الجيش المصري بعد خمسون عاماً من السلام - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

الجيش المصري بعد خمسون عاماً من السلام

  نشر في 11 نونبر 2023  وآخر تعديل بتاريخ 11 نونبر 2023 .

حل الشهر الماضي الذكرى الخمسين لنصر السادس من اكتوبر المجيد عام 1973 وهي آخر حرب شاملة يخوضها الجيش المصري الى يومنا هذا وتعتبر حرب السادس من اكتوبر هى الوحيدة التي استطاع الجيش المصري تحقيق النصر فيها طوال القرن الماضي لتنهي سلسلة من الهزائم المتواصلة بداية من الهزيمة امام الجيش الانجليزي واحتلال مصر عام 1882 مرورا بهزيمة حرب فلسطين عام 1948 امام العصابات الصهيونية ويليها هزيمة عسكرية موحشة 1956 امام العدوان الثلاثي على الرغم من النصر السياسي والدبلوماسي لمصر وأخيراً الهزيمة النكراء امام العدو الاسرائيلي عام 1967 او ما يعرف ب نكسة 67 حيث تم تدمير سلاح الجو المصري بأكمله فى المطارات قبل ان يستعد للاقلاع والاشتباك حتى، وفقدت مصر سيناء بالكامل ناهيك عن الاف القتلي والمفقودين فجاء نصر اكتوبر بعد كل هذا ليمحو عار تلك الهزائم ويستثمر الجيش المصري هذا النصر اليتيم ليستمد شرعيته فى حكم البلاد سياسياً الى يومنا هذا ومن الطريف فى الامر ان الجيش المصري يتعمد تضخيم هذا النصر وتصويره للشعب على انه بمثابة معجزة فى حرب واسعة وشاقة رغم ان الحرب لم تستمر الا 26 يوما فقط على جبهة واحدة طولها لا يتعدي 200 كم تقريبا هي طول قناة السويس في حين ان الحرب الروسية الاوكرانية المستمرة لاكثر من 500 يوم الان وعلى جبهة طويلة هي حدود اوكرانيا الشرقية كلها رغم ذلك لم تطلق عليها روسيا اسم "حرب" ولكن اسمتها "العملية العسكرية الخاصة فى اوكرانيا". ومنذ ذلك التاريخ دخل الجيش المصري فى حالة ثُبات عميق لم يستفيق منها الى اليوم فلم يبدي اي رغبة فى القتال باستثناء مشاركته الخجولة فى حرب الكويت عام 1992 تحت القيادة الامريكية. ومنذ ذلك النصر وما تلاه من معاهدة السلام الموقعة مع اسرائيل ترأت تحولات كبيرة على الجيش المصري منها :

1. تحول دفة ولائه بالكامل باتجاه الولايات المتحدة الامريكية فأصبح التسليح والتدريب والصيانة والمناورات وخلافه كلها تعتمد بشكل شبه كامل على الجانب الامريكي بجانب معونة عسكرية امريكية قدرها حوالي 2 مليار دولار تدفع سنويا للجيش المصري كنوع من انواع شراء الولاء وضمان استخدام قدرات الجيش المصري فقط لخدمة المصالح الامريكية فى المنطقة.

2. اندفاع الدولة فى الانفاق ببزخ على الجيش كالعجل الذي يرغب صاحبه فى تسمينه ودائما ما يوضع الجيش على رأس اولوية الإنفاق للدولة وتضع له ميزانية مفتوحة لا رقابة عليها. فأصبح الجيش المصري يتصدر سنويا قوائم اقوى الجيوش فى العالم ويعد المجال العسكري هو المجال الوحيد الذي تحصل فيه مصر على مراكز متقدمة بين دول العالم على عكس بقية مناحي الحياة دائماً ما تجد مصر في ذيل الامم وهذا يريك يا عزيزي القارئ كيف ان الدولة المصرية بأكملها قد اختزلت فى الجيش والجيش فقط دون سواه اما الباقي فليذهب للجحيم.

3. (النقطة الأهم) فقدان الجيش المصري لأي رغبة فى القتال لدرجة اصبح فيها يغض الطرف عن تهديدات الامن القومي مهما اشتدت وعن استفزازات الاعداء مهما تخطت الحدود وكأنه جيش لا وجود له اصلا. وهذا على عكس ما كان فى الماضي ففي حرب 1948 بادر الجيش بالهجوم على العصابات الصهيونية فى فلسطين، وفي حرب 1956 كان لدي القيادة المصرية الشجاعة على تحدي القوى الكبرى كإنجلترا وفرنسا وأممت قناة السويس المملوكة لهم فى ذلك الوقت.

دعونا نحلل هذه النقطة الاخيرة بشئ من التفصيل، فكما ذكرت فى السطور السابقة أن الجيش المصري دائما ما يحتل مراتب متقدمة بين اقوى جيوش العالم فهل يجب ان تخدعنا تلك الارقام والاحصاءات عن عدد الدبابات والطائرات والبارجات والغواصات وعدد الجنود وغيره، هل هذه الارقام وحدها كافية لتحديد قدرة الجيش المصري الذي يتحاشي بشكل مخزى اى مواجهة مهما فُرضت عليه؟

فعلى مر عقد من الزمان تعاني مصر من أكبر تهديد وجودي لشعبها بسبب المنشأة العدائية المسماة سد النهضة الاثيوبي الذي يهدد حياة المصريين بالموت عطشاً او غرقاً ويساهم بشكل غير مسبوق فى انتهاك سيادة مصر واستقلال قرارها السياسي ورغم هذا التهديد الذي لا يضاهيه تهديد نجد الجيش المصري فى حالة سكون ولامبالاة مستفزة حتى بعد أن اعطي الرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب الضوء الاخضر لمصر بتدمير السد فلم يستثمر الجيش هذه الفرصة. وقد يقول قائل ان الجيش مستعد لكنه ينتظر اوامر الرئيس وردي على هذا الادعاء ان صاحبه ليس على دراية جيدة بالوضع السياسي المصري فمنذ انقلاب الجيش واستحواذه على السلطة عام 1952 اصبح الجيش هو الحاكم الصريح لمصر والعنصر الفاعل فى اى معادلة سياسية ويتحكم بشكل شبه كامل من يجلس على مقعد رئيس الدولة فالرئيس حتى وان كان من أحد ضباط الجيش السابقين لا يستطيع الجلوس فى المنصب دون رضا الجيش عنه.

مثال اخر على سلبية وتخاذل الجيش المصري هو الاحداث الجارية الان على حدودنا فى قطاع غزة بعد عملية طوفان الاقصي المباركة. فالعدو الاسرائيلي يرتكب ابشع المجازر يوميا بحق اخوتنا بلا رادع ويتعالى الحديث عن صفقة مشبوهة لتهجير أهل غزة من أرضهم وتوطينهم فى سيناء ناهيك عن استهداف العدو الاسرائيلي لمعبر رفح عدة مرات واستهداف برج مراقبة لحرس الحدود المصري ووقوع اصابات فضلا عن سقوط صاروخين داخل مدن مصرية احدثت تلفيات. وفوق كل هذا غطرسة وعجرفة صهيونية من اسرائيل والقوة التي تحميها فى التعامل مع ادخال المساعدات الانسانية لغزة وتهديد مصر بالقصف اذا فتحت المعبر لادخال المساعدات بدون اذن اسرائيل ثم تفتيش المساعدات على الاراضي المصرية من ضباط اسرائيليين قبل ادخالها لغزة. كل ما سبق لم يكن كافياً للجيش المصري ليحرك ساكناً بل استمر فى الخنوع بشكل مقيت ليفقد كل ما تبقي له من احترام فى نفوس الشعوب العربية.

السؤال الذي يفرض نفسه هنا هل الجيش المصري قادراً على تحقيق اي نصر جديد يضاف لنصر اكتوبر سواء كان هذا النصر على عدو قوى او حتى عدو ضعيف؟

دعونا نسرد الحقائق التالية ومنها نستنتج الاجابة :

1. الجيش المصري لا يصنع أسلحته بل يعتمد على التسليح الخارجي وبالأخص الامريكي.

2. الشعب المصري حاله حال جيشه يعتمد على استيراد كل احتياجاته الاساسية من غذاء ودواء وخلافه من الخارج مما يجعله أسيرا لرضا الغرب خوفاً من فرض العقوبات التي قد تطوله وتطول الجيش معه.

3. الاقتصاد المصري المنهار والدولة المصرية المفلسة لا تعطي الجيش المصري القدرة على تحمل تكلفة الدخول فى حرب خاصةً لو طال أمدها.

4. رغم امكانياته الضخمة نظرياً إلا أن الجيش المصري يفتقر افتقاراً شديداً للخبرات القتالية واللوجستية نتيجة غيابه عن ساحة الحرب لخمس عقود في حين أن العديد من الجيوش الصغيرة والفصائل العسكرية فى دول اخرى تشبعت بخبرات قتالية متراكمة نتيجة الانخراط فى الحرب الفعلية ينطبق عليهم قول عنترة بن شداد :

في الحرب العوان ولدت طفلا                             ومن لبن المعامع قد سقيت

5. طوال خمس عقود من السلم لم يهتم الجيش المصري بالتدريب والمناورات لرفع درجة الاستعداد القتالي بقدر اهمتمامه بالانخراط فى المجالات المدنية السياسية منها والاقتصادية فانصرف الجيش عن مهمته الطبيعية وأوكل لنفسه مهام اخري اغتصبها من اصحابها.

6. طوال الخمس عقود الماضية كان المعيار الاساسي لاختيار ضباط الجيش هو درجة قربهم من الطبقة الحاكمة واصحاب النفوذ فأصبحت مهنة الضابط شبه متوارثة من الآباء للابناء حتى وان كانوا الاسوء من حيث الكفاءة والاستحقاق وفضلاص عن ذلك لا يصل من هؤلاء الضباط الغير اكفاء لمستوى القياضات العليا الا بضمان ولاءهم وفسادهم مما جعل ضباط الجيش بكل مستوياتهم حفنة من الفشلة الفاسدين.

7. اشتعال الغضب في نفوس المصريين بشكل غير مسبوق ضد رئيس الدولة -الغير شرعي- والجيش الذي يتكفل بحمايته من الغضب الشعبي مما جعل الحاضنة الشعبية للجيش المصري تتبخر ورفع كلفة القمع الداخلي للشعب الغاضب مما يجعل الجيش وقياداته يفضلون التركيز على قمع بركان الغضب داخل المجتمع المصري خوفاً من انفلات الامور من يدهم وفقدان السلطة والامتيازات التي اغتصبوها ان انشغلوا ولو للحظة بأي صراع مع اي عدو خارجي.


لنعود الآن الى سؤالنا : هل الجيش المصري قادراً على تحقيق اي نصر جديد بعد مرور خمسين عاماً من السلام؟

اترك الاجابة لك عزيزي القارئ





   نشر في 11 نونبر 2023  وآخر تعديل بتاريخ 11 نونبر 2023 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا