جل الثورات التي وقعت في العالم على مر التاريخ و أحدثت تغييرا على المستوى الاقتصادي الاجتماعي الثقافي...... هي بلا شك وليدة انبعاث مجتمع مدني منظم و موجه بمعنى اخر مجتمع وصل الى درجة عالية من النضج و النضج هو ايمان المجتمع بقضيته التي يناضل من اجلها و بسبل نجاحها ,عندما نتحدث عن التنظيم organisation ميزة جامعة مانعة يتوفر كل شيء و لا يكتمل الا بوجودها , فالتنظيم ادن لم يخطى مجالا الا و فرض اهميته ,فعندما نقارب مفهوم التنظيم فيما يخص موضوعنا نجده يعكس سيرورة المجتمع في اعداده لفرد قابل للانصهار في الجماعة و متمكن من الانسجام مع افراد اخرين توحدهم قضية و هذا الانسجام يتحدد في هذا السياق بإيمان الفرد بالاختلاف و المساهمة في طرح الافكار و الالتزام بالانتماء لهذه الجماعة و هذا لا نجده الا عند فرد متعلم و مستوعب لقيم النضال من اجل قضية معينة و متشرب بخصال المدنية يتم تلقينها له في المدرسة و الحي و الاسرة و غيرها من الاوساط , يعني اننا امام مجتمع ناضج و هذا ما تخشاه بعض الانظمة . مجتمع يعد فرد قادر على الانتماء الى جماعة تشاركه نفس القضية بطرق و اساليب نضالية جد راقية, نكون ادن أمام مجتمع مدني منظم و هذا الاخير لا بد أن يكون موجه ORIENTE و هذه الوظيفة لن يضطلع بها الا مثقف القلب النابض للجماعة يحمل همها و يحتل صفوفها الامامية يُنَظِّرُ لها ,هو فرد متشبع بتعاليم ماركس و امميات انجلز و تروتسكي و ادبيات غرامشي و سارتر , اسلوب هذا المثقف في النضال متطور للغاية تستمد منه الجماعة قوتها , لن ابالغ اذا قلت انه المؤمن الاول بالقضية المناضل من اجلها اكثر من غيره, هذا المثقف شاهدناه في انتفاضة الطلبة ماي 1968 بفرنسا مع سارتر و فوكو و غيرهم , هؤلاء مثقفون عضويون مرتبطون بأحوال مجتمعاتهم ,عندما تحين اللحظة و تحتاج لهم مجتمعاتهم تجدهم في الحين, هؤلاء الموجهين dirigeants من نحتاج في كل قضايانا.

وعيا منها بالمسالة نهجت السلطة في معظم مجتمعات العالم الثالث من جهة ,اسلوب تدجين المجتمع المدني و كسر شوكته و ذلك من خلال احتواء مثقفيه و استمالتهم بالمناصب و الملذات حتى تكون قد افرغت المجتمع المدني مِنْ مَنْ يوجهه و يوحد صفوفه , اما المثقف العنيد فيمارس عليه الحظر في كل الاوساط التي يتردد عليها من جامعة و اماكن تواصله مع ابناء مجتمعه ان صح القول . ومن جهة اخرى عملت على حشر و ضخ هؤلاء المثقفين في الاحزاب السياسية التي غالبا ما تكون نشأتها من رحم السلطة ليتم بذلك استمالة المثقف بطبع كتبه ,احاطته بهالة اشهارية من خلال النفخ في اعماله و شخصه, منحه تزكية لتسهيل ولوجه للتدريس في الجامعة , تمثيلها في المحافل الدولية….. الخطير في الامر ان حدود المجتمع المدني و المجتمع السياسي تصبح مبهمة بحيث نجد مثقف ينضوي تحت حزب سياسي بإيديولوجيا و حسابات سياسية و يقود في نفس الوقت حركات و انتفاضات يقوم بها المجتمع المدني فيصبح هذا الاخير اسير حسابات سياسية ضيقة و هكذا تتلاشى و تضمحل قضيته.

من خلال ما اشرنا اليه انفا, المجتمع المدني قوته تبرز في قوة تنظيمه و وثاقة و عزيمة من يوجهه مثقف مستقل و مستوعب لقضية جماعته. فضلا عن كل هذا وجب التذكير الى اهمية المجال او الاطار المجالي الذي سيناضل فيه المجتمع المدني فلسوء الحظ اقطارنا لا توفر مجالات مخصصة لنضال الجماهير اذا استثنينا البعض فإنجلترا تتوفر على حدائق الحرية و الصين على ساحة تيان مان و روسيا على الساحة الحمراء بموسكو.