حربٌ على الرموز - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

حربٌ على الرموز

  نشر في 20 ماي 2016  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

- سيدي، هل فشل جنودك؟!

- أم أنها نتيجة طبيعية لجنونك؟!

= صه، نحن لا نخسر هل نسيت!

= غداً سأتوجه بخطاب يغير مسار هذه الحرب!

هذا ببساطة بعض مما سيحل بك حينما تزج بنفسك في حربٍ غير مدروسة التبعات..
خصوصاً إن كانت ميادينك المستهدفة العقول والقلوب!

الحرب التي أسلحتها الكلمات والمواقف تحتاج تعبئةً فكريةً واستدعاءً لكل ذرة ضمير وطني..

جنرالات هكذا حروب يحتاجون قاعدة استنادية أساسها الدعم الشعبي، وليس أفضل من اعلاءِ الرموز الوطنية طريقةً لرفع مقدار هذا الدعم..

فكيف إن كانت حرباً على هذه الرموز!!

* تقول الأسطورة: أن مجلس الجنرالات أعلن حربه على ثلاثة محاور..

1. العَلَم!

منذ قديم الأجل.. كانت الأعلام ترفرف خيلاءً، رمزاً يحمل بين ثناياه كبرياءً للكيان الذي يمثله..
ولم تتغير هذه المعادلة في عهد الحداثة..

فرئيس الدولة متغير ووزير الخارجية وسفراؤها يتغيرون.. والثابت في السارية هناك لا يتغير
وفي (نيويورك) هناك يرفرف كما في العاصمة الوطنية للدولة.

إن أول فعل للاحتلال فور نجاح غزوه على مر العصور كان إهانة العلم ومحاولة الحط من كبرياء الشعب من خلال الرمز الراسخ في القلوب والممثل الأول لهم.

كفلسطيني كانت فرحتي بحجم السماء حين رأيته خفاقاً بجوار أعلام الأمم..
وسبقته انشراحات برؤيته في أيدي المتضامنين مع القضية في أمريكا اللاتينية..
نفس الألوان وذات الرمزية أينما حل..

كطفل تربى على عشق راية الألوان الأربع كانت تغصني تصريحات كأن هذه: "خرقة قماش بالية"
وكان يغيظني جداً عدم وجود علم على سارية مدرستي الثانوية - الحكومية بطبيعة الحال -،
بعد أن عشت دهراً لا أدخل فصلي إلا بتحية للعلم في مرحلة الابتدائية الأولى - والتي كانت في مدرسة تابعة للاونروا! -

" أليس قطاع غزة جزءًا من فلسطين؟! ".. لطالما تساءل ذلك المراهق هذا السؤال..

تواصلت التصرفات العارية عن الانتماء..

حين رأيت رسماً كاريكاتيرياً مهيناً للعلم بوصفه داعماً للاحتلال، لرسام "مأفون" يشتهر بكونه (رسام السلطان) وفي حكايتنا هذه (رسام الجنرال!)

سرعان ما بدأت تنبلج هذه الغمامة والسرور يستولي قلبي حين رأيت مؤتمراتهم الصحفية ولقاءاتهم الرسمية -التي كانت مع وفود المتضامنين مع غزة غالباً- لا يبرز فيها إلا هو، هو هناك وبأعداد كبيرة أيضاً!

رغم كل شيء كانت رمزيته طاغية ولجامه كاوٍ عليهم!

2. الكوفية!

لا حاجة للاسهاب في الوصف..
اتحاد البياض بالسواد المخصوص بنا..

هي "حطة" الأجداد..
هي "لثام" حماة البلاد..

أبطال النضال في ثورة البراق 1936
مروراً بثوار ما بعد النكبة -العاصفة 1965- (الذين التزموا بها كرمز أصيل كان موجوداً)

نعود إلى مرحلتِي الاعدادية والثانوية في هذا المحور!
حيث كان مرتدي الكوفية في غزة يعامل معاملة الخارج عن الملة من قبل (الشرطة الفلسطينية)!!

أجل كانت تنتزع كوفيتنا منا وتداس ونضرب لارتدائها بحجة أنها رمز للزندقة تارة وأنها بدعة فتحاوية تارة أخرى!!

في الوقت الذي كان أشقاؤنا في الجزائر الحبيبة مثلاً لا يحيون مناسبة فلسطينية إلا بكوفية تجانب العلم!

أجل الحرب شعواء كانت على هذا الرمز حتى انهم ابتدعوا له بديلاً -حلالاً- استبدل سواد الرقعة بخضار!

لقد كان مؤلماً تماهي أفكار جنرالنا العزيز مع مساعي الحركة الصهيونية لاثبات الكوفية ضمن تراثها المزعوم وجزها من تاريخنا العريق!

ما لبثت محتاراً أمام هذا الانحراف في التفكير حتى وجدت في انتفاضة القدس الأخيرة شافياً لي من حيرتي..
فها هم يرتدونها في نشراتهم وعلى قنواتهم بل ويفتخرون بذلك..

لا أخفيكم أني كنت أفتح فضائية الجنرال (فضائية الأقصى)، فقط لاستمتع بالكوفية تلف أعناق كل المذيعين!

وكأني أرى في ذلك المنظر راية استسلام أمام سطوة الرمز الذي استماتوا في طمسه..
وكأني سمعت الكوفية تقول "خسئتم وعدتم صاغرين"!!

3. أبو عمار!

" لا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي "

قالها الأسطورة الحية فينا!

لم يقلها وسط ميدان في رام الله أو في غزة..
بل أمام رؤوس الدول كلها وكبار المسؤولين الدوليين في قلب عاصمة اللوبي الصهيوني.

لك أن تنتقده رئيساً فهذا حق كل مواطن،
ولكن أن يوصلك الحقد لطعن الثائر الأول في روحه الثورية فهذه حرب مع رمز آخر!

قد تتساءل لماذا اعتبرته رمزاً وانت لم تعيه سوى رئيساً قبل استشهاده بقليل!

ببساطة لقد كان يوم استشهاد ياسر عرفات أكثر الأيام التي عايشتها حزناً في البيت والحارة والمدينة وعلى منابر الاعلام المختلفة..

كيف لا يكون رمزاً من أثر رحيله بكل هؤلاء!

يقول محمود درويش في رثاء أبو عمار :" كان ياسر عرفات الفصل الأطول في حياتنا، وكان اسمه أحد أسماء فلسطين الجديدة، الناهضة من رماد النكبة إلى جمرة المقاومة، إلى فكرة الدولة، إلى واقع تأسيسها المتعثر. لكن للأبطال التراجيديين قدراً يشاكسهم، ويتربص بخطوتهم الأخيرة نحو باب الوصول، ليحرمهم من الاحتفال بالنهاية السعيدة بعمر من الشقاء والتضحية، لأن الزارع في الحقول الوعرة لا يكون دائماً هو الحاصد."

من يسأل من أبو عمار؟، فالرد عليه:
"سَلْ لا أبَ لك سَلْ، تُجبكَ العواصمُ!"

سَل طائرات الخطوط الجوية الفلسطينية كيف كانت تنطلق من رفح إلى باريس ومن مكة إلى رفح !

ففي الوقت الذي منعنا (الجنرال) من إحياء ذكراه لعدة سنين ورفع صوره في قطاع غزة، كانت صورته معلقة في مكتب مانديلا هناك في جوهانسبرج في جنوب أفريقيا!

لا يحتاج أبو عمار مني اسهاباً فقد خسرتم حربكم معه قبل أن تبدأ..

رجل لم تنساه ميادين تشيلي والأرجنتين فتجد صوره هناك وفي تونس والجزائر يحيون ذكراه
وفي بيروت له مرتع وفي الأردن خسائر العدو يوم الكرامة خير مترحم عليه!

في ختام المقال،

حتى من يسمون الهزيمة انتصاراً، أمام الرموز الوطنية الفلسطينية تهاوت مساعيهم ولم يجدوا مهرباً منها إلا إليها!

انتهت الحرب وعلى المنهزم التزام الصمت..
واستخلاص الدروس المستفادة!

ستظل فلسطين قِبلة الثوار..
ورموزها مبعثاً للأنوار.


  • 3

   نشر في 20 ماي 2016  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا