكبة مع المصداقية والخيال

القدرة على توليد الأفكار، وتقريبها من ذهنية القارئ، وسكبها في بوتقة لغوية مقنعة، ومعاني تصويرية واضحة، ومعبرة، تجعل من العمل الأدبي كتلة متماسكة ومترابطة، وتمنح مجالاً رحباً لتوالد أفكار تُسنِدُ العمل وتشدُّ أواصر أركانه، وتجعل منه النص المُشوِّق الأكثر امتاعاً، والأكثر إقناعاً والأكثر ترابطاً وامتاعاً

إنّ الفيس بوك ومواقع التواصل الاجتماعي؛ كانت وما زالت مَنفذا مُهماً للتعبير، ومَنفساً مُتسعاً للكتابةِ الابداعية وإطلاق الطاقات، والتعبير عن المُكنونات، لكنها بنفس الوقت كشفت مَواطن الضعف والقوة في فنيات اللغة واستعمالاتها لدى الفئة الشابة، فكثرة الأخطاء اللغوية والاملائية وهلهلة تشكيل القواعد كشف عن ضعف النظام التعليمي بالمرحلة الأساسية التي يجب اكتساب اللغة خلالها، وصار لِزاماً عليه أنْ يكتسب الشباب الفنيات الابداعية في الكتابة وسلامة اللغة والتعبير، وتثقيف الذات باللغة، كونها اللغة الثقافة ولغة القرآن الكريم الذي حمى هذه اللغة ومنع عنها المُؤثرات الخارجية، لتبقى في ذات بوتقة صنعتِها الصافية وتعبيرها الصحيح

وقد أوصى الدارسون على ضرورة استخدام استراتيجية التساؤل الذاتي لدى المتدرب على الكتابة الابداعية، حيث هذه الوسيلة تعمل على تنمية المهارة الابداعية بالتعبير عن الاحساس الداخلي، وتنشط فيه مهارة التنبوء والتخيل والتعامل مع عقدة القصة الرئيسة ومفرداتها الجانبية، فعملية التساؤل ووضع الأجوبة الشافية والمناسبة، يمكنها أنْ تجعل الكاتب على ذات السكة طوال رحلة السرد أو النص

ويظل لنا القول أن مهارة الكتابة تنمو وفق ظروف نفسية واجتماعية، تعتبر التربة الخصبة المناسبة التي تُغذي العقل والنفس والإرادة، لتسمح بالانطلاق بالاتجاه نحو الكتابة والتعبير بإحدى فنيات الأدب، أو بعدد منها في عملية تعدد الأدبيات

وأخيراً همسة أجدها الأهم على الإطلاق في عملية اكتساب خبرة الإبداع الأدبي، وهو تذكر أن مسمى الأدب أخذ من التأدب الأخلاقي، لأن مهمة الأدب تأديب النفس وتهذيبها كون الأدب لغة تثقيفية مؤثرة تترسخ بالنفس وتؤثر على السلوك، ولهذا جُعِلتْ أدبا والمفهوم تهذيباً، إنَّ المتحكم بزمام الكلمة الابداعية هو عنصر مورث للأدب والأخلاق، ويجب أن يكون ضمن حدود الأدب لا يحيد عنه قيد أنملة، فالميل فيه تحطيم لأخلاقيات الأمانة، والغش فيه قاتل لثقافة أمة بحالها، فعلى من يجد بنفسه القدرة على التعبير الكتابي والتعبير اللفظي أنْ يكون مصدراً للنور الأخلاقي، ويحاسب سلوكياته في كل المراحل، ليثبت أنه جدير بالأخلاق والأدب.